تتحسّس الفلسطينية ملك مسعود طريقها ليلًا، بعد انقطاع التيار الكهربائي، لنقل أطفالها إلى الدرج السُفلي للبناية السكنية التي تقطنها وسط مدينة غزة، للاحتماء من أصوات وشظايا صواريخ الطائرات الحربية الإسرائيلية التي تواصل قصفها لمختلف مناطق القطاع، والتي باتت تتركز ليلاً بشكل خاص.
وكثفت الطائرات الحربية الإسرائيلية غاراتها الجوية خلال الليل وفجر الأيام التسعة من العدوان، بهدف مُضاعفة حالة الرُعب التي تعيشها الأُسر الفلسطينية بما فيها من أطفال ونساء ومسنين، ما جعل ليالي العدوان الإسرائيلي المستمر على القطاع الأكثر خوفًا من القصف العشوائي، وقلقًا من الموت أو الفقد.
وتقول مسعود، لـ"العربي الجديد"، إنّ "القصف الجنوني الذي يطاول المنشآت المدنية الآمنة تسبب بخلق حالة خوف شديدة لدى أطفالي، وقد باتوا يكرهون حلول ساعات المساء من شدة الانفجارات والأصوات العنيفة وغير المسبوقة التي تنتجها، بالتزامن مع سواد الليل، والرهبة الإضافية التي يخلقها".
وعلى الرغم من القلق الذي صاحَب مسعود منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إلا أنه تضاعف بعد استهداف العمارات السكنية على من فيها من مواطنين أبرياء لا ذنب لهم، وفق تعبيرها، فقد باتت لا تأمن على نفسها وعلى أطفالها من جنون الاستهدافات العشوائية، والتي تزداد وتيرتها مع حول ساعات المساء.
وتخلق الطائرات الحربية حالة من الذعر بين صفوف ساكني القطاع، لا سيما بعد استهدافها المُباشِر للبيوت والأبراج والعمارات السكنية، فوق رؤوس أصحابها دون سابق إنذار، ما تسبب في هاجس داخلي لكل مواطن، بأنه الهدف القادم لتلك الطائرات، التي باتت تصب جام غضبها على المدنيين العزل.
وتُخصِص عائلة أبو سلامة، وتقطن حي الشيخ رضوان، شمالي مدينة غزة، حاصلاً (محلاً) صغيراً أسفل منزلهم للاحتماء من القصف الإسرائيلي المتواصل، وتزداد وتيرته خلال فترة المساء، لحمايتهم من القذائف، إلى جانب أن بوابة الحاصل باتجاه الشارع، ما يسهل عملية الهروب في حال تم تحذير المبنى، أو قصف هدف قريب، أو حتى البدء بقصف المبنى.
ويقول صاحب المبنى أبو محمد سلامة، لـ "العربي الجديد"، إنّ القصف الإسرائيلي، الذي يستهدف بالدرجة الأولى أمن الأطفال والنساء، لم يبقِ في قطاع غزة كله مكانًا آمِنًا، ويضيف: "نَزَحت شقيقتي وتسكن شمال قطاع غزة إلى بيتي اعتقاداً منها بأنه أكثر أمنًا، إلا أن القصف لا يتوقف للحظة واحدة، فيما تزداد الصعوبة خلال فترة المساء، حين يبدأ الأطفال بالبكاء".
ولا يهدأ القصف الإسرائيلي خلال ساعات النهار، إلا أنّ الليل يحمل طابعًا مختلفًا للرُعب الذي تتسبب به الطائرات الحربية الإسرائيلية، والتي لا تتوقف عن دك الأهداف المدنية والعمارات والبيوت الآمِنة، مخلِّفة حتى ظهر اليوم الثلاثاء213 شهيداً، منهم 61 طفلاً و36 سيدة، و 16 مُسِناً، بالإضافة إلى إصابة 1400 فلسطيني بجراح مختلفة، من بينهم 400 طفل و270 سيدة.
ويقول المختص النفسي، الدكتور فضل أبو هين، إنّ الاحتلال الإسرائيلي يسعى من خلال زيادة وتيرة القصف خلال ساعات المساء والليل "إلى مضاعفة حالة الهلع عند المدنيين، فضلاً عن ترك أثر نفسي يرافق الأطفال والنساء طوال حياتهم".
ويوضح أبو هين، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الاحتلال الإسرائيلي لا يلجأ إلى مثل هذه التصرفات بشكل عبثي، خاصة في ظل تفاقم أزمة الكهرباء، إذ يعي جيدًا تأثيرها النفسي السلبي على مختلف شرائح المجتمع، في ظل زيادة جرعة الرعب والخوف من الخطر المجهول".
ويهدف الاحتلال الإسرائيلي عبر تركيز القصف خلال ساعات المساء إلى إيصال ثلاث رسائل في آن واحد، وفق أبو هين، "تتمثل في تحقيق أكبر قدر ممكن من الرعب الإضافي، قتل الروح المعنوية للأطفال، إلى جانب زرع حالة من عدم الاستقرار والأمان لأي أحد في أي لحظة، إذ يشعر الجميع وكأنهم مستهدفون، ما يفقدهم الأمن والاستقرار، في ظل حالة من زيادة الاضطرابات والقلق النفسي، وعدم القدرة على التحكم بالانفعالات النفسية والسلوكية".
ويُنبِّه أبو هين من خطورة الأثر والجرح النفسي، الذي يفوق الجروح العادية، التي تشفى بعد التدخل الطبي، إذ ترسخ في العقل صور القصف، والعمارات المهدمة فوق رؤوس أصحابها، والقنابل التي تزرع الخوف والرعب، ويضيف: "للعقول قدرة على التحمل، ويُرافق مشاهد الدمار، دمار نفسي بسبب حالة القلق والتوتر والخوف والحزن".
أما بخصوص التدخلات النفسية، للعلاج والاستدراك، فإنها لا تتم خلال فترة العدوان، إذ تأتي بعد انتهاء الحدث، وإبعاد الناس عن مصادر الخطر، بناء على توصيف أبو هين، الذي دعا الأهالي في الوقت ذاته إلى التحكم بانفعالاتهم قدر المستطاع أمام الأطفال، وأن يكونوا قدوة.
وتتضاعف حالة الرُعب عند المواطنين لحظة تسلل الطائرات الإسرائيلية في ساعات المساء، بالتزامن مع تفاقم أزمة الكهرباء، التي يشهدها قطاع غزة، بفعل تدمير الطيران الحربي الإسرائيلي، خطوط الكهرباء الرئيسية المغذية للطاقة، وقد قالت شركة توزيع الكهرباء في مؤتمر صحافي عقدته أمس الاثنين، إن "دمارًا كبيرًا طال قطاعًا واسعًا من مكونات شبكة توزيع الكهرباء نتيجة العدوان".