رمضان لبنان... موائد متواضعة تنتظر زكاة الخيّرين

24 مارس 2023
يتمسك اللبنانيون رغم الأزمة بعدم اختزال عادات رمضان (حسام شبارو/ الأناضول)
+ الخط -

للعام الرابع على التوالي يحلّ شهر رمضان على اللبنانيّين وهم يرزحون تحت ثقل المآسي والأزمات المعيشيّة. وكان تقرير نشرته منظمة "هيومن رايتس ووتش'' في نهاية العام الماضي قد أورد أن "مستويات الفقر وانعدام الأمن الغذائي مقلقة في لبنان، لا سيما لدى أصحاب الدخل المحدود، إذ إنّ 43 في المائة من الأسر الأدنى دخلاً التي شملها المسح، يمضي فيها شخص بالغ يوماً كاملاً من دون تناول طعام". كما كشف التقرير أنّ "غالبية الناس في لبنان عاجزون عن تأمين حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية، حيث يكسب 40 في المائة من الأسر تقريباً 100 دولار أو أقلّ شهرياً، و90 في المائة منها أقلّ من 377 دولاراً شهرياً".
عام 2019 شاء القدر أن يُصاب أحمد العناني، وهو أب لثلاثة أولاد، بشلل نصفي بعدما صدمته سيارة، يقول أحمد لـ"العربي الجديد": "أبقى في المنزل لأنني عاجز عن المشي، وبعتُ المنزل لأدفع تكاليف علاجي بعد الحادث وأتفادى بتر ساقي، وأعيش حالياً في منزل مستأجر يتضمن غرفة صغيرة تحت الأرض تشبه المخبأ في منطقة باب التبانة (شمال)، لكن من حسن الحظ أنّ صاحب البيت يساعدنا بين حين وآخر في تأمين قوتنا، فالوضع مزرٍ جداً".

يسلّم العناني أمره لله وينتظر رحمة الجمعيات والخيّرين ليحصل على حصص غذائية تلبّي احتياجات عائلته خلال شهر رمضان، ويقول: "مستعدون لاستجداء كيس أرز. أصبحنا نبحث عن فتات طعام في القمامة، ونجبر أولادنا على النوم كي ينسوا جوعهم، فيما يواصل المسؤولون وحكام البلاد إجرامهم في حقنا. ننتظر الموت كونه سترة ومكرمة". 
أيضاً تروي رجاء أحمد، وهي أرملة تعيش مع ابنها وزوجته وحفيدها الوحيد، مقدار البؤس الذي تعانيه، وتقول بغصة لـ"العربي الجديد": "أتسوّل حتّى رغيف الخبز كي أسدّ جوع حفيدي الصغير، فالوضع مزرٍ والظروف سيّئة. لا طعام لدينا ولا كهرباء ولا دواء. كيف نستعدّ لشهر رمضان أو نفكّر بالزينة وغيرها. أنا لا أعمل وابني أيضاً عاطل من العمل بعد أن كان يبيع القهوة في الشارع". وتكشف رجاء التي توفي زوجها بعد إصابته بمرض السرطان، وهو المرض الذي تعاني منه أيضاً، أنّها لم تجرِ فحوصاتها منذ نحو سنة، علماً أنّه يفترض أن تخضع لها كل ستة أشهر، تضيف: "لا طاقة لي على تحمّل كلفة فحص الطبيب، والخوف أن يعود المرض مجدداً. مصيرنا مجهول والوضع صعب".

ستتغير أنواع الطعام على موائد رمضان اللبنانيين (حسام شبارو/ الأناضول)
ستتغير أنواع الطعام على موائد رمضان اللبنانيين (حسام شبارو/ الأناضول)

عاجزون عن تناول أطعمة كثيرة
من جهته، يتحدّث خضر حيدر، من قضاء الضنية (شمال)، عن طقوس وعادات عدة سيتخلّى عنها، ويقول: "لن نستطيع تناول أطعمة محدّدة إلا نادراً، ربّما مرة أو مرتين طوال الشهر الفضيل. أصبحنا مجبرين على الاستغناء عمّا نحبّه وعما يشتهيه أولادنا، وتدبير أمورنا بحسب قدرتنا من خلال الاكتفاء بشراء أساسيات أو كميات قليلة فقط، فالغلاء فاحش في أسعار اللحوم والأسماك والدجاج والمشروبات الغازية وتلك الخاصة برمضان".
وإذ يتمسّك بخلق الأجواء الرمضانية التي لا بدّ منها بحسب إمكاناته المتواضعة، يقول خضر، وهو أب لأربع فتيات: "نعيش كلّ يوم بيومه، ونحاول الحفاظ على زينة رمضان ومعانيه الكريمة، رغم الوضع العصيب. أعمل في الحراسة، وأكافح للصمود وتلبية احتياجات عائلتي، وإدخال الفرحة إلى قلوب فلذات كبدي".

مشروبات رمضان مرتفعة الثمن (حسام شبارو/ الأناضول)
مشروبات رمضان مرتفعة الثمن (حسام شبارو/ الأناضول)

بدورها، توضح زينة دياب، وهي أم لطفلين، أنها تتحضّر لشهر رمضان، لكن بشكل مختلف عن العام الماضي، وتقول لـ"العربي الجديد": "سنتقشّف في بعض الأمور، وسنلغي أخرى. الوضع صعب جداً، ونحن نحاول تدبير أمورنا، لا سيّما أنّ المصاريف كبيرة ولا تتوقّف على شهر رمضان، فهناك أقساط المدارس وفواتير الكهرباء والإنترنت وغيرها. حتّى أنّنا إذا أردنا دعوة أحد إلى الإفطار، أصبح لزاماً أن نتأكّد من قدومه، إذ لا نستطيع تحضير كميات كبيرة من الطعام، ولا مجال لأيّ مصروف إضافي. ونحن سنستخدم زينة العام الماضي، علماً أننا لم نعد قادرين على شراء كلّ ما يطلبه ولدانا من ألعاب، ولم يبقَ أمامنا سوى الأمل بالفرج".
أمّا مختار بلدة سعدنايل بمحافظة البقاع (شرق)، وليد شحيمي، فيخبر "العربي الجديد" بأنّه "جرى الاستغناء عن الكثير من أصناف الطعام، أما الولائم والمطاعم والزيارات فأصبحت من الكماليّات. الوضع محزن جدّاً في ظل الظروف المترديّة ووسط هذه الطغمة الفاسدة التي نأمل في الخلاص منها. وبحكم عملي أسمع كثيرين يتحدّثون عن توقهم إلى اللحوم وحلويات رمضان وحتى صحن الفتوش والبطاطا التي كانت تشكل مائدة الفقير، لكن لا بصيص أمل".
وتختزل عفيفة أبو شقرا صوّان، وهي أم لثلاث فتيات، معاناتها بالقول لـ"العربي الجديد": "تخلّينا عن أمور كثيرة حتى قبل شهر رمضان، فلم نعد نشتري اللحوم والشاورما منذ نحو سنة، ونكتفي بكمية قليلة جداً من اللحمة المفرومة التي نقسّمها على طبختين. ومع حلول رمضان لن نشتري الجلّاب ومشروبات أخرى، وسنعدّ إفطارات متواضعة، وحتّى الفتوش استغنينا عنه، ولن نوجه دعوات ولن نضع زينة"، وتوضح أنّ زوجها يعمل في الحلاقة الرجالية، مؤكدة أن الحركة تراجعت كثيراً مع ارتفاع سعر صرف الدولار.

رمضان كريم وسيبقى كذلك
في المقابل، يرى طالب العلوم السياسية وابن بلدة النبطية (جنوب)، الذي يعمل أيضاً في مهنة والده بمجال التكييف والتبريد محمد غربيه، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّه "رغم الأزمة الاقتصادية الصعبة ما زالت أجواء رمضان حاضرة في النفوس، وبدأت التحضيرات من خلال الزينة والفوانيس لكن بوتيرة أخفّ". 
ويذكّر بمعاني شهر الصوم وأهميته الروحية، "فهو شهر الخير والبركة الذي يستدعي ملامسة كل شخص وجع الفقير، لذا نجد توزيع المعونات والحصص الغذائية. بالطبع سنشهد تغيّراً في نوعيّة الطعام، فالعائلات الفقيرة لم تعد تستطيع تناول اللحوم وأصناف أخرى، لكن الجو الاجتماعي والإيماني لن يفارقنا".
ويشمل التفاؤل أيضاً الشاب الياس محيي الدين، من بلدة الفاكهة في البقاع، الذي يردّد مقولة "رمضان كريم"، مشيراً إلى أن أناساً كثيرين لا يفكّرون باختصار أيّ شيء من عادات رمضان، لذا لن يتغيّر شيء في الإفطار والمطاعم والزينة، وكأنّنا لا نشهد أيّ أزمة".
 

المساهمون