رمضان يُحيي المشاريع الصغيرة في الضفة
انتشرت الأكشاك وبسطات بيع المأكولات والمشروبات الرمضانية بكثرة في مختلف أنحاء مدينة نابلس الفلسطينية، شمالي الضفة الغربية المحتلة، والتي يديرها شبان في مقتبل العمر، وجدوا بتلك الأكشاك ضالتهم لتجاوز ظاهرة البطالة، التي باتت تستشري في المجتمع الفلسطيني.
يضع الشاب عبادة أمين (23 عاماً) أمام منزله، في مدينة نابلس، كشكاَ صغيراً لبيع بعض المأكولات الرمضانية. يتحدث أمين عن طبيعة عمله لـ"العربي الجديد" قائلاً: "أعمل في محل لبيع الكاتو والكيك (حلويات)، إذ يتراجع الإقبال على هذه الأنواع في شهر رمضان، كما أنّ المحل يغلق أبوابه خلال فترة النهار، ما دفعني إلى استغلال هذا الوقت لإنشاء مشروعي الخاص". ورغم صغر سنه، يتقن أمين إعداد الأطباق الشهية من الحمص والفلافل، ولم يمضِ كثير من الوقت حتى بات كشكه محط أنظار جيرانه الذين يقصدونه لتناول منتجاته على مائدتي الفطور والسحور. يشرح أمين أكثر عن مشروعه الخاص: "مصاريف شهر الصوم مرتفعة، لذلك كان لا بد من البحث عن عمل إضافي. يقصدني الزبائن من مختلف أنحاء مدينة نابلس لشراء الحمص والفلافل، وهذا من دون أدنى شك ساعدني في تحصيل مدخول مادي استعين به على تلك المصاريف".
لا يبدو المشهد مختلفاً في شوارع مدينة طولكرم (شمال غربي الضفة الغربية)، فالخمسيني مازن أبو رجب فقد عمله في مشغل الخياطة بسبب تداعيات جائحة كورونا، ليجد في شهر رمضان وسيلة لكسب الرزق، من خلال بيع المخللات على بسطة صغيرة وسط المدينة. يروي أبو رجب قصته التي بدأت في مشغل للخياطة وانتهت على بسطة للمخللات. يقول: "فقدت عملي الذي أتقنه منذ ثلاثة عقود تقريباً بعد إغلاق مشغل الخياطة الخاص بي، ولم أعتد طرق باب الجمعيات الخيرية، لذلك لم يكن أمامي سوى البحث عن عمل بديل لأنفق على عائلتي المكونة من سبعة أفراد، أكبرهم طالب جامعي في سنته الدراسية الأخيرة. وبعد نصيحة أحد الأصدقاء ببيع المخللات، أعجبتني الفكرة ولم أخجل منها، خصوصاً أنّه عمل حلال في شهر الخير والبركة".
وبالفعل، وضع أبو رجب بسطة عليها أوعية تضم أصنافاً شهية من الزيتون الأخضر والأسود والمحشو بالشطة (الفلفل الحار) أو الجوز، إضافةً إلى العديد من أنواع المخللات المنزلية، مثل مخلل اللفت والباذنجان والخيار والقرنبيط وغيرها. ويقول أبو رجب: "أكرمني الله بدخل ممتاز، فهذه المُقبلات تُزين الموائد في رمضان، تماماً كمشروب التمر هندي أو الليمون، وأسعارها في متناول الجميع، فثمن الكيلو المُشكل منها نحو عشرين شيقلاً (نحو 6 دولارات)".
وتنتشر بسطات بيع المشروبات الرمضانية في المدن الفلسطينية، فكيفما تنقل المرء يصادف العديد منها، التي تقدم لزبائنها أنواعاً عديدة من المشروبات التي تزين المائدة الرمضانية. وكما باقي مناطق الضفة، انتشرت في مدينة طوباس، شمال شرقي الضفة، والقريبة من الأغوار، محلات بيع العصائر، فالشاب أمجد سلمان، الذي يشتهر ببيع عصير اللوز والكركديه، تشهد بسطته الصغيرة إقبالاً كبيراً من كثيرين. بدأت رحلة سلمان مع العصائر بعيد تخرجه قبل خمسة أعوام من كلية الهندسة، ليجد نفسه عاطلاً من العمل، ما دفعه للعمل لفترة قصيرة داخل مطعم في إحدى مستوطنات الاحتلال في منطقة الأغوار، وهناك تعلم صناعة العصائر الطبيعية، ليقرر بعدها ترك المستوطنة وفتح مشروعه الخاص لبيع المشروبات داخل مدينته، والذي افتتحه في اليوم الأول من شهر رمضان. عند سؤاله عن مكونات عصير اللوز، يضحك سلمان رافضاً الإفصاح عن طريقة تحضيره قائلاً: "هذا سرّ الصنعة، وما يفرحني أنّه لقي ترحيباً من قبل الأهالي، وبات الزبائن يطلبونه يومياً، رغم أنّ سعره أغلى من بقية أنواع العصائر التقليدية".
ولا تقتصر بركة رمضان على نهاره، فالفترة المسائية تُعدّ مصدر رزق لعدد كبير من العاطلين من العمل، كالشاب سامر محروم، الذي اشترك مع بعض أصدقائه في صناعة وبيع الكنافة (حلوى) على الفحم، والتي لاقت ترحيباً من قبل الأهالي الذين يجتمعون لشراء الكنافة في منطقة باب الساحة، في البلدة القديمة في مدينة نابلس. ويشرح محروم عن مشروعه قائلاً: "نابلس والكنافة اسمان لا يفترقان. لذلك بادرنا إلى إنشاء مشروع صغير لبيع الكنافة بعد شيّها على الفحم بدلاً من الغاز. نصنع أطباقاً صغيرة تكفي لشخص واحد، ولم نتوقع هذا النجاح الباهر، خصوصاً أنّنا اخترنا منطقة محببة للأهالي، وهي الساحة الملاصقة لمسجد النصر في البلدة القديمة في نابلس، والتي تحيط بها المواقع الأثرية".