لم يكتفِ الاحتلال الإسرائيلي باستهداف البشر والحجر خلال الحرب المدمرة التي يشنها على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وامتدت اعتداءاته إلى الشجر، ما أهدر أكبر موسم زراعي متوقع لقطف الزيتون في القطاع.
تنتشر في قطاع غزة عشرات آلاف أشجار الزيتون التي زرعها مواطنون على مدار عقود، ويجنون محصولها بين أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني تمهيداً لتحويله إلى زيت أو مخلل بحسب عادات وتقاليد أهالي غزة وفلسطين عموماً.
يقول أبو محمد قشطة، أحد مزارعي مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، لـ"العربي الجديد": "لم أستطع الوصول إلى الأرض الزراعية الخاصة بي شرق المدينة نتيجة القصف المدفعي وغارات طيران الاحتلال الإسرائيلي على مدار اليوم منذ 7 أكتوبر الماضي، وبالتالي لم أجمع محصول الزيتون من أجل إرساله إلى المعصرة كما كل عام".
يضيف: "لا أعرف ما إذا كانت أشجار الزيتون التي تتضمنها أرضي لا تزال موجودة في ظل استمرار القصف الإسرائيلي للمناطق الزراعية شرق مدينة رفح"، علماً أنه لا يستبعد أن يوسّع الاحتلال عملياته البرية في المناطق الشرقية والشمالية لقطاع غزة خلال الأيام القليلة المقبلة، والتي بات المواطنون لا يستطيعون الوصول اليها للاطمئنان على أراضيهم كي يجنوا الزيتون.
ويتحدث أيضاً عن أنه يملك قطعة أرض تتضمن أكثر من 100 شجرة زيتون، وأنه اعتاد كل سنة في هذه الفترة قطف الزيتون لتحويله إلى زيت في معاصر مدينة رفح، وتوزيع جزء منه على الأقارب والأصحاب والجيران ضمن العادات والتقاليد التي تتناقلها الأجيال.
وإلى أصحاب الأراضي الزراعية والمزارعين، تعرّض عاملون في مهن أخرى ترتبط بالزيتون لأضرار الحرب الحالية، بينهم مياومو القطاف الذين يحاولون الإفادة من الموسم لجلب بعض ما يكفي لسد رمقهم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة السائدة في قطاع غزة، وأيضاً أولئك الذي يمارسون مهناً في معاصر الزيتون التي تعمل تحديداً في الموسم.
وبسبب استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، قد ينتهي موسم الزيتون هذا العام من دون أن يشارك أحد في حصاده، وأيضاً في احتفالاته التي تشكل عادات وتقاليد يشارك فيها الكثير من المواطنين والجيران وتلاميذ المدارس ورياض الأطفال، ضمن أجواء تراثية وشعبية تتخللها أهازيج وأغانٍ فلسطينية متوارثة من أجيال سابقة.
وفعلياً، يشرف محصول الزيتون في غزة على الخراب والتعرض لضرر كامل، ما يفقد المزارعين مصدر رزق أساسياً لهم في كل عام عبر جني الزيتون وتحويله إلى زيت قبل بيعه في الأسواق. ويرجح أن يكون موسم العام الحالي غير صالح ويُلحق أضراراً كبيرة بالمزارعين، الذين ينتظرون شهر الحصاد بفارغ الصبر لجني أرباح تكفي لتعويض ما دفعوه على مدار العام لتأمين المياه وتنفيذ إصلاحات لتحسين الأرض المزروعة.
وحددت وزارة الزراعة في غزة، العام الماضي، مساحة الأراضي المزروعة بالزيتون في قطاع غزة بنحو 44 ألف دونم، بينها 35 ألف دونم شجراً مثمراً و9 آلاف دونم غير مثمر، وتقدّر إمكان إنتاج هذه الأراضي كمية 35 ألف طن من الزيتون.
ويُشار إلى أن جزءاً يسيراً من هذه الكميات يجرى تخليله في المنازل أو المصانع، في حين يُعصر الجزء الأكبر في معاصر لتحويله إلى زيت، وبيعه لمواطنين في الأسواق والمحال التجارية. ويضم القطاع نحو 40 معصرة لاستخراج زيت الزيتون، منها 32 مجهزة بمعدات أوتوماتيكية حديثة، و6 تقليدية نصف أوتوماتيكية، واثنتان تعملان يدوياً على الحجر القديم.
وتُفضّل شريحة كبيرة من الفلسطينيين الحصول على زيت الزيتون المُستخرج عبر التقنيات التقليدية البدائية، باستخدام حجارة الغرانيت، باعتبارها من الموروثات الثقافية. كما يعتقد أصحاب التقنيات التقليدية أن طريقتهم تحافظ على فوائد الزيتون وجودته.
وتشير تقارير إلى أن جودة زيت الزيتون الذي ينتج في قطاع غزة يضاهي الذي ينتج في الخارج، ما يعني أن القطاع قادر على المنافسة في حال فُتحت له أبواب التصدير التي يقيّدها الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ 17 عاماً.
واللافت أن أوروبا تواجه خطر نفاد زيت الزيتون هذا العام، علماً أن صحيفة "ذي غارديان" البريطانية نقلت عن منتجين أوروبيين قولهم إن "القارة العجوز أوشكت على استنفاد احتياطيها من زيت الزيتون بسبب الجفاف، كما أن المزارعين يوشكون على الإفلاس".
موسم "شلتوني"
ويقول مدير مجلس الزيتون الفلسطيني الدكتور فياض فياض إن "موسم الزيتون هذا العام يحمل اسم شلتوني، أي أن كمياته خفيفة وليس غزيراً، ما يعني أن عدم قطافه سيزيد الأزمة. ويقدّر متوسط موسم الإنتاج السنوي للزيتون في فلسطين بـ100 ألف طن تعادل 20 ألف طن من زيت الزيتون، علماً أن نحو 9 في المائة من كميات الزيتون (بين 9 آلاف أو 10 آلاف طن) تستخدم في التخليل، والباقي يُعصر لإنتاج الزيت".
يضيف: "كان يتوقع إنتاج 12 ألف طن في الضفة الغربية وقطاع غزة هذا العام، وهو رقم شحيح جداً كان سيوفر، لولا الحرب، 10 آلاف طن من الزيتون في غزة وحدها، ما يعادل 2000 طن من زيت الزيتون بعد تخصيص كميات منه للمخلل. أما العام الماضي فكان الموسم وفيراً وشهد إنتاج 36 ألف طن، علماً أن الموسم الحالي يتأثر أيضاً بمشاكل تتعلق بممارسات المستوطنين في الضفة الغربية والحرب على غزة".
وعموماً، يعاني قطاع غزة، الذي يعيش فيه أكثر من مليوني فلسطيني وتحاصره إسرائيل، من أوضاع اقتصادية ومعيشية متردية. ويقدّر مركز الإحصاء الفلسطيني نسبة البطالة بين سكانه بـ50 في المائة، في حين تؤكد إحصاءات مختلفة أن نحو 100 ألف أسرة فلسطينية تعتمد على قطاع الزيتون مصدراً أساسياً للدخل، ما يجعله حاضراً بقوة على الصعيد الاقتصادي، إلى جانب كونه إحدى ركائز الأمن الغذائي.