رعب جدار الصوت في لبنان... إرشادات للتعامل مع الأطفال

19 اغسطس 2024
الخوف والتوتر طبيعيان في أوقات الحرب (حسين بيضون)
+ الخط -

يعيش أطفال جنوب لبنان تحت وطأة الغارات والطيران الحربي وكسر جدار الصوت الذي يرعب الكبار والصغار.
تقول نسرين حمدان من بلد كفرا الجنوبية (قضاء صور)، عن رد فعل طفلتها الوحيدة لين (6 سنوات): "عند كسر جدار الصوت ترتعب طفلتي، وأشعر أنها ستفقد وعيها من الخوف. في البداية كنت أتحايل عليها بالقول إن الصوت ناجم عن إطلاق مفرقعات نارية، لكن مع تزايد وتيرة الخروقات يومياً وتكرار الغارات بدأت أحدثها بوضوح عما يجري". 
اختارت حمدان رواية بسيطة. إذ قالت لابنتها إن إسرائيل التي تسلب أرض فلسطين، تحاول إخافتنا بالأصوات القوية لأننا نواجه العدو ونحاول حماية أرضنا، وإن الصوت ناجم عن كون الطائرة الحربية تنخفض كثيراً لترمي بالونات تنفجر في السماء وتحدث أصواتاً قوية لإخافتنا.
حال نسرين مشابه لحال العديد من الأمهات في جنوب لبنان، وحتى في العاصمة بيروت التي تشهد مؤخراً خروقات متكررة. تقول ريم شعبان، وهي أم لطفلين: "لقد نقلت الرعب إلى أطفالي بسبب صراخي كلما حدث كسر لجدار الصوت، وإن كانوا في غرفة أخرى في المنزل وليسوا بالقرب مني، أهرع لاحتضانهم، وأبدو مرعوبة أكثر منهم".  
ولا تملك العديد من الأمهات إجابة واضحة يقدمونها لأطفالهم حول جدار الصوت. من بين هؤلاء رنا نصر الدين، وهي أم لطفلتين. تقول لـ"العربي الجديد"، "رغم خوفي الشديد من الحرب، إلا أنني أحاول عدم نقل القلق والخوف إلى أطفالي، وعندما سألت ابنتي الكبيرة عن الأصوات، قلت لها إنها لإطلاق مفرقعات احتفالية، وأعتمد معهما فكرة التصفيق عند حدوث كسر لجدار الصوت".
وتشرح المتخصصة في العلاج النفسي للأطفال والمراهقين في المركز الطبي بالجامعة الأميركية في بيروت، فاطمة فرحات، لـ"العربي الجديد"، أنه من "المهم الوضوح والصدق في التعاطي مع الأطفال. البعض قد يقول لطفله إن هذا صوت مفرقعات أو ألعاب نارية، وهذا غير مفيد، خاصة إذا تكرر الأمر، فعادة ما يستمد الأطفال ثقتهم من الأهل، ويجب عدم المساس بهذا. يمكننا أن نفسر بشكل مبسط للأطفال أن العدو الإسرائيلي يسعى لإثارة الخوف، ولذا تتحرك طائراته بسرعة كبيرة، ما يسبب هذا الصوت القوي، وأن هذا مجرد صوت، وليس انفجاراً".

اللعب يجنب الأطفال الخوف والقلق خلال الأزمات (حسين بيضون)
اللعب يجنب الأطفال الخوف والقلق خلال الأزمات (حسين بيضون)

تضيف فرحات: "مشاعر الخوف والقلق والتوتر ليست مؤثرة فقط على الأطفال بل على الكبار أيضاً، وهي مشاعر مُبررة، ومن الضروري أن نتفهم شعور الطفل، وأن نعطيه فرصة للتعبير، ونقول له إنه من الطبيعي أن يخاف، وتختلف طرق الاحتضان النفسي للأطفال، فالأولاد تحت سن السابعة سنوات يحتاجون إلى تلامس جسدي لكي يهدئوا من روعهم، وقد يكون مؤذياً أن نفسر لهم ما يحصل في فلسطين أو لبنان. أما الأطفال الأكبر فيحتاجون إلى الإجابة عن تساؤلات أكبر وأعمق، ومن الضروري أن لا نوهم الأطفال بأمان غير حقيقي".  
تتابع: "من ضمن الإرشادات التي يجب على الأهل القيام بها لطمأنة الأطفال ضرورة أن يشعر الطفل بالأمان، فيجب احتضان الأطفال في أعقاب أي حدث مخيف أو مزعج، وعلى الأهل ضرورة التصرّف بهدوء، إذ يتطلع الأطفال إلى الكبار من أجل الاطمئنان بعد وقوع الأحداث المؤلمة، ويجب عدم مناقشة مخاوفهم مع الأطفال، ويجب أن ينتبهوا إلى نبرة صوتهم بالقرب من الأطفال الذين يتأثرون بالقلق. بينما تفرض الحرب فوضى وتغييراً، على الأهل ضرورة المحافظة على روتين أطفالهم المعتاد، كأوقات وجبات الطعام وأوقات النوم، إذ يُطمئن الروتين الأطفال بأن الحياة ستكون بخير، وفي حال كان الأهل بلا مأوى أو تم تغير مكان سكنهم، فيمكن الالتزام بالقواعد العائلية التي كانت قائمة في المنزل".

وتشير فرحات إلى أن "الإلهاء جيد للطفل، ويعطيه إحساساً بالحياة الطبيعية، ويمكن اللجوء إلى الرسم والتلوين، أو السباحة أو اللعب بالرمل وغيرها. من المهم الحدّ من تعرض الأطفال للتغطيات الإخبارية، وأن يكون الأهل مستمعين جيداً لأطفالهم، فيجب عدم إعطائهم محاضرات عن الأحداث، دع الأطفال يعرفوا أنه يمكنهم إخبارك بما يشعرون به في أي وقت، ويجب إظهار التفهم لمشاعرهم، كما يمكن استخدام تمارين الاسترخاء والتنفس، فالتنفس العميق يساعد في التهدئة".
وتوضح: "أكثر ما يحتاج إليه الأطفال في الحروب والأزمات هو شخص يثقون به للاستماع إلى أسئلتهم، وقبول مشاعرهم، ويتمتع الأطفال بمرونة نفسية عالية، فليس كل طفل يشهد حروباً شديدة سيصاب باضطرابات أو أزمات".  
وتحضر فرحات لقاءات خاصة بالأهالي في جنوب لبنان، لمساعدتهم في كيفية التعامل مع القلق، وكيفية الإجابة عن أسئلة الأطفال، وكيفية التعامل مع صحتهم النفسية في ظل الحرب.

المساهمون