منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تتواصل التظاهرات المنددة بجرائم وعنصرية إسرائيل والمطالبة بوقف إطلاق النار في عدد من المدن الفرنسية، حالها حال بقية العواصم والمدن الأوروبية التي شهدت العديد من الاحتجاجات والفعاليات المتضامنة مع فلسطين، والتي تكشف أمام مجتمعاتها حجم الجرائم المرتكبة في عموم الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويشارك في الفعاليات التضامنية عدد من الجمعيات والمؤسسات العاملة في المدن الفرنسية، وخصوصاً تلك الداعمة للشعب الفلسطيني على مدار عقود مضت. ولطالما دعت هذه الجمعيات إلى رفع الحصار عن غزة منددة بالسياسة الصهيونية الاستعمارية ضد الشعب الفلسطيني. وهناك ائتلاف مكون من خمس عشرة مؤسسة وجمعية، من بينها حزب اليسار الاشتراكي الفرنسي، وحركة السلام، وجمعية التضامن مع فلسطين، والحزب الشيوعي الفرنسي، وأنقذوا فلسطين، وحزب البيئة، وفرنسا الأبية، ونقابات العمال، وتُنسّق في ما بينها الأنشطة المتعلقة بدعم فلسطين ورفع الصوت ضد الممارسات الاستعمارية لدولة الاحتلال.
ويتحدث عدد من القائمين على الأنشطة التضامنية مع فلسطين، وخصوصاً جمعية التضامن مع فلسطين وحركة السلام لدعم فلسطين، عن تاريخ طويل من العمل بين الفرنسيّين لنشر الوعي حيال القضية الفلسطينية. ويؤكد المسؤول في "جمعية التضامن مع فلسطين" ميشيل ريناد، لـ"العربي الجديد"، أنّ للعمل التضامني "تاريخاً طويلاً في المجتمع الفرنسي، وقد اندمجت عام 2001 الجمعية الطبية الفرنسية ـ الفلسطينية والجمعية الفرنسية الفلسطينية تحت إطار الجمعية الفرنسية للتضامن مع فلسطين".
من جهته، يوضح إيريك توماس، من حركة السلام الداعمة لفلسطين، أنّ "الجمعية الطبية الفلسطينية ـ الفرنسية تعمل منذ تأسيسها عام 1974، وتركز على دعم الفلسطينيين في المجالين الصحي والاجتماعي. وتدعم الجمعيات على مستوى القارة الأوروبية معظم الحملات والتحركات التضامنية الدولية لصالح فلسطين. وخلال الأيام الأخيرة، وجهت الجمعيات مذكرات لمختلف الدوائر الرسمية في فرنسا، مطالبة بدعم محاكمة دولة الاحتلال الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية".
وبحسب ريناد، فإنّ جمعية فلسطين الفرنسية انبثقت عن حركة ماي، التي تختصر اسم الحركة العالمية المناهضة للإمبريالية، التي دعمت النضال التحرري لفلسطين بالتعاون مع الاتحاد العام لطلبة فلسطين منذ عام 1959. وتتناوب شخصيات عدة على رئاسة الجمعية الطبية الفرنسية ـ الفلسطينية، ومن أهم الشخصيات المعروفة في أوساط المتضامين مع فلسطين رئيسة اللجنة الوطنية الفرنسية للاستقلال والتنمية حالياً إيزابيل أفران، بالإضافة إلى كلود ليوسيت. وفي الوقت الحالي، يرأس الجمعية الطبية آن توايون، وذلك منذ ديسمبر/ كانون الأول 2023.
وترأس الجمعية سابقاً كل من برنارد رافينيل (2001 ــ 2009)، ثم جان كلود ليفورت (2009 ــ 2013)، وتوفيق تهاني (2013 ــ 2017)، وبرتراند هايلبرون (2017 ــ 2023). ويذكر ريناد لـ"العربي الجديد"، أنّ القاسم المشترك لتحرك عدد من ناشطي جمعية التضامن مع فلسطين وجمعية أنقذوا فلسطين وحركة السلام الفرنسية يعتمد على أساسيات ترفض "الاستعمار الاستيطاني الصهيوني القائم على فرض السياسة الإحلالية لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم". ومنذ سنوات، تركز الجمعيات على إبراز سياسة الأبرتهايد (نظام الحكم والسياسة العنصرية التي اتبعتها حكومة الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا من عام 1948 وحتى عام 1990)، المنتهجة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وتقول أرمرونيك بونيه، من حزب فرنسا الأبية، لـ"العربي الجديد"، إنها تعمل مع عدد من المؤسسات على مكافحة "سياسة القمع الممنهجة بحق الشعب الفلسطيني، ولا نوفّر جهداً من أجل التعبئة والحشد في سبيل تحقيق الاستقلال الفلسطيني، ونواصل حملتنا ضد الاتحاد الأوروبي ليعترف بأن إسرائيل دولة استعمارية وفصل عنصري (أبارتهايد) ضد الفلسطينيين". في هذا الإطار، تطالب جمعية التضامن الفرنسي مع فلسطين السلطات الفرنسية والاتحاد الأوروبي بدعم شكوى فلسطين أمام المحكمة الجنائية الدولية، على غرار شكوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل لارتكابها جرائم إبادة جماعية.
من جهتها، تؤكد الناشطة في جمعية التضامن مع فلسطين منذ 24 عاماً آني جيفرسون على ضرورة "فتح ملفات الانتهاكات المتواصلة في الضفة الغربية بحق الفلسطينيين، وخصوصاً ممارسة سياسات الفصل العنصري (الأبرتهايد)". تضيف أن "ما يرتكب من جرائم ضد الإنسانية في الأراضي المحتلة يتطلب التعبئة والحشد لفضح الأبرتهايد بين الفرنسيين والغربيين".
ويستخدم الناشطون الداعمون لفلسطين في فرنسا الوثائق والخرائط التاريخية التي تعود إلى عام 1917 (وعد بلفور) حتى الحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وفي مدينة لا روشيل، ينتقد الناشطون في بيانات البلدية لمحاولتها التضييق على العمل التضامني مع فلسطين بحجج تتعلق باقتراب الفعاليات التضامنية من البيت اليهودي في المدينة، وسط استنكار واسع من غالبية الجمعيات الداعمة لفلسطين.
وتتّفق غالبية الجمعيات المتضامنة مع فلسطين على تسمية ما جرى لفلسطين في القرن الماضي بأنه "قرن استعمار فلسطين". ويشدد المسؤول في حركة السلام الداعمة لفلسطين إيريك توماس، في حديث لـ"العربي الجديد"، على أن "هذه المعاملة غير الإنسانية للفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية وبقية مناطق الاحتلال منذ 1967، دفعتنا إلى التعاون مع أكثر من 100 منظمة إنسانية ونقابات عمالية وجمعيات وطنية، بهدف إطلاق نداء مشترك للدعوة لوقف فوري للحرب، وتوسيع نداء حركة المقاطعة الدولية لبضائع المستوطنات".
وتشرح المسؤولة في جمعية "أنقذوا فلسطين" أدريانا المندريس أن التحركات على مستوى الشارع والنقابات والجمعيات "مهمة لشريحة من سكان فرنسا. فما يجري في فلسطين يضرب إنسانيتنا في الصميم، وهناك حاجة للتذكير المستمر بأن تقويمها يبدأ بالوقوف مع فلسطين، وأن هناك شعباً يثبت أن له ثقافة غنية وتراثاً طويلاً في أرضه. التظاهرات في الشارع تساهم في إطلاع الفرنسيين على ما يحدث، وخصوصاً الذين ليسوا على دراية بالأحداث الدرامية والدامية التي تجري في فلسطين. هناك تواطؤ رسمي فرنسي من خلال تغييب الرواية الفلسطينية عن وسائل الإعلام الفرنسية، في مقابل منح الرواية الاسرائيلية المساحة الكبرى لتزوير الوقائع. لذلك، من المهم مواصلة الضغط على السلطة السياسية والتأكيد على أن هذه "التحركات مهمة لإيصال رسالة للفلسطينيين بأنه رغم تملق الطبقة السياسية الفرنسية لإسرائيل، فإننا نقف إلى جانبهم".
وهنا تؤكد جيفرسون على أهمية وقف الجرائم بحق المجتمع الفلسطيني، مشيرة إلى أن وقف إطلاق النار غير كاف، ويجب أن ينال الفلسطينيون استقلالهم، وتوضح أن الفعاليات التضامنية مع الشعب الفلسطيني على الأرض الفرنسية تتهم بمعاداة السامية، موضحة أن معظم عملنا يقوم أصلاً على دحض كذبة معاداة السامية في نشاطنا الداعم لفلسطين والفلسطينيين بين الفرنسيين".
وفي هذا السياق، يشدد ريناد على أهمية الربط بين الاحتلال الإسرائيلي ونظام الفصل العنصري السابق في جنوب أفريقيا، لافتاً إلى أن "تطبيق الأبرتهايد على الأرض الفلسطينية أقسى بكثير من مثيله السابق في جنوب أفريقيا. فهنا تستخدم إسرائيل التقدم التكنولوجي والدعم الغربي لتنفيذ جرائمها، ما يجعل السيطرة على السكان أكثر كفاءة، كما تستخدم قدراتها العسكرية لتدمير أحياء بأكملها وضرب البنية التحتية للمجتمع الفلسطيني، وسط ازدواجية معايير عانى منها الفلسطينيون تاريخياً".