اجتاحت صفحات "فيسبوك" في تونس، في الأيام القليلة الماضية، صور مخيفة لطفل عمره سنة وخمسة أشهر، تعرّض للعنف الشديد بإحدى رياض الأطفال غير القانونية بمحافظة القيروان، وسط تونس. توثق الصور الصادمة، الأضرار الجسدية الكبيرة التي خلّفها الاعتداء على الطفل، وانتشرت الحادثة على وسائل الإعلام لتتحوّل إلى قضية رأي عام دفعت بوزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن، إلى إصدار قرار بالإغلاق الفوري للحضانة غير المرخّصة، وإيقاف صاحبتها بإذن من النيابة العامة وفتح تحقيق في الموضوع.
وهذه الحادثة ليست الأولى من نوعها في تونس، فكثيراً ما تحدث اعتداءات جسدية وانتهاكات خطرة بحقّ الأطفال وأحيانا الرضع، في الحضانات ورياض الأطفال غير المرخّصة، التي تنتشر بالمئات في مختلف المدن والمحافظات التونسية. وأفظع تلك الحوادث، بقيت عالقة في أذهان التونسيين، منها حادثة اغتصاب طفلة لم تتخط سن الثالثة من قبل أحد العاملين في روضة عشوائية، في جهة المرسى سنة 2013، ووفاة طفل عمره 7 أشهر في دار حضانة بجهة أريانة، مختنقاً سنة 2014، ووفاة رضيعين في حضانة عشوائية بجهة صفاقس سنة 2015، وفي السنة ذاتها أصيب 14 طفلاً جرّاء سقوط جزء من سقف حضانة مدرسية في جهة بن عروس، وغيرها من الانتهاكات.
وعلى إثر الحادثة الأخيرة، أطلقت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، حملة مسح وتقص في إطار اللجان الجهوية لمراقبة الفضاءات الفوضوية، أدّت حتى أمس الإثنين، إلى ضبط 266 فضاء غير مرخّص، تمّ البدء بالإجراءات اللازمة لإغلاقها فوراً.
كما أصدرت الوزارة قرارات إغلاق في الأيام الأخيرة، بحق 33 من الحضانات غير المرخّصة، المنتشرة في محافظات نابل وسوسة وجندوبة ومدنين وسيدي بوزيد، مؤكّدة أنها ستكون صارمة جداً مع كلّ الفضاءات العشوائية وذلك باتخاذ قرار الإغلاق لحماية الأطفال.
لكن قرارات الإغلاق هذه وحملات التقصي، ليست الأولى. فمع كل حادثة عنف أو اعتداء على الأطفال يتمّ التشديد على رياض الأطفال غير القانونية، فتُغلق العشرات منها في كل سنة، بمختلف الجهات التونسية من دون استثناء، لتبقى الظاهرة متفشية وتتكرّر حوادث العنف والإساءة بحق الأطفال في هذه الرياض.
وتؤكد رئيسة الغرفة الوطنية لرياض ومحاضن الأطفال، نبيهة كمون التليلي، في تصريح لـ "العربي الجديد" أنّ "من أسباب تفشي ظاهرة الفضاءات العشوائية، عدم وجود رياض أطفال حكومية بأعداد كافية، فالأولياء اليوم مضطرون إلى وضع أطفالهم في رياض الأطفال لأنّ الظروف تغيّرت عن السنوات السابقة عندما كان الأهل يتعاونون على احتضان أطفالهم".
وتضيف رئيسة الغرفة أنّ "عدد رياض الأطفال الحكومية التي كانت تستقطب المئات من الأطفال، تراجع من 300 إلى 50 روضة، وهي في طريقها إلى الاختفاء بسبب الكلفة المالية الباهظة التي تتكبدها البلديات لإبقائها تعمل، وتتجاوز ميزانياتها".
وتُضيف نبيهة كمون التليلي، أنّ "الإشكالية لا تكمن في المراقبة فحسب، وإنما أيضاً في عدم الجدية والصرامة في تطبيق قرارات الإغلاق، لتبقى تلك الرياض المخالفة للقانون تعمل بصفة عادية وتُشجّع آخرين على إنشاء هذا النوع من الحضانات، ما دفعنا كغرفة إلى المطالبة بسنّ قانون لتجريم إنشاء فضاءات عشوائية".