رمضان مختلف هذا العام في ليبيا
استعد الليبيون ككل عام لشهر رمضان بالتسوق، فاشتروا لوازم شهر الصوم وسط تفاؤل كبير بعام مختلف عن الأعوام السابقة، بعدما حطت الحرب أوزارها وعادت المحال التجارية إلى استقبال زبائنها. وعلى الرغم من الارتفاع الملحوظ في الأسعار منذ شهر شعبان، يبدو زيادة أبو نوارة من حيّ غوط الشعال في العاصمة طرابلس، متفائلاً بشكل كبير بتصريحات الحكومة الجديدة، خصوصاً المتعلقة بخفض الأسعار وتوفير اللوازم الأساسية للشهر الكريم.
وكان رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة قد قدّم التهنئة لليبيين بحلول شهر رمضان، مؤكداً أنّ حكومته اتخذت سلسة من الإجراءات لتوفير السلع الأساسية، وبدء صرف رواتب الموظفين في موعدها شهرياً، بالاتفاق مع البنك المركزي، مضيفاً أنّ الحكومة قررت صرف منحة الزوجة والأبناء للأسر الليبية، في خطوة منها لتخفيف الأعباء على المواطن قبل شهر رمضان. وعلّق أبو نوارة على وعود الحكومة، قائلاً لـ"العربي الجديد": "حتى لو لم تنجح الحكومة في تنفيذ وعودها إلاّ أنّها تمكنت من إنهاء الحرب. فالوضع مختلف تماماً عن العام الماضي، عندما كانت معظم المحال التجارية مقفلة، فيما لغة الرصاص والقنابل كانت هي السائدة في أثناء تنقلاتنا من مكان إلى الآخر. أمّا اليوم فالأمر مختلف، لقد عادت الحياة إلى طبيعتها تدريجياً".
الأمر نفسه يلمسه عبد السلام شقني العائد إلى منزله في مدينة تراغن جنوبي البلاد، بعد نزوحه لعام كامل نتيجة الحرب في مدينته. يقول لـ"العربي الجديد": "أكاد أستشعر مظاهر الشهر الفضيل، كاللقاءات الليلية وصلاة التروايح، وتواصل الجيران بين بعضهم البعض، وهو ما افتقدناه طيلة فترة الحرب. لقد كان عاماً مرّاً على أسرتي، فيما عانى آخرون من وليات الحرب لسنوات عديدة".
ومن سوق الحميدية في تاجوراء، شرق طرابلس، تخبر زهراء عمار بعد إنهاء جولة التسوّق اليومية، أنّها تنقّلت لمدّة أسبوعين بين المحال التجارية لتوفير لوازم مطبخها، محاولة تجاوز أزمة ارتفاع الأسعار لتوفير احتياجات أسرتها لهذا الشهر الكريم. وتحكي عمار عن عادات شهر رمضان لـ"العربي الجديد"، موضحة أنّ "إفطار أسرتي في أوّل يوم يجب أنّ يكون في بيت أهل زوجي، أمّا في المساء فيذهب الجميع إلى مسجد الحيّ لتأدية صلاة التراويح جماعة، الأمر نفسه يتكرر في الليلة الأخيرة من شهر رمضان، أي قبل يوم من العيد". تضيف عمار: "ونعدّ بحسب المعتاد أصناف الحلوى المحلية مثل المقروض ولقمة القاضي والزلابيه والغريبة، وكذلك مأكولات رئيسية تزين مائدة الإفطار كالمبطن والبراك ومحشوات الخضار"، مشيرة إلى أنّ "وسائل الإعلام أثّرت بشكل كبير على المطبخ الليبي وخصوصيته، من خلال نشر أنواع جديدة من الأطعمة والحلوى". وبينما تصّر عمار على الخصوصية الليبية لمائدة الشهر الفصيل، تؤكد أنّها نمط من أنماط ربط الأبناء بالأجداد فهي "ليست مائدة للأكل فقط ورمضان ليس للعبادة فقط فعاداتنا سجلّ لتاريخنا".
في السياق، يرى عضو جمعية خيرات بلادي، حامد البركي، أنّ موائد الرحمن هي جزء من مظاهر شهر الصيام في البلاد، مشيراً إلى استعداد الجمعية لإقامة الموائد في مختلف أنحاء العاصمة طرابلس. ويتحدث البركي لـ"العربي الجديد" عن استعدادات الجمعية التي "تضمّ عدداً من المتطوعين يوزّعون 800 سلة غذائية تحتوي المواد الأساسية على الأسر ذات الدخل المحدود". ويشيد البركي بعودة النازحين إلى مناطقهم، إذ إنّ أزمتهم "حدّت من مظاهر الفرح في خلال السنوات الماضية". يضيف أنّ "عودة هؤلاء لا تعني اختفاء شريحة المحتاجين إلى مساعدة، نتيجة ما مرّت وتمرّ به البلاد من أزمات متعاقبة وشحّ في السيولة النقدية"، مؤكداً أنّ "الجمعية تهدف إلى جمع ما أمكن من تبرعات لتسيير قافلة إلى مدينة تاورغاء المدمرة والتي تبعد عن العاصمة طرابلس نحو 240 كيلومتراً". ويتابع البركي أنّ الجمعية أطلقت "نداءً لتوفير الدعم المادي للقافلة"، مُشيداً بـ"الاستجابة الواسعة للمتبرعين. أمّا موائد الرحمن، سوف تقيم الجمعية أربع تتوزع على الأحياء الفقيرة في طرابلس"، مشدداً على "أهمية توزيع السلال الغذائية إلى المنازل. فعشرات الأسر تفضل المنزل على أنّ يجلس رب الأسرة وأسرته حول مائدة صدقات. لهذا السبب نفضل توزيع السلال الغذائية والمعونات المادية على البيوت مباشرة".
التفاؤل بموسم صيام يختلف هذا العام عن سنوات الحرب السابقة، وهو ما ينقله المسؤول في الهيئة العامة للأوقاف خالد لياس، الذي يؤكد "استمرار فتح المساجد لصلاة التراويح". ويقول لياس لـ"العربي الجديد" إنّ "الهيئة تواصلت بشكل مستمر مع الجهات الحكومية المعنية بوباء كورونا، متعهدة بتوفير كل الإمكانيات الاحترازية لتفادي تفشي الفيروس في المساجد. ومن أهم التدابير التباعد بين المصلين وتذكير المصلين عبر مكبرات الصوت بضرورة عدم المصافحة والاختلاط". ويؤكد لياس أنّ "مناشير وقرارات الهيئة عُمّمت على كل مكاتب الأوقاف في البلاد مع التشديد على ضرورة تطبيق الإجراءات الاحترازية"، لافتاً إلى أنّ "رمضان شهر مختلف خصوصاً أنّ أصوات القذائف والرصاص لم تعد تسمع مع أصوات صلوات المساجد".