أدخل التعديل الخامس على حكومة رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة في 27 سبتمبر/ أيلول الماضي ثلاث نساء إلى الحكومة، ليرتفع عدد النساء في فريقه إلى خمس. وعينت خلود السقاف وزيرة للاستثمار، ونانسي نمروقة وزيرة دولة للشؤون القانونية، وزينة طوقان وزيرة التخطيط والتعاون الدولي. وما زالت هيفاء النجار وزيرة للثقافة في وقت تولت وفاء بني مصطفى حقيبة التنمية الاجتماعية بدلاً من وزارة الدولة للشؤون القانونية التي كانت في عهدتها. ويأتي ذلك في إطار سعي الأردن إلى إشراك المرأة في القرار السياسي وتشجيع مشاركتها في الحياة السياسية وتمكينها.
ويضمّ مجلس الأعيان (الغرفة الثانية من البرلمان) الذي جرت إعادة تشكيله في 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عشر نساء بنسبة بلغت 15.4 في المائة من مجموع أعضاء المجلس، ويضم مجلس النواب 16 امرأة (واحدة منتخبة خارج نظام الكوتا) بنسبة 12.3 في المائة.
وإن كانت هذه التعيينات تعكس المساعي الجدية لإشراك المرأة في الحياة السياسية، إلّا أن النساء ما زلن بعيدات عن الحقائب الوزارية السيادية مثل الخارجية والداخلية، وحتى الخدماتية كوزارة التربية والتعليم ووزارة الصحة، في ظل غياب الديمقراطية الحقيقية التي تتيح للنساء والرجال الحصول على حقوقهم وتضمن اختيارهم الحر لممثليهم في مجلس النواب، بالإضافة إلى ضمان الحق في حرية التعبير.
وتشير الإحصائيات إلى أنّ عدد الأردنيات اللواتي حملن لقب وزيرة هو 33، وذلك منذ تأليف أول حكومة أردنية في 11 فبراير/ شباط 1921. وكانت إنعام المفتي أول امرأة تحمل حقيبة وزارية وهي حقيبة الشؤون الاجتماعية في حكومة الشريف عبد الحميد شرف التي شكلت في 19 ديسمبر/ كانون الأول عام 1979، فيما كانت حكومة عمر الرزاز في تشكيلتها الأولى أكثر حكومة تضم وزيرات (عددهن سبع)، فيما لم تصل أيّ امرأة إلى منصب رئاسة الحكومة.
وحول نسبة النساء في الحكومة بعد التعديل الوزاري، تقول الأمينة العامة لحزب الشعب الديمقراطي الأردني (حشد)، والعضوة السابقة في مجلس النواب عبلة أبو علبة لـ "العربي الجديد، إنّ رفع نسبة النساء في الحكومة هو أمر إيجابي بلا شك، إلّا أنّه ليس معياراً وحيداً للتمكين السياسي.
معايير التمكين السياسي
وتوضح أنّ معايير التمكين السياسي للمرأة أوسع من ذلك بكثير، إذ تشمل وضع المرأة في المنظومة التشريعية والقوانين ذات الصلة بالمؤسسات المنتخبة مثل مجلس النواب، ومجالس المحافظات، والمجالس البلدية، والنقابات المهنية والعمالية. وتشمل التمكين السياسي المتعلق بالحريات العامة، وتوفير البيئة الداخلية المرحبة بالعمل السياسي التعددي، وإطلاق الأفكار والحوارات على أوسع نطاق، وعدم التضييق على العمل الحزبي وتحديداً الأحزاب المعارضة للسياسات الرسمية الحكومية أو بعضها. وتشير أبو علبة إلى أنّ طريق التمكين السياسي للمرأة طويل ومتعدد المداخل، ولا بديل عن الاستمرار فيه إذا كنا جادين في توجهات التحديث السياسي. وحول تباين التصنيفات التي تولت نساء حقائبها الوزارية، تقول أبو علبة إنّها لا توافق على تصنيف الوزارات ما بين سيادية وغير سيادية، فكلّ وزارة بالنسبة لمهماتها هي سيادية "وعلينا ألا نقلل أهمية المهام المتعلقة بأي وزارة على الإطلاق لأنّ المهم هو جودة الأداء وخدمة الناس والأشد حاجة منهم على وجه الخصوص".
وتتطرق أبو علبة إلى مسالة أخرى تتعلق بطبيعة الوزارات التي تسلمتها نساء، مثل وزارة التنمية الاجتماعية المسؤولة عن التواصل مع عشرات آلاف الأسر ومئات المراكز والجمعيات، وهي على تماس مباشر بحياة الناس اليومية، ووزارة الاستثمار التي تضطلع بمسؤولية إدارة الاستثمارات المالية والاقتصادية في البلاد، ووزارة التخطيط ووزارة الثقافة المعنية بادارة كل ما يتصل بالثقافة الوطنية، وكذلك وزيرة الشؤون القانونية للحكومة. تضيف: "أعتقد أن جميع الوزارات التي تسلمتها نساء مهمة جداً كل في مجالها".
وبحسب أبو علبة "علينا أن نراقب ونشجع الأداء الإيجابي الكفؤ الذي يستجيب لحاجات الناس ويلبي متطلبات التطوير والتقدم، وننتقد في الوقت نفسه التقصير أينما كان"، مشيرة إلى أن هناك ثقة لدى صانع القرار بقدرة النساء على إدارة هذه الملفات، متمنية للوزيرات في الحكومة الحالية أداءً رفيعاً ومتميزاً في خدمة المجتمع الأردني.
مزاج رئيس الحكومة
من جهتها، تقول الرئيسة التنفيذية لجمعية معهد تضامن النساء الأردني (تضامن) نهى حنا محرز لـ "العربي الجديد"، إن "وجود خمس نساء في التعديل الحكومي فكرة جيدة، على الرغم من أن الأردنيين لا يعلمون كيف ولماذا تجري التعديلات الحكومية، ويجهلون أسباب خروج وزير ودخول آخر". وترى أن عدد النساء في الحكومات يخضع لشخصية رئيس الوزراء ومزاجه أحياناً. نجد في بعض التشكيلات الحكومة وزيرة واحدة، وفي حكومة أخرى خمس وزيرات، وهذا يكشف عدم وجود توجهات أو سياسيات ومعايير واضحة لاختيار النساء في الحقائب الوزارية. وتشير إلى أن الوزيرتين السابقتين في الحكومة وفاء بني مصطفى، التي تسلمت بالتعديل الجديد وزارة التنمية الاجتماعية بدلاً من وزارة الدولة للشؤون القانونية، وهيفاء النجار التي استمرت بمنصبها وزيرة للثقافة، كان أداؤهما جيداً ومقدراً من الجميع. تضيف: "أما الوزيرات الثلاث اللواتي انضممن إلى التشكيلة الحكومية، فهن خلود السقاف ونانسي نمروقة وزينة طوقان. وتتمتع غالبيتهن بالخبرة والشهادات العملية والتجارب العملية".
وترى محيريز أن النساء يجب أن يشاركن في الحكومة إلى جانب الرجل، مشيرة إلى أنّ المرأة تعد عنصراً رئيسياً في بناء المجتمع واتخاذ القرار، مشيرة في الوقت نفسه إلى أنّ الكفاءة يجب أن تكون المقياس لتولي المناصب والوظائف العامة من دون تفضيل جنس على آخر بسبب عوامل غير الكفاءة. وتتوقع أن يكون مستقبل العمل السياسي في الأردن أفضل للنساء وخصوصاً مع إقرار قانون الأحزاب الجديد، واشتراط ألا تقل نسبة النساء عن الـ20 في المائة. كما اشترط قانون الانتخاب الجديد وجود امرأة واحدة على الأقل ضمن المرشحين الثلاثة الأوائل على القائمة العامة (الحزبية)، وضمن المرشحين الثلاثة التاليين، بالإضافة إلى وجود شاب أو شابة (35 عاماً) ضمن أول خمسة مرشحين.
وتلفت إلى تغير تفكير القائمين على الأحزاب في الأردن حيال مشاركة المرأة. فبعدما كان البعض يبحث عن أي بطاقات شخصية لنساء من الأقارب والمعارف لتسجيلهن والحصول على الترخيص الحزبي، أصبحت الأحزاب تبحث اليوم عن المتمكنات وذوات الخبرة والثقافة وتدعوهن للمشاركة في الأحزاب. وترى أنّ العوامل الاجتماعية المتعقلة بالمرأة ما زالت تعيقها عن أخذ دورها الذي تستحق في المجتمع على الرغم من التغير الإيجابي الذي حدث في النظرة للمرأة خلال السنوات الأخيرة، وإن لم يكن كافياً حتى الآن لتأخذ دورها الذي تستحق.
يشار إلى أن التمكين السياسي الحقيقي للمرأة الأردنية يتطلب بيئة ديمقراطية حقيقية في سياقين متوازيين الأول سياسي يؤمن أن الشعب هو مصدر السلطات، والثاني يؤمن أن المرأة نصف المجتمع لها كامل الحقوق من دون أن تتعرض للتمييز بسبب النوع الاجتماعي.
وفي وقت سابق، قال النائب الأوّل لرئيس مجلس الأعيان، رئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية المنتهية أعمالها، رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي، إنّه يتوجّب الاعتراف بأنّ المرأة تعاني من تحديات جسيمة في الواقع الاقتصادي كما السياسي، ومن قلّة النساء اللواتي يشغلنَ مراكز قيادية في الحياة السياسية والاقتصادية. وأوضح أنّ ثمّة تهميشاً كبيراً للمرأة، علماً أنّ "المرأة لا تدعم المرأة في معظم الأحيان، وهو من أكبر التحديات، إذ حصلت جميع النساء على 74 ألف صوت في الانتخابات النيابية الأردنية في عام 2020، وهذا مؤشر إلى أنّ 50% من المجتمع حصل على أقلّ من 6% من الأصوات". وشدّد على أنّ "الأهم في قانون الأحزاب الجديد ليس شرط أن يكون 20% من الأعضاء نساءً، بل يجب أن تدرك الأحزاب أنّ النساء لسنَ تكملة عدد للحصول على ترخيص".