رمضان استثنائي في المغرب

02 مايو 2021
تشهد الأسواق رواجاً كبيراً كان ينتظره التجار (فاضل سينا/ فرانس برس)
+ الخط -

 

دخل شهر رمضان أسبوعه الثالث في المغرب في ظل أجواء استثنائية فرضها استمرار العمل بحالة الطوارئ الصحية وفرض السلطات حظر التنقل الليلي جراء تفشي فيروس كورونا في البلاد بالتزامن مع ارتفاع الإصابات بالسلالة البريطانية.

وللسنة الثانية على التوالي، يحاول المغاربة التعايش مع واقع صحي حرمهم من أداء طقوس رمضان التي توارثوها، بعدما وجدوا أنفسهم هذا العام مضطرين إلى الاكتفاء بالحد الأدنى من عاداتهم وتقاليدهم، خصوصاً تلك المرتبطة بفترة ما بعد الإفطار. وبدا رمضان مختلفاً في أيامه الأولى في المغرب، إذ غابت العديد من العادات والطقوس التي دأب عليها المغاربة خلال شهر الصوم، من قبيل تبادل التهنئة والزيارات وإقامة الولائم وارتياد المقاهي بعد الإفطار، بحثاً عن لحظات من الترفيه والراحة والسهر مع الأصدقاء. في حين ينتظر أنّ تغيب طقوسٌ أخرى، من قبيل إحياء ليلة القدر(27 من رمضان)، التي تحظى بطقوس خاصة لا تتكرر في مناسبة أخرى.

وعن هذا الواقع، يقول الصحافي المغربي خالد فاتيحي إنّ "استمرار حالة الطوارئ الصحية وحظر التنقل الليلي، أثرا بنسبة كبيرة على عدد من التقاليد والعادات التي درج عليها المغاربة منذ سنوات، من قبيل زيارة الأقارب وتبادل بعض الهدايا من شهيوات رمضان (الحلوى والسلطات التي تقدم بجوار الوجبات)، إلى جانب جلسات السمر الليلي التي تكون المقاهي مسرحاً مفضلاً لها، كما أثرا على الأنشطة الثقافية والفنية والاجتماعية التي تميز الشهر المبارك في المغرب".

ويلفت فاتيحي، في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى "تعايش المغاربة مع تداعيات كورونا،  فاستمرار تطورات الفيروس لم يمنعهم من الاحتفاء بقدوم الشهر الفضيل. غير أنّ الحماسة المعهودة في استقباله تأثرت بقرار الحكومة حظر التنقل الليلي في كافة الأراضي المغربية". 
كما كان لافتاً غياب مشاهد امتلاء مساجد المملكة بالمصلين من مختلف الفئات العمرية وطبقات المجتمع، خصوصاً صلاة التراويح، وذلك بالتزامن مع موجة انتقادات حادة لقرار الحكومة المغربية بالإغلاق وفرض حظر التنقل الليلي طيلة شهر رمضان من الساعة الثامنة مساءً حتى السادسة صباحاً.

قضايا وناس
التحديثات الحية

بدوره، يقول أحمد الصيباري، الذي اعتاد ارتياد مسجد إبراهيم الخليل بحي اشماعو في مدينة سلا، القريبة من العاصمة الرباط، لإقامة صلاة العشاء والتراويح بين أروقته والتمتع بالطقوس الروحانية: "مع الأسف، حُرمنا للسنة الثانية على التوالي، من أجواء روحانية تبعثُ الأمان في النفوس"، لافتاً إلى أنّ "أفئدة المغاربة تتعلق بصلاة التراويح أداء ومواظبة واهتماماً أكثر من أي شيء آخر، إذ تمتلئ المساجد والمصليات بملايين المؤمنين في شهر رمضان على كافة الأراضي المغربية". واعتبر في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه "كان على السلطات العمل على توفير الإجراءات الاحترازية من تباعد والتزام بالكمامة وتعقيم الأيدي أثناء الدخول والخروج بدل منع إقامة صلاة التراويح التي تبقى طقساً روحانياً له مكانة كبيرة في قلوب الكبار والصغار، وله أبعاد اجتماعية تترسخ في العقول والقلوب"، مشيراً إلى أنّ صلاة التراويح بالنسبة له "باتت أمراً مقدساً لا يفترض التأخر عنها، على الرغم من المشاغل والمغريات".

ودفع اختفاء موائد الرحمن من الأحياء والمساجد إلى ظهور مبادرات تسعى إلى المزاوجة ما بين فعل الخير والالتزام بالإجراءات الاحترازية لمنع انتشار كورونا، من خلال تجهيز وجبات الإفطار داخل أكياس أو علب بلاستيكية وتوزيعها على المحتاجين في بيوتهم وعلى العابرين قبل موعد الإفطار.

ويقول المتطوع هشام الشتيوي، لـ"العربي الجديد"، إنه "في ظل الظروف الصحية الحالية، وقرار حظر التنقل الليلي عملنا بمعية أصدقاء على توجيه دعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أجل تقديم مساهمات تعين على التخفيف من معاناة المحتاجين والفقراء خلال الشهر الفضيل، وذلك من خلال توفير قفف رمضانية لهم (مواد غذائية ضرورية لشهر رمضان)"، لافتاً إلى أنه في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها العديد من العائلات نتيجة انعكاسات الأزمة الصحية، فإنّ المغاربة جميعهم مطالبون بالالتزام بالقيم الدينية والاجتماعية في مجال التضامن الاجتماعي والإنساني عبر تقديم الدعم لفئات مهمشة.

وبينما يحاول المغاربة التكيف خلال رمضان الحالي مع الظروف الاستثنائية، إلا أنّ بعض العادات لم تختفِ، من أبرزها كان الإقبال الكثيف منذ شهر شعبان، على الأسواق بهدف التبضّع والتهيؤ لإعداد موائد رمضان واقتناء الألبسة والأقمشة. وبدا لافتاً، خلال الأيام التي سبقت شهر رمضان، ارتفاع واضح في وتيرة التبضع واقتناء توابل وأعشاب وقطاني (حبوب) ومكسّرات تُستخدم في إعداد أطباق وحلويات موائد المغاربة، ما مكن الأسواق من استعادة الحركة التي افتقدتها خلال السنة الماضية.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وأشار تاجر التوابل بمدينة سلا القريبة من العاصمة الرباط إسماعيل بوتمارت إلى أنه "على خلاف السنة الماضية، تشهد الأسواق رواجاً كبيراً كان ينتظره التجار بفارغ الصبر لتحقيق بعض المكاسب تعوضهم عن الخسائر التي راكموها جراء تفشي كورونا"، مضيفاً: "صحيح أنّ فرض السلطات الإغلاق وحظر التنقل الليلي جعل الأرباح المحققة هذه السنة لا ترقى إلى ما كانت عليه قبل كورونا، إلا أننا نحمد الله على أنّ وتيرة الإقبال أكبر من تلك التي سجلت خلال السنة المنصرمة، بعدما استعاد المواطنون نكهة التسوق. كما أنّ وفرة وتنوع المنتوجات المعروضة شجعا العائلات المغربية على الإقبال عليها".

المساهمون