دروس التربية الوطنية تثير جدلاً في روسيا

21 أكتوبر 2022
تتضمن مواد العام الدراسي الجديد في روسيا "دروس حرب" (بافل بافلوف/ الأناضول)
+ الخط -

تواجه معلمة مادة رياضيات في مدارس بالعاصمة الروسية موسكو، تدعى تاتيانا تشيرفينكو، حالياً، خطر التسريح من عملها بعدما انتقدت في مقابلة مع قناة "دوجد" (مطر) الليبرالية المعارضة وبرنامج بثته قناة "ناستوياشيه فريميا" (الزمن الحاضر) الممولة من الولايات المتحدة، دروس "الأحاديث المهمة" التي فرضتها وزارة التعليم الروسية مع بدء العام الدراسي الجديد لتحقيق هدف "تكوين حب الوطن لدى التلاميذ والافتخار ببلدهم".
وطالبت إدارة المدرسة بأن تكتب تشيرفينكو توضيحاً في شأن إدلائها بحوارات بلا الحصول على إذن، واتخذت إجراءات تأديبية في حقها، وهددتها بالفصل من العمل في حال كررت المخالفة، وفق ما كشفته نقابة تحالف المعلمين غير الحكومية.  
وكانت وزارة التعليم الروسية عممت، قبل أيام من انطلاق العام الدراسي، مواد على المدارس، تضمنت معلومات حول "العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا" و"حماية الروس" و"الموت في سبيل الوطن"، ما أثار انتقادات لاذعة حتمت تعديل المسؤولين الحكوميين هذه المواد وحذف العبارات المثيرة للجدل في الأيام الأولى من العام الدراسي، واعتماد تعريف للوطنية يفيد بأنها "سبيل للارتقاء من الحب المحدود للذات والمقربين إلى حب أي إنسان والبشرية عموماً"، واتخاذ قرار بتضمين الدروس حصصاً لمشاهدة مقاطع فيديو بعناوين مثل "تاريخ بلادي"، ومناقشة أعمال لكبار المؤرخين الروس.
ويعزو الناشط دانييل كين، وهو مدير نقابة تحالف المعلمين في العاصمة الشمالية الروسية سانت بطرسبرغ، في حديثه لـ"العربي الجديد"، تعديل مواد "الدروس المهمة" إلى "تعامل المدارس بشيء من الاستهتار مع هذه الدروس وسماحها للمدرسين بإعطائها بالطريقة التي يرونها مناسبة، من دون أن تلزمهم بتطبيق المنهج بالكامل. وأعقب ذلك حذف وزارة التعليم الروسية نفسها بعد أيام المواد الخاصة بأوكرانيا من المناهج، ربما لأنها شعرت بوجود معارضة مجتمعية لها. وبحسب ردود الفعل المرصودة على مواقع التواصل الاجتماعي، لن يتعرض المعلمون لضغوط مباشرة للالتزام التام بالمنهج، ويمكن أن يتنصلوا منه بسهولة". 
ويلفت كين إلى أنّ "دروس التربية الوطنية لم تثر استياء المعلمين وحدهم، بل أولياء الأمور أيضاً. ونحن نتلقى نحو 50 خطاباً يومياً تتضمن انتقادات حادة للمنهج من أولياء الأمور والمعلمين، ما يظهر بوضوح وجود مقاومة كبيرة ورغبة لأولياء الأمور في التخلي عن هذه الدروس. ويبدو جلياً أيضاً أن آلاف المعلمين وربما عشرات آلاف مستعدون للتهرب من تنفيذ المطالب الخاصة بالمناهج".
ويشير إلى أنه "رغم الطابع غير الإلزامي لهذه الدروس، تمارس إدارات المدارس ضغوطاً على أولياء الأمور في حال غاب أبناؤهم عن "الأحاديث المهمة".

جرح المدارس الروسية يرن لـ"تعليم الحرب" (بافل بافلوف/ الأناضول)
جرس المدارس الروسية يرن لـ"تعليم الحرب" (بافل بافلوف/ الأناضول)

أيضاً، تشمل محاولات السلطات الروسية إنماء الشعور بالوطنية لدى الشباب طلاب الجامعات أيضاً، بعدما أعدت الجمعية التاريخية الروسية، في وقت سابق من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، مشروع رؤية للدورة الجامعية الموحدة في تاريخ روسيا بدءاً من فترة روسيا القديمة، وصولاً إلى روسيا الحديثة وتوسع حلف شمال الاطلسي (ناتو) ودخول القوات الروسية إلى أوكرانيا وفرض عقوبات غربية على روسيا.
ويرى أصحاب المبادرة أن هذه الرؤية "تضمن توحيد مناهج التدريس في الجامعات بهدف تكوين هوية موحدة لمواطنة المجتمع الروسي لدى الطلاب"، لكن ترك مهام تحديد جوانب المنهج ومحتوى مادة التاريخ والأطر الزمنية والجغرافية التي يجب أن تدرس للجامعات الروسية يبقي، أو حتى يعمّق، التضارب في المقاربات لاختيار المحتوى والتفسير والرؤى الخاصة بتاريخ روسيا والعديد من قضايا الماضي الملحة.

واللافت أن الرؤية تطالب أساتذة الجامعات بتجنب النبرة السلبية والإساءات لدى تناول قضايا تاريخ الوطن وتناقضاته، مقابل التركيز على "الطابع الخلاق" لأعمال الدولة الروسية والشعوب التي تقطن أراضيها، ونجاحها في استثمار الأراضي الشاسعة وتحقيق إنجازات في مجالات الثقافة والعلوم.
وسبق أن أعلنت وزارة العلوم والتعليم العالي الروسية عزمها على اعتماد ما لا يقل عن 144 ساعة أكاديمية إلزامية لتدريس الطلاب التاريخ الوطني، بصرف النظر عن تخصصاتهم.

المساهمون