رفح... قنبلة سكانية موقوتة

14 فبراير 2024
خيام النازحين في كل مكان برفح (ياسر قديح/الأناضول)
+ الخط -

يمُر الفلسطينيون في مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة، بظروف إنسانية ومعيشية صعبة تتفاقم يوماً بعد آخر بسبب الأعداد الهائلة للنازحين وانعدام كافة مقومات الحياة ونفاد المواد الغذائية الأساسية، وغياب مختلف أشكال الخدمات التي يُمكن أن تحسّن الواقع المأساوي.
وكشفت العملية العسكرية الإسرائيلية، الأحد الماضي، ضعف الإمكانيات في رفح للتعامل مع أي حدث أو طارئ في وقت تستقبل فيه مئات آلاف النازحين. وقد تحوّلت المدينة خلال مدة العملية العسكرية التي استمرت نحو ساعة إلى منطقة مشتعلة تأثرت فيها مختلف الخدمات الطبية وتلك الخاصة بالإسعاف والإنقاذ.
وقبل الحرب ضمت رفح، وهي واحدة من خمس محافظات في غزة، وتقع أقصى جنوبي القطاع بين محافظة خانيونس ومصر، نحو ربع مليون فلسطيني، وعانت من انعدام الخدمات الأساسية، وفي مقدمها تلك الطبية. وطالبت حملات شبابية وإعلامية بإنشاء مُستشفى مركزي منعت ظروف الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ 17 عاماً تشييده، ثم أظهر العدوان الإسرائيلي الحالي الذي انطلقت شرارته في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مدى تدهور الأوضاع الصحية والخدماتية فيها.
وتتعرض رفح إلى تهديدات إسرائيلية مُتواصلة بتنفيذ عملية عسكرية واسعة واجتياح بري في إطار العدوان المتواصل للشهر الخامس على التوالي، والذي أدى إلى استشهاد أكثر من 28 ألف فلسطيني، 70 في المائة منهم أطفال ونساء، ما يُنذر بكارثة إنسانية وبيئية وصحية، في ظل غياب الخدمات والإمكانيات المطلوبة للتعامل مع سكانها في الأصل الذين تناهز نسبتهم الحالية 15 في المائة من إجمالي عدد النازحين إليها هرباً من الحرب، والاستهداف المُباشر للمدنيين، وارتكاب مجازر جماعية في حقهم مسحت عائلات بكاملها من السجل المدني الفلسطيني.
يقول المتخصص في الشؤون الديموغرافية محمد أبو السعيد لـ"العربي الجديد": "تعتبر مدينة رفح التي أنشئت قبل نحو 5 آلاف عام من أقدم المدن، وتعرضت لسلسلة غزوات، وجرى تقسيمها إلى شطرين إثر اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، الأول رفح الفلسطينية والثاني رفح المصرية، وبينهما الحدود بين مصر وقطاع غزة. وتقدّر مساحة محافظة رفح بنحو 64 كيلومتراً مربعاً، وهي المحافظة الخامسة في قطاع غزة الذي تبلغ مساحته 365 كيلومتراً مربعاً، ويعتبر ذا الكثافة السكانية الأكبر في العالم".
ويُرجِع أبو السعيد سبب تدهور الأوضاع المعيشية في قطاع غزة عموماً ومدينة رفح خصوصاً إلى مساحة الأرض المحدودة، ويقول: "تدنى حالياً مستوى الخدمات والأوضاع الصحية والبيئية في ظل تزايد عدد النازحين، إذ باتت المدينة ذات الإمكانات المحدودة تضم مليوني شخص، ما يُفسر العجز عن تقديم متطلبات العلاج والغذاء والإيواء".

كل أشكال الخدمات مفقودة في رفح (عبد زقوت/ الأناضول)
كل أشكال الخدمات مفقودة في رفح (عبد زقوت/الأناضول)

ويشير المختار قاسم مروان، وهو أحد مُنسقي المناطق الغربية في رفح، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن المدينة شهدت العديد من الفعاليات والأنشطة والمبادرات التي طالبت بإنشاء مستشفى مركزي يخدم أهالي المدينة، لكنها اصطدمت بالتأثيرات السلبية للحصار الإسرائيلي المفروض على غزة. وكان هذا في وقت طبيعي قبل أن تتفاقم الأزمة عشرات المرات بعد اندلاع الحرب الحالية بفعل لجوء مئات آلاف النازحين إلى رفح إثر التهجير القسري الذي رافق العدوان".
يضيف: "الواقع الحالي في رفح صعب جداً، علماً أن الموارد والخدمات كانت تكفي بالكاد عشرات الآلاف من أبناء المدينة، واليوم باتت المخابز والمحلات التجارية التي لا تزال تفتح أبوابها، على غرار الأسواق والمستشفيات الصغيرة والمراكز الطبية والعيادات، عاجزة عن توفير الخدمات المطلوبة سواء لأبناء المدينة أو لضيوفها النازحين".
ويوضح أن الأزمة تتفاقم يوماً بعد يوم جراء تواصل العدوان وتزايد شراسته، ويحذر من تخطيط إسرائيل لاجتياح المدينة في ظل الواقع الصعب الذي تمُر به وسط نفاد المواد الغذائية وغياب الخدمات الصحية والإنسانية وإمكانيات الإنقاذ، وانعدام القُدرة على الإيواء.

وتشهد شوارع رفح وأسواقها ازدحاماً شديداً غير مسبوق في ظل تفاقم الواقع الميداني، وغياب قُدرة البلديات على تصريف مياه الصرف الصحي التي تُغرِق الطرقات، ما بات يُهدد بكارثة إنسانية وبيئية وبانتشار الأمراض المُعدية والجلدية والفيروسية وسط نفاد الأدوية والمُستهلكات الطبية، بسبب استمرار إغلاق المعابر.
وتزداد المُعاناة في قطاع غزة شيئاً فشيئاً، حيث بدأ العدوان الإسرائيلي باستهداف البيوت والمُنشآت المدنية والمربعات السكنية والمستشفيات والمؤسسات الخدماتية، في ظل إغلاق المعابر ومنع دخول المواد الغذائية والماء والكهرباء ومشتقات البترول والمساعدات الإنسانية التي يعتمد عليها أكثر من 80 في المائة من الفلسطينيين في ظل تفاقم معدلات الفقر التي وصلت إلى 70 في المائة قبل الحرب، ومُعدلات البطالة التي تخطت 65 في المائة بين الفلسطينيين، و75 في المائة في صفوف الشباب.

المساهمون