كشف وزير الصحة البريطاني، ويل كوينس، عن الاستعانة بالقطاع الخاص ضمن خطط التعامل مع قوائم الانتظار الطويلة في هيئة الخدمات الصحية الوطنية. مؤكداً أن الهدف "هو استخدام كل الطرق المتاحة لتحسين رعاية المرضى، وأن الخدمة ستظل مجانية".
وأوضح كوينس في مقال نشرته صحيفة "ذا تلغراف"، أن الخطة تتضمن إنشاء مراكز تشخيص تديرها شركات خاصة، وتحويل المرضى الذين ينتظرون لأكثر من تسعة أشهر إلى المستشفيات الخاصة، وفتح مراكز جديدة للكشف المبكر عن السرطان وغيره من الأمراض، وأن هذا يستهدف تخفيف قوائم الانتظار الطويلة.
وأشارت الحكومة إلى أن هذه التدابير تأتي في ظل وصول عدد المرضى على قوائم انتظار الهيئة إلى 7.47 ملايين شخص، وهو أعلى رقم منذ بدء السجلات الرسمية في عام 2007.
في المقابل، يخشى خبراء في المجال الطبي من أن تقوض هذه الخطة المبادئ الأساسية لنظام الرعاية الصحية، وأن تؤدي في النهاية إلى خصخصة هذه الخدمات. وأعربت الجمعية الطبية البريطانية عن معارضتها لاستراتيجية الحكومة، ورأت أنّ هذا النهج الذي يسعى إلى دمج القطاع الخاص بهدف تخفيف الضغط المتزايد على هيئة الخدمات الصحية ليس سوى "ضمادة على جرح عميق".
وانتقد الرئيس المشارك في الجمعية، مات نييل، التنازل المقلق للحكومة عن مسؤولياتها حيال هيئة الخدمات الصحية الوطنية، مطالباً بضرورة تزويدها بالموارد والقوى العاملة التي تتطلبها بدلاً من تلك الحلول السهلة.
ويوضح المسؤول الإعلامي في الجمعية، فريد ماينارد، لـ"العربي الجديد"، أن الجمعية أصدرت بياناً أشارت فيه إلى الحاجة الملحّة لمعالجة أزمة المرضى الذين طال وجودهم على قوائم الانتظار، مؤكدة على الطلب الهائل على العلاج والفحوص الطبية، وفي حين لم تنكر الفوائد المحتملة للدعم الإضافي من القطاع الخاص في تسريع تلبية احتياجات المرضى، إلا أنها أعربت عن مخاوفها حيال فعالية خطط الاستفادة من القطاع الخاص في التشخيص.
وتقول فران ريجبي، من مكتب إعلام "صندوق الملك"، وهو مؤسسة خيرية تعمل على صياغة سياسات وممارسات الرعاية الصحية والاجتماعية، لـ "العربي الجديد"، إنه على الرغم من أن العام الماضي شهد ارتفاعاً طفيفاً في حجم الفحوص الطبية مقارنة مع العام السابق، إلا أن الطلب لا يزال في ارتفاع مستمر. التأخير يجعل المرضى يعيشون قلقاً من احتمال تدهور صحتهم، ولا يمكن إنكار إمكانية الاستفادة من القطاع الخاص لتخفيف فترات الانتظار، على غرار مساهمته الناجحة خلال تفشي وباء كورونا. "لكن يجب وضع استراتيجية شاملة لضمان تجهيز البلاد بالبنية التحتية والمعدات اللازمة لتلبية الاحتياجات الصحية للسكان في المستقبل. الاستفادة من القطاع الخاص يمكن أن تساهم في تخفيف الانتظار، إلا أن التأثير لن يتحقق إلا من خلال نهج شامل يعالج الأزمة بالكامل".
وتشير ريجبي إلى أن مستشارة السياسات في المؤسسة، اطلعت على حجم الرعاية الصحية التي يقدمها القطاع الخاص في هذه المرحلة، وأكدت أنّ الإنفاق على الرعاية الصحية يزيد بنحو 4 في المائة سنوياً، عازية السبب إلى مجموعة من العوامل، منها تزايد عدد السكان، وكبار السن، وتوقعات المرضى، إضافة إلى التقدم الطبي والتكنولوجي. مضيفة أن "الإنفاق اليوم على هيئة الخدمات الصحية تجاوز 20 في المائة من إجمالي الإنفاق العام، وأكثر من 40 في المائة من الإنفاق اليومي على الخدمات العامة".
من جهتها، تقول إيلينور مارتن، من مكتب إعلام "صندوق نافيلد"، وهي مؤسسة خيرية تهدف إلى تحسين الرعاية الصحية، لـ "العربي الجديد"، إن المؤسسة أكدت في بيان، أن التعاون بين هيئة خدمات الصحة الوطنية والقطاع الخاص يعد أمراً بالغ الأهمية لتقديم الرعاية الصحية للعدد الكبير من المرضى الذين ينتظرون العلاج، وأن زيادة عدد الاختبارات والفحوص التي يجريها كلا القطاعين خطوة جيدة لتقليص أوقات انتظار مرضى. مع ذلك، فإن هذا لا يعالج سوى جزء من المشكلة، إذ سيحتاج العديد من المرضى في النهاية إلى العلاج بعد إجراء الفحوص.
ويعد القطاع الصحي أحد أبرز القطاعات المتضرّرة من سياسات حكومات المحافظين المتعاقبة، ومن تداعيات جائحة كوفيد-19، كما فاقمت أزمة المعيشة وارتفاع الأسعار بدورها الحاجة إلى الرعاية الطبية، إذ رفض مئات المرضى من كبار السن ترك أسرّتهم في المستشفيات والعودة إلى بيوتهم. وتشهد البلاد إضرابات متكررة للممرضات وطواقم الإسعاف والأطباء المبتدئين والاستشاريين للمطالبة بزيادة أجورهم.