استمع إلى الملخص
- يعيش سكان بيروت في حالة من الخوف المستمر بسبب الغارات المتكررة، حيث يعبر الأهالي عن مشاعر القلق وفقدان الأمان، مع عدم وجود أماكن آمنة يلجؤون إليها.
- تفاقم الشائعات والمعلومات المغلوطة من معاناة السكان، مما يزيد من الذعر، حيث يعبر الأهالي عن خوفهم ويدعون إلى التحسب لحماية العائلات.
يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي توسيع رقعة قصفه في لبنان يوماً بعد يوم، إذ لم تعد محصورة في مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، بل امتدت إلى مناطق مختلفة في قلب العاصمة.
أثارت الغارة الدموية التي استهدفت مساء الخميس منطقتي النويري ورأس النبع في قلب بيروت وأودت بالعشرات بين قتيل وجريح، الرعب والهلع في أوساط سكان المدينة والنازحين إليها والذين باتوا يتحسبون من تمدد غارات واستهدافات العدو الإسرائيلي إلى بقية مناطق وأحياء العاصمة. وتأتي الغارة بعدما سبقتها غارتان في وقت سابق استهدفتا منطقة الكولا ومنطقة الباشورة في بيروت. لكن غارة الخميس تعدّ الأعنف بين الاعتداءات الثلاثة على العاصمة بعدما خلّفت العدد الأكبر من الضحايا وتسبّبت بنزوح الأهالي من محيط المنطقتين المستهدفتين.
وعاش سكان بيروت ليلة من الرعب خلال الغارة، وهم الذين ينامون ويستيقظون يومياً على أصوات المسيّرات وغارات الطائرات والصواريخ وارتجاجات المنازل بفعل الاعتداءات والقصف اليومي للضاحية الجنوبية لبيروت. ومع الاستهداف الإسرائيلي الثالث من نوعه لقلب العاصمة اللبنانية، مساء الخميس، تفاقمت حدة الرعب والتوتر لدى أهالي بيروت والنازحين، حيث خلّفت الغارتان الأخيرتان على منطقتَي البسطة والنويري (غربي بيروت)، حالة من الهلع وحركة نزوح.
تتحدث فرح حمادة، لـ"العربي الجديد"، عن هول ليلة الخميس والخوف الشديد الذي عاشته برفقة عائلتها، وهي المقيمة في منطقة البسطا القريبة من المكان الذي استهدفته إحدى الغارات الإسرائيلية. وتقول: "سمعنا صوتاً مدوّياً وكأن الغارة بمحاذاتنا بالضبط، وكنت حينها أبعث رسالة صوتية عبر هاتفي الخليوي، فكان أن صرخنا جميعاً، وهرعنا لمعرفة حقيقة الأمر. إنها المرة الثانية التي نشهد فيها غارة قريبة بعد الاستهداف الذي تعرض له مركز الدفاع المدني - الهيئة الصحية الإسلامية في منطقة الباشورة (وسط بيروت). لا يمكن المكابرة أمام رهبة وفظاعة الصواريخ والقصف والمسيّرات، فعلاً شعرت بقلبي يقفز من مكانه". تضيف فرح: "صارت أيامنا وليالينا مليئة بالتوتر ومحفوفة بالمخاطر. الرعب لا يفارقنا، لا نعرف الوجهة التالية لاستهدافات العدو الإسرائيلي. نعتقد لوهلة أن هناك مناطق آمنة وأخرى مستهدفة، لكن الأشد قهراً تلك الاستهدافات المفاجئة والمدمّرة التي يتعمدونها من دون سابق إنذار ويسقط ضحيتها مدنيون وأطفال أبرياء. بالفعل نجهل مصيرنا ومستقبلنا، ونسأل أنفسنا كل يوم: ماذا بوسعنا أن نفعل؟".
من جهته، يقول حسين الخطيب، المقيم في منطقة رأس النبع (القريبة من الغارتين)، لـ"العربي الجديد"، واصفاً حالة الهلع التي سادت بين أهالي البسطا والنويري ورأس النبع والمناطق المجاورة إثر الغارتين الإسرائيليتين: "عمّ صراخ النساء والأطفال في مراكز الإيواء والمباني السكنية المكتظة، وسادت الفوضى وهرع عدد من النازحين في المدارس إلى الملاعب، في حين نزل سكان المباني إلى الشارع وسط حالة من الذهول والحزن". ويكشف عن حالات نزوح محدودة سُجّلت ليل أمس. ويسأل: "إلى أين سيذهب أهلنا، أين يمكنهم أن يحتموا من إجرام العدو الإسرائيلي؟. لقد أمضوا أيامهم الأخيرة في النزوح والتنقل بين منطقة وأخرى، ولم يهنأوا بملجأ آمن بعد".
بدورها، هرعت زينب رمّال، النازحة في إحدى المدارس القريبة من الغارتين، حافية القدمين إلى الملعب، وهي تحمل طفلها بين يديها. وتقول لـ"العربي الجديد": "وقفت مرتجفة في الملعب، وسط صراخ النازحين وبكاء الأطفال، فكرت للحظة بالهروب، لكن إلى أين؟ يبدو أنه مقدر لنا أن نعيش الرعب مجدّداً، بعدما سبق وزحفت برفقة ابني وتهجّرنا من منزلنا في جنوبي البلاد. شعرت للوهلة الأولى بأنه سيُغمى عليّ. كانت المأساة تخيّم على كل زاوية في ملعب المدرسة، ولا أستطيع وصف القهر وحجم الخوف الذي ساد بين الأهالي".
ويرى اللبناني أحمد مبارك (أبو عمر)، أن "الأمور خرجت عن السيطرة منذ بدء العدوان على قطاع غزة في نهاية العام الماضي، وخاصة أن العدو الإسرائيلي لا يعرف أي ضوابط ولا يلتزم بأي حدود، ويواصل إجرامه ضارباً بكل القوانين والأعراف عرض الحائط". يقول مبارك، الأب لأربعة أبناء، والمقيم في منطقة عائشة بكار: "أصبحنا مكشوفين، وفقد المواطن الشعور بالأمان، والكل مرعوبون. عايشتُ الكثير من الحروب في لبنان منذ الاجتياح الإسرائيلي في عام 1982، غير أنني لم أشعر يوماً بالخوف على أولادي وأحفادي كما أشعر اليوم. الفارق كبير، فقد تغيّرت الأساليب العسكرية مع تطوّر الأسلحة، ودقة عمليات الاغتيال، وكلها أساليب مؤذية بشكل لا يُوصف، ما يثير القلق حتماً". من دكانه الصغير، يؤكد أبو عمر لـ"العربي الجديد"، قائلاً: "لن أترك بيروت، ولم أتركها طيلة حياتي، إذ لا يمكنني العيش خارج العاصمة رغم حالة الهلع والخوف. النزوح ليس سهلاً، والأفضل أن نبقى صامدين في بيروت، رغم أن الأوضاع غير مطمئنة على الإطلاق".
يعيش العشريني جاد اللبّان مع والديه في منطقة المصيطبة التي تكتظّ بالنازحين، ويقول لـ"العربي الجديد": "لم يعد هناك من مكان آمن في بيروت، ولا في غيرها من المناطق، لكن ليس باليد حيلة. كنا نعتقد أن الغارات لن تتجاوز الضاحية الجنوبية لبيروت إلى بقية مناطق العاصمة. الرعب الآن أكبر، والأوضاع كارثية، فلا أمن ولا أمان، ويقلقنا أكثر أننا صرنا نخشى من قصف أي من الأبنية المحيطة بنا، إذ لا يمكن أن نعرف ما إذا كان بالجوار شخص مستهدف، أو مجموعة مستهدفة، وربما يكونون في البناية التي نقطنها، أو في شارعنا، أو في الحي". يضيف اللبّان أن "لا خيارات متاحة أمامنا حاليّاً سوى ملازمة منازلنا، فلا مكان يمكن أن نذهب إليه، لكن إذا اضطررنا سنغادر بيروت بالطبع. ليل نهار أدعو الله أن تهدأ الأمور وتتوقف الحرب، وأن يتم الوصول إلى حل جذري لهذه الأزمة، واتخاذ قرارات تعيد النهوض إلى لبنان".
وتُفاقم الشائعات معاناة سكان بيروت. وشهدت الأيام الأخيرة سيلاً من المعلومات المغلوطة التي راجت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ما أثار المزيد من الذعر والقلق في النفوس. وكشفت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني عن توقيف مطلقي رسالة مفبركة حول إخلاء مبنى في منطقة الطريق الجديدة، كما استهدفت رسالة مفبركة أخرى منطقة حي اللجا المتفرعة من شارع مار الياس التجاري.
من جهتها، تأمل اللبنانية جمال أبو عمّو، التي تعمل في مستشفى جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، أن تزول هذه الغيمة السوداء سريعاً، وأن يأتي الفرج قريباً، إذ لم تعد تقوى على الهموم والأحزان، بحسب ما تشرح، وتقول لـ"العربي الجديد": "نعيش حالة من الهلع والتوتر منذ استهداف منطقة الكولا. في السابق، كنا نتابع الأخبار ونراقب التطورات، وفجأة صرنا نحن الخبر. سقط الصاروخ بالقرب من مسكننا في منطقة الطريق الجديدة، وكان الصوت قويّاً، ومرت اللحظات ثقيلة، إذ اهتزّ المنزل بشدة، وحاولتُ تهدئة والدتي المسنّة، وطمأنة العائلات النازحة التي نستضيفها من مدينة صيدا (جنوب). كنا أكثر من 15 شخصاً في المنزل، من بينهم أطفال استفاقوا وهم يبكون ويصرخون".
بدوره، يبدي مصطفى عيتاني، المقيم بجانب أحد مراكز "الجماعة الإسلامية"، خشيته من أن يُكتب لهم نصيب من الغارات الإسرائيلية، ويقول الأب لثلاثة شبّان وشابة لـ"العربي الجديد": "وردتنا بالفعل اتصالات تطلب إخلاء المنطقة، لكن إلى أين نذهب؟ مصير النزوح مجهول، ولا نعرف أي مبنى أو شارع أو منطقة سيتم استهدافها، كما لا نعرف إن كان طلب الإخلاء حقيقيّاً أم مزيّفاً. لا يمكننا ترك منازلنا رغم الخوف والرعب، وإنما علينا التحسّب بشكل دقيق لحماية أهلنا وعائلاتنا وممتلكاتنا. في ظل الحرب لا حدود ولا روادع ولا مكان آمناً. نعيش بحذر شديد، ونسلّم أمرنا لله".
نزحت منال عطا من الجنوب إلى بيروت بحثاً عن ملجأ آمن لأطفالها الأربعة، غير أنّ الغارات التي استهدفت قلب العاصمة أعادت إليها مشاعر الخوف من جديد. تقول لـ"العربي الجديد": "لم يعد هناك أمان حتى في بيروت، ولا نعرف إلى أين سنذهب في حال تأزمت الأمور. كسرت الغارات الإسرائيلية كل القواعد والتطمينات الرائجة بأن بيروت آمنة، وأكدت أن الأوضاع غير طبيعية وغير مطمئنة في كل مكان". بحسرة، تروي عطا كيف تعاني طفلتها من نوبات بكاء متكررة، ونوبات صراخ عند سماع أصوات ناتجة عن أي غارة، كما ترافقها الكوابيس طيلة الليل. وتضيف: "لا نريد سوى الهدوء والاستقرار، ونريد العودة إلى منازلنا. لقد ذقنا الويلات والصدمات، ولن يكون من السهل أن نتخطى هذه الحالة الصعبة، أو نتخلص من هذا الإرهاق النفسي الكبير".
تتابع: "سلامة أولادي كانت السبب الوحيد الذي أقنعني بالنزوح نحو بيروت، إذ بكت ابنتي الكبرى طالبة مني المغادرة بعد تكرار القصف والترويع، وهي حالياً تطالبني بالنزوح مجدداً، لكن لا تخطر ببالي أي وجهة آمنة يمكن أن نقصدها، فنحن عاجزون عن تحديد تلك الوجهة، ولا نعرف إن كان القصف الجديد سيطاول المنطقة أو المبنى الذي نعيش فيه، فكلنا أهداف محتملة للعدو. في الوقت الحالي، لا أملك سوى البقاء برفقة عائلتي في بيروت، لكون العودة إلى منزلنا في الجنوب غير ممكنة في الوقت الراهن، فالمسيّرات كانت تواصل التحليق فوق المنزل، وفي أنحاء المنطقة، وهذا ما بات يحدث هنا أيضاً، ودائماً يراودني إحساس قبل وقوع الغارة بوجود شخص مستهدف".
من جانبه، يتحدث جان صليبا، وهو مختار سابق في منطقة المدوّر، شرقي بيروت، عن شعور أهالي المنطقة بنوع من الاطمئنان حتى الآن لعدم وجود قيادات حزبية أو جهات مستهدفة في منطقتهم، واعتقادهم أن المنطقة ستظل خارج دائرة الغارات وخطر الاستهداف. ويكشف صليبا لـ"العربي الجديد"، أن "بعض أهالي منطقة المدوّر غادروا العاصمة بهدف إبعاد أطفالهم عن أصوات الانفجارات والغارات وأزيز المسيّرات وخرق الطائرات الحربية جدار الصوت"، ويضيف: "نأمل بأن تتوقف الغارات، سواء في العاصمة أو غيرها من المناطق. إنها حرب همجية لا يستوعبها العقل، ولا يمكننا سوى الدعاء لخلاص لبنان واستعادة الأمان".