رفض التاريخ الاستعماري يوسع التضامن الأوروبي مع غزة

07 ديسمبر 2023
تتواصل تظاهرات الأوروبيين رفضاً للعدوان على غزة (العربي الجديد)
+ الخط -

تبيّن المواقف الشعبية الغاضبة أن دعم الأوروبيين للقضية الفلسطينية يستند إلى قناعات إنسانية تشدد على حق الشعب الفلسطيني في العيش بحرية وكرامة، وأنّه ليس تعاطفاً مؤقتاً مع الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، بل هو وعي ناجم عن معرفة بأحداث التاريخ والمعاناة التي عاشها الشعب الفلسطيني، والذي يجعل القضية الفلسطينية جزءاً من الوعي الجمعي، وحاضرة في النقاش العام.
ورغم تنوع أسباب هذا التعاطف، إلا أنها تلتقي في عدة نقاط، أبرزها تشبيه الاحتلال الإسرائيلي بالتاريخ الاستعماري الأوروبي والحقبة الإمبريالية التي تشكل جزءاً من الذاكرة الجماعية للشعوب الأوروبية، كما يلعب "وعد بلفور" دوراً محورياً في جرّ منطقة الشرق الأوسط إلى حروب طويلة، وتهجير وقتل عشرات آلاف الفلسطينيين على مدار عقود من الزمن.

وكشف عدد من الأوروبيين الداعمين للقضية الفلسطينية لـ"العربي الجديد"، عن الدوافع الكامنة خلف تضامنهم ودعمهم، فقال العشريني آدم إنّه يعجز عن استيعاب مفهوم التوسّع المستمر لحدود إسرائيل، وأساليب تعاملها مع الشعب الفلسطيني، مضيفاً: "لا أعرف كيف يساعد ذلك في ضمان سلامة مواطنيها؟".
يتابع آدم: "تزعم إسرائيل أنها غادرت قطاع غزة في عام 2005، بيد أنّها في الواقع واصلت السيطرة على المجالين الجوي والبحري وكل الحدود، وتتحكم في وصول الكهرباء والمياه، كما أن إسرائيل تواصل احتلالها العسكري للضفة الغربية. هذه السياسات هي التي أدّت إلى تلك الظروف التي تعرّض حياة الفلسطيني والإسرائيلي للخطر. انتقاد إسرائيل لا يشكل معاداة للسامية، بل هو نظرة عادلة للواقع، وعدم مساواة الحكومة الإسرائيلية بالشعب اليهودي، ولا ينبغي أيضاً تفسير الدعوة إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة على أنّها تأييد لحماس".
يقول الشاب البريطاني: "حجة ضرورة تأييد الأوروبيين لإسرائيل لأنّها تروج للقيم الغربية لا تختلف عن المنطق التاريخي الذي تم استخدامه لتبرير إنشاء الإمبراطوريات الاستعمارية، وينبغي أن نقلق من استخدام معايير انتقائية في إقرار حق تقرير المصير، وإلا فإنه لن يصبح حقاً في حال اقتصر على رؤية الديمقراطيات الليبرالية".
بدورها، تقدم الأربعينية ليزا تحليلاً للوضع الراهن في فلسطين، مشيرة إلى أن الوضع يبدو عالقاً في طريق مسدود في ظل انعدام مبالاة الأمم المتحدة بحق الشعب الفلسطيني، وعدم إجراء مفاوضات بشكل صحيح تضمن حقوق الجميع. وهي تعتقد أن "الفلسطينيين والإسرائيليين أصبحوا رهائن لهذا الوضع التاريخي غير الصحيح الذي صنعته أوروبا، فالأحداث والتفاصيل التاريخية هي التي أدت إلى الوضع الراهن، ما يبرز تعقيدات الظلم القائم، وخصوصاً على الفلسطينيين في هذا الصراع المستمر".

الصورة
يعرف كثير من الأوربيين تاريخ بلدانهم الاستعماري (العربي الجديد)
يعرف كثير من الأوروبيين تاريخ بلدانهم الاستعماري (العربي الجديد)

يؤيد فلاديمير داينوفسكي الحق الفلسطيني لأنّه قرأ تاريخ المنطقة، ويرى الوضع برمته مجحفاً بحق الفلسطينيين منذ البداية، مشيراً إلى "التفاوت الواضح في التعامل مع الفلسطينيين، والتمييز المعتمد على مقارنة حجم القوة. نعلم كيف تمّ انتزاع أراضي الفلسطينيين، وكيف تدعم الولايات المتحدة إسرائيل رغم قوتها العسكرية الهائلة مقارنة بفلسطين. دعم فلسطين أمر لا يحتاج إلى تفكير".
بدوره، يعتبر شين ميهان أنّ "دعم فلسطين ضرورة إنسانية، وأي شخص لا يكون إنساناً إن كان لا يدعم الفلسطينيين ضدّ الإبادة التي ترتكبها إسرائيل بحقهم. دعك من الدعاية المزيّفة التي ينشرها الصهاينة، والذين يزعمون أن حركة حماس هي المشكلة. إسرائيل تقتل الجميع، وتصف الفلسطينيين بأنهم حيوانات، وتحرمهم من الطعام والعلاج، وتستهدف المستشفيات، وتقتل الأطفال. رغم أن حماس لا تمثّل جميع أهالي غزة، لكنّها تعاملت مع الرهائن بشكل يعكس احترام حقوق الإنسان، ووفّرت لهم الاحتياجات الأساسية. قارنوا الوضع في غزة بما يحدث في أوكرانيا، الخسائر البشرية في غزة هائلة خلال فترة زمنية قصيرة".

ولا يختلف رأي ديفيد، الذي يؤيد وقف الحرب على غزة، ويقول: "دعمي لغزة يأتي من تفاعلي مع أخبار فلسطين التي بدأت أتابعها قبل عامين، لأكتشف التعامل المهين الذي ينتهجه الإسرائيليون ضد الشعب الفلسطيني، ولا تغادر ذهني جرائم إطلاق النار على أطفال فلسطين، والتي لا تحظى بتغطية كافية في وسائل الإعلام الأوروبية. الشعب الفلسطيني يعاني من الترهيب والإذلال منذ سنوات طويلة، ولم يملك يوماً القوة أو الدعم اللازمين لاستعادة حقوقه. رغم ذلك لم يستسلم الفلسطينيون، بل راحوا يتجهزون للحرب من خلال بناء الأنفاق وتجهيز الأسلحة، ليجعلوا إسرائيل تختبر المعاناة ذاتها التي أذاقتها لهم طوال عقود من الاحتلال".

المساهمون