خرافات الصين... تأثير في معتقدات النساء خلال الحمل والولادة

10 ديسمبر 2024
حوامل في الصين يمارسن الرياضة، 10 يوليو 2021 (ليانغ زيدونغ/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تسيطر الخرافات والتقاليد الشعبية على المجتمع الصيني، خاصة في قرارات الحياة مثل الزواج والحمل، حيث يُعتقد أن أطعمة معينة وطقوس خاصة تؤثر على صحة الجنين.
- تستمر بعض العائلات في الالتزام بتقاليد غذائية أثناء الحمل، مثل تجنب لحم الثعبان والروبيان، وتفضيل الأطعمة البيضاء، رغم أن بعض النصائح تبدو غير منطقية.
- يوضح أستاذ الدراسات الاجتماعية لي شانغ أن هذه المعتقدات غالباً ما تكون خرافات، رغم أن بعضها قد يكون له جذور في الطب التقليدي، مشيراً إلى أهمية فهم احتياجات الجسم أثناء الحمل.

لطالما سيطرت الخرافات والتقاليد الشعبية على سلوك المجتمع الصيني، خاصة ما يتصل بقرارات مفصلية في حياة الأفراد مثل الزواج والحمل والإنجاب، ولا تزال بعض هذه الخرافات سائدة حتى اليوم، أبرزها ما يتعلق بأطعمة المرأة الحامل، إذ يعتبر، على سبيل المثال لا الحصر، تناول رأس كلب أبيض اللون شيئاً يجب على الأمهات الحوامل في الصين القيام به لضمان ولادة طبيعية للجنين.

وتتضمن الخرافات أيضاً فكرة مفادها بأن النساء يجب أن يستخدمن وعاء أرز صغير في وجبة العشاء، لأن هذا سيمنع رأس الجنين من أن يصبح كبيراً للغاية، بالإضافة إلى ذلك، يُنصح بتناول أوراق الفاصوليا المجففة لمنع أغشية الجنين من النمو بشكل سميك. كما تشير الخرافات إلى أن للقابلات طقوسهن الخاصة لدى وصولهن إلى منزل المرأة الحامل لمساعدتها في عملية الوضع. يجب أن تمر بالمطبخ أولاً، ثم تلمس عيدان تناول الطعام، لأن هذا الإجراء الاحترازي سيضمن لإله المطبخ طرد الأرواح الشريرة التي تأتي مع القابلة، ما يؤدي إلى ولادة سريعة. 
وحتى يومنا هذا، لا يزال هناك التزام شديد من قبل بعض العائلات الصينية بتقاليد خاصة تجاه أصناف معينة من الأطباق والمكونات التي يجب تناولها أو تجنبها قبل وبعض عملية الوضع، ليس فقط لقيمتها الغذائية، ولكن أيضاً لرمزيتها. ويعتقد أنه يجب تجنب مكونات مثل لحم الثعبان والروبيان وسرطان البحر أثناء فترة الحمل، كي لا يولد الطفل بجلد متقشر، وكي لا يعاني من طفح جلدي. وهناك توصيات أخرى أكثر غرابة، وبعضها يحمل بعداً عنصرياً. على سبيل المثال، يُطلب من النساء تجنّب المكونات ذات اللون الداكن مثل السمسم الأسود والقهوة وصلصة الصويا لمنع ولادة طفل ذي بشرة داكنة، واختيار مكونات بيضاء مثل الحليب وجوز الهند وزبدة فول الصويا لإعطاء الطفل بشرة فاتحة وناعمة.
آر سونغ، وهي أم لطفلين تقيم في جنوب الصين، تتحدث لـ"العربي الجديد" عن تجربتها أثناء الحمل والولادة، وتأثّر غذائها آنذاك بالمعتقدات السائدة. تقول: "خلال الأشهر الأولى من الحمل، نصحتني أمي بتجنب تناول لحم الضأن، لأن لفظه باللغة الصينية (يانغ) مرادف لكلمة الصرع، ولذلك يُخشى من أن يتسبب تناول كميات كبيرة منه أثناء الحمل بإصابة الجنين بالصرع". تضيف أن أمها بررت ذلك بحدوث حالات مشابهة في شبابها لأمهات أصيبت أجنتهن بالصرع، وكان العامل المشترك بينهن تناول كميات وفيرة من لحم الضأن في فصل الشتاء. كما توضح أن الممرضة التي كانت تشرف على حملها نصحتها في الشهر السادس من الحمل أن تكثر من تناول السمسم الأبيض، لأنه يعتبر مادة طاردة للسموم من الجسم، فضلاً عن أنه يسهل عملية الولادة. وتشير إلى أن إحدى صديقاتها نصحتها بالإكثار من تناول المأكولات والمشروبات البيضاء مثل: جوز الهند والحليب والقرنبيط والفاصولياء، لأن ذلك يساعد على إنجاب طفل فاتح البشرة.

صورة عائلية لتذكر فترة الحمل في الصين، 22 إبريل 2024 (كيفين فراير/ Getty)
صورة عائلية لتذكر فترة الحمل في الصين، 22 إبريل 2024 (كيفين فراير/ Getty)

وتوضح أنه "في البداية، استجبت لهذه النصائح لكن لاحقاً قلت لنفسي: ما هذا الجنون؟ سيولد طفلي ببشرة بيضاء ببساطة لأن أبويه كذلك، وليس بالإمكان أن يكون من أصحاب البشرة الداكنة". وتوضح سونغ أن "القليل من هذه النصائح كان يستند إلى مبادئ وأسس طبية، في حين أن معظمها مجرد خرافات متوارثة، بينما كنت أتناول كل شيء ولكن باعتدال، وهذا جعلني أنجب طفلاً معافى لا يعاني من أية أمراض".
من جهته، يقول أستاذ الدراسات الاجتماعية في جامعة شينزن، لي شانغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن هذه المعتقدات السائدة تقدم للمجتمع نصائح حول نمط الحياة والنظام الغذائي الخاص بالمرأة الحامل منذ الحمل وحتى الولادة. ويلفت إلى أن "هناك العديد من الخرافات حول الحمل والولادة لا يزال الصينيون يتناقلونها عبر الأجيال، وهي في الغالب ليست أكثر من خيالات سخيفة لقابلات محليات عجائز، لكنها شائعة بين عامة الناس خاصة في القرى والأرياف". يضيف: "إذا أمعنا في تفاصيل هذه النصائح والإرشادات، سنجد أن الأمر لا يتعلق فقط بالإيمان المطلق بالثقافة والتقاليد الصينية، فهناك جذور لها علاقة بالطب التقليدي الصيني. على سبيل المثال: تُنصح الحامل بعدم شرب القهوة أو تناول أطعمة مطبوخة بصلصة الصويا. وقد لا نجد تفسيراً علمياً لذلك، ولكن بطبيعة الحال القهوة ليست أفضل مشروب أثناء الحمل بسبب مستوى الكافيين. ولا علاقة لذلك بالطبع بلون بشرة الطفل".

يتابع: "بالنسبة للخرافات حول تناول لحم الضأن والصرع، أو تناول لحم الثعبان والحصول على جلد متقشر، فهذا أمر سخيف، ولكن هناك العديد من الأسباب المنطقية لتجنب هذه الأطعمة. ففي نظام الطب الصيني التقليدي، يعتبر تناول لحم الضأن أمراً مجهداً للدورة الدموية، لأنه يستغرق وقتاً أطول في عملية الهضم، وفي حالة الحمل يتسبب إشغال المعدة في عملية الهضم في نقص كمية الأوكسجين والدم التي يحتاجها الجنين. وبالتالي فإن تجنب هذه الأطعمة إجراء صحي". 
يضيف لي شانغ: "في النهاية، مثل هذه الإجراءات تتفاوت بين منطقة وأخرى بحسب موقعها الجغرافي ومدى تأثرها بالتقاليد القديمة، والأمر يتوقف على طبيعة جسم المرأة الحامل وصحتها وجهازها المناعي. فما يناسب امرأة ليس بالضرورة أن يناسب أخرى. لذلك، بشكل عام، يوصي الأطباء في حالات الحمل باتباع حميات مغذية ودافئة. وما نحتاجه اليوم هو فهم أجسامنا واحتياجاتنا من أجل تحضير الأطعمة، وإنشاء قائمة طعام تمكّن المرأة من التعافي بشكل أفضل. فبعض الأمهات بعد الولادة تكون أجسادهن عرضة للأمراض والتقاط الفيروسات".

المساهمون