مفترشةً الأرض، ووسط ظروف قاسية، تنهمك الطبيبة في أداء واجبها الإنساني ورسالتها النبيلة. وعلى باب الخيمة المصنوعة من النايلون والقماش، نقشت فداء بخط كبيرة: "عيادة الدكتورة فداء" لتنبيه النازحين إلى وجود مكان بإمكانه تقديم الخدمات الطبية لهم وإسعافهم.
خيمة علاجية، نجحت فداء في افتتاحها أخيراً، لتقديم الحد الأدنى من الرعاية الطبية والأدوية إلى المرضى النازحين، بعد أن كانت تقدم هذه الخدمات بالتجول في المخيم.
وتبرز أهمية هذه "العيادة" في وقت تنتشر فيه الأمراض بين النازحين، وسط صعوبة الوصول إلى المستشفيات البعيدة التي تكون بعيدة بالعادة عن المخيمات المستحدثة، والتي تُنشأ في أماكن نائية بلا خدمات أو مواصلات.
ويعاني الفلسطينيون منذ بدء الحرب على قطاع غزة من صعوبة تنقلهم لمسافات بعيدة، إلا بوساطة الوسائل البدائية كالعربات التي تجرها الأحصنة والحمير، في ظل شحّ الوقود المشغل للمركبات بسبب منع إسرائيل إدخاله.
وتركز المستشفيات القليلة العاملة في القطاع على تقديم خدماتها لحالات الطوارئ والإصابات من القصف الإسرائيلي، حيث يصعب على الحالات المرضية الحصول على الرعاية اللازمة في ظل استمرار الحرب.
وبحسب تقارير محلية ودولية، سبّبت الحرب الإسرائيلية انهيار القطاع الصحي في غزة.
وخلال الحرب المتواصلة في غزة، استهدف الجيش الإسرائيلي العديد من المنشآت الطبية وسيارات الإسعاف، وكانت في البداية تستهدف أساساً المنشآت الطبية في شمال القطاع ووسطه، ثم انتقلت إلى المؤسسات الواقعة جنوباً، مع اتساع رقعة المعارك البرية بعد انتهاء الهدنة الإنسانية المؤقتة مع "حماس" مطلع ديسمبر الماضي.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 يشنّ الجيش الإسرائيلي حرباً مدمرة على غزة خلّفت حتى الجمعة 23 ألفاً و708 شهداء و60 ألفاً و5 مصابين معظمهم أطفال ونساء، ودماراً هائلاً في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقاً لسلطات القطاع والأمم المتحدة.
الرعاية الصحية أولوية
بعد أن أنهت معالجة قدم طفل من النازحين مصابة بجراح وحروق (غير معروف سببها)، قدمت القرشلي نصائح لتوعية الطفل وحمايته من الإصابة بالالتهابات وتسريع عملية شفائه.
وتوجهت فوراً نحو مجموعة من الصناديق الكرتونية الورقية التي تحتفظ بها داخل خيمتها "العيادة"، حيث تضع بداخلها الأدوية والمستلزمات الطبية والحقن، وقدمت إلى الطفل دواءً مضاداً للالتهابات.
وتقول الطبيبة القرشلي، وهي أم لـ5 أطفال، إنها نزحت من حيّ الشجاعية شرقيّ مدينة غزة إلى رفح، حيث لم تجد إلا المخيمات المستحدثة لإيوائها وعائلتها. وتضيف للأناضول: "بدأت بتقديم الخدمات الطبية المجانية بعد إلحاح من النازحين الذين هم بحاجة إلى الرعاية الصحية".
وتوضح أنها في بداية الأمر كانت تعتمد على التجول بين الخيم وتفقد أوضاع النازحين إن كانوا بحاجة لخدمات أو لديهم مرضى.
بعد ذلك، نجحت القرشلي في توفير خيمة علاجية خصصتها للمبيت والتطبيب، حيث تبدأ باستقبال النازحين المرضى من الساعة 5 فجراً، وفق قولها.
وتضيف: "أستقبل المرضى في أي وقت كان، التعامل بيننا بسبب الأوضاع الجارية ليس رسمياً، بل يقوم على علاقة الأخوّة، ممكن أن أستقبل حالات الساعة 1 فجراً أو بعد ذلك".
وأوضحت أنها تستقبل في هذه العيادة حالات مرضية لمختلف الأعمار ممن هم بحاجة "لغرز (تقطيب الجروح)، أو الأطفال الذين يعانون من ارتفاع في درجات الحرارة، أو النزلات المعوية الحادة، وغيرها من الحالات".
ويومياً، تستقبل القرشلي داخل عيادتها من 50-100 حالة مرضية، على حد قولها.
خيمة علاجية وسط ظروف صعبة
وعن الظروف التي تمرّ بها القرشلي داخل عيادتها البسيطة، تقول إنها صعبة في ظل عدم توافر الإمكانات التي تساعدها في تقديم الخدمات الطبية للنازحين على أكمل وجه.
وتضيف: "أجلس أنا والمرضى الذين أعالجهم على الأرض والرمال، لا يتوافر مكان للتشخيص وتقديم الخدمات".
وطالبت الجهات المختصة بضرورة توفير عيادة طبية تساهم في تحسين طبيعة الخدمات المقدمة للمرضى من النازحين"، فضلاً عن توفير أدوية ومستلزمات طبية.
وعن الأدوية والمستلزمات المتوافرة لديها، قالت القرشلي إنها نجحت في توفير هذه المجموعة من خلال مساعدة من بعض الفلسطينيين الذين وصفتهم بـ"أهل الخير".
ومع استمرار الحرب، تشكو المؤسسات الصحية العاملة ومواطنون من شحّ في الأدوية المتوافرة في القطاع، في ظل تدمير المنشآت الصحية وإغلاق المعابر.
ويدخل بعض هذه الأدوية والمستلزمات على شكل مساعدات من مؤسسات إغاثية وأممية، حيث أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، الجمعة، بدء وصول شحنة أدوية إلى القطاع بالتنسيق مع "يونيسف"، إلى جانب دفعة جديدة من اللقاحات الخاصة بالأطفال.
وقالت وزيرة الصحة مي الكيلة، في بيان، إن الشحنة الواصلة تحتوي على "لقاحات لشلل الأطفال، بالإضافة إلى أدوية ومستهلكات طبية كانت وزارة الصحة قد اشترتها بالتعاون مع اليونيسف".
وتواصل إسرائيل منذ 7 أكتوبر إغلاق المعابر الواصلة بين قطاع غزة والعالم الخارجي، فيما يُفتح معبر رفح جزئياً لدخول مساعدات محدودة وخروج عشرات المرضى والمصابين وعدد من حاملي الجوازات الأجنبية.
وسمحت إسرائيل في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 بدخول كميات شحيحة من المساعدات الإنسانية إلى القطاع عبر معبر رفح، ضمن هدنة استمرت أسبوعاً بين الفصائل بغزة وإسرائيل، جرى التوصل إليها بوساطة قطرية مصرية أميركية، تخللتها صفقة تبادل أسرى.
(الأناضول)