زيادة وتيرة الانتحار في أفغانستان... دوافع مختلفة

03 يوليو 2023
الفقر والبطالة متفشيان في أفغانستان (مرتضى خاليقي/الأناضول)
+ الخط -

خلفت الحروب المستمرة على مدار أربعة عقود تبعات ثقيلة على شعب أفغانستان، وتظهر لها تأثيرات كبيرة في كل مجالات الحياة وعلى كل الشرائح، وبالنظر إلى الأوضاع المعيشية السائدة، فإن النساء والشباب أكثر ضحايا تلك الحروب، وثمة مظاهر مختلفة لتأثيراتها عليهم، أخطرها ظاهرة الانتحار التي زادت وتيرتها خلال الفترة الأخيرة.
لا توجد إحصائية دقيقة تظهر أعداد ضحايا الانتحار، لكن ما ينشر من أخبار، وما يثيره الناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي من قصص، يؤشر إلى أن الأمر يتفشى في كل أرجاء البلاد، وأن أعداد المنتحرين تتزايد بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، وهو ما يثير اهتمام النشطاء ووسائل الإعلام المحلية، مع ضرورة ملحة لمعرفة أسباب وتداعيات الظاهرة ذات الأبعاد المختلفة.
من بين أحدث قضايا الانتحار ما قام به شاب أفغاني بعد أن رفضت السفارة الأميركية في العاصمة الباكستانية إسلام أباد ملفه، ولم تسمح له بالهجرة إلى أميركا بعد أن انتظر نحو عامين، ويسرد الناشط الأفغاني حمزه أفغان، لـ"العربي الجديد"، بعضاً من تفاصيل الواقعة، قائلاً إن الشاب الذي لا يعرف اسمه قام بالانتحار في إسلام أباد من خلال إلقاء نفسه من أعلى مبنى، ما أدى إلى مقتله على الفور، موضحاً أن "أوضاع الأفغان سيئة للغاية في باكستان، وتحديداً أولئك الذين ينتظرون المغادرة إلى دول غربية عبر سفاراتها في إسلام أباد، وهؤلاء يواجهون مشاكل كبيرة، من بينها مشاكل مالية وأخرى أمنية، فهم يدفعون مبالغ مالية ضخمة مقابل إيجار المنازل واحتياجات الحياة اليومية، كما يتعرضون لملاحقات الشرطة المتكررة، علاوة على عدم معرفة مصيرهم، أو ماذا سيحل بهم".
ومن القصص المفزعة انتحار أربعة أشخاص في يوم واحد في منطقة غزنة الأفغانية، وذلك في 16 يونيو/حزيران الماضي،  وجرت تلك الوقائع في مقاطعات أندر، وماليستان، وخواجة عمري، ومدينة غزنة. ويبين الزعيم القبلي في مدينة غزنة محمد آغا، لـ"العربي الجديد"، أن "الانتحار بات ظاهرة متفشية، وهو أمر مفزع للغاية. نشاهد هذه الأحداث بشكل شبه يومي، ويقوم شباب ونساء بالانتحار لأسباب متباينة، أبرزها اجتماعية ومعيشية، على سبيل المثال، ما حصل في مقاطعة أندر، هو أن فتاة أقدمت على الانتحار بعد أن أجبرها أبوها على الزواج من شخص غير الذي كانت تريد أن تتزوج به، فقامت بتناول طعام مسموم لقتل نفسها".

الصورة
تتعرض نساء أفغانستان لمشكلات جمة (وكيل كوهصار/فرانس برس)
تتعرض نساء أفغانستان لمشكلات جمة (وكيل كوهصار/فرانس برس)

ويوضح محمد أغا: "كان من المؤسف انتحار شاب في مدينة غزنة في نفس اليوم. الشاب كان يشتغل في مستشفى حكومي ممرضاً، ولكنه كان يواجه أزمة معيشية خلال الفترة الأخيرة، بالإضافة إلى مشاكل داخل أسرته، ما دفعه إلى الانتحار، وقال عدد من رفاقه إن الأزمة جعلته يعاني من أمراض نفسية، خاصة أنه لم يكن يعيش في رفاهية قبل تلك الأزمات، وبالتالي قد يكون الوضع المعيشي هو السبب غير المباشر في انتحاره".
ويبين الزعيم القبلي أن "أوضاع الشباب في أفغانستان بشكل عام سيئة. شبابنا ونساؤنا هم أكثر من ضحوا بطموحاتهم خلال التقلبات الأمنية والسياسية التي تواجهها بلادنا طيلة العقود الماضية، وفي الفترة الأخيرة، باتت البطالة مستشرية، والفقر متجذر، علاوة على حرمان كثيرين من التعليم، خاصة النساء، وكل ذلك نجمت عنه مساوئ اجتماعية مختلفة، من بينها الانتحار".
من بين أحدث وقائع انتحار النساء حادث انتحار الفتاة العشرينية نويدة، التي قررت الانتحار بعد أن تشاجرت مع حماتها، ما جعلها تتعرض للضرب من قبل زوجها، وعندما ظنت أنه ليست أمامها فرصة للتخلص من هذه المعاناة، قامت بالانتحار تاركة ورائها طفلاً لم يتجاوز عمره ثلاثة سنوات.

يقول محمد ملا، من ولاية فارياب، لـ"العربي الجديد"، إن "قصة انتحار نويدة، التي وقعت في مديرية شيرين تغاب في شهر إبريل/نيسان الماضي، لم تكن الحادث الوحيد، بل إن حادثي انتحار آخرين وقعا في ذات المديرية خلال الشهر نفسه، والعنف الأسري ضد النساء من بين أبرز الأسباب، فكثيرات منهن يقدمن على الانتحار للتخلص من التعنيف، ولا شك أن الوضع العام في البلاد يؤثر على عقلية الرجال وعلى أوضاعهم النفسية، ما يوتر علاقاتهم مع أفراد الأسرة، وينجم عنه تفاقم العنف الأسري".
ويضيف أن "الأعراف والتقاليد لها تأثير كبير في تفشي ظاهرة انتحار الإناث، خاصة في ظل حرمان النساء من الكثير من حقوقهن، مثل حرمانهن من العمل والتعليم، وهو ما يقوي سطوة ممارسة الأعراف من قبل الذكور"، ويخلص إلى أن "ظاهرة الانتحار قد تتزايد في قادم الأيام إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه على الأصعدة المختلفة، خاصة الاقتصادية والاجتماعية".

المساهمون