حياة متوقفة... إبادة جماعية تتجاوز القتل في غزة

19 سبتمبر 2024
لم يترك النزوح مجالاً لأي مشروع مستقبلي (محمود الهمص/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تدمير الأحلام والمشاريع الناشئة:** فقد الشاب الفلسطيني صامد مطر مشروعه الفني بعد تدمير الاحتلال الإسرائيلي لمنزل عائلته في غزة، مما أدى إلى فقدان مقتنياته الفنية وأدوات عمله والنزوح القسري.

- **النزوح القسري وتأثيره على الحياة اليومية:** العدوان الإسرائيلي في أكتوبر 2023 أدى إلى قتل عشرات الآلاف وتدمير البنية التحتية، مما أجبر الكثيرين على النزوح وتوقف تطوير المشاريع وإلغاء الخطط المستقبلية.

- **الصدمات المتتالية وفقدان الأمل:** تعرضت نغم عبد الرزاق لصدمات متتالية، وتأجل زفافها، بينما انتهى حلم إسماعيل عبد المجيد بالإنجاب بعد تدمير المستشفى، مما يعكس قسوة العدوان الإسرائيلي.

تتجاوز الإبادة الجماعية القتل في غزة حيث لم يتبق مثلاً من مشروع الشاب الفلسطيني صامد مطر الخاص بالرسم على القطع الخشبية سوى بعض الركام، بعد تدمير الاحتلال الإسرائيلي منزل عائلته في مطلع شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، بما فيه من قطع فنية ومقتنيات وأدوات عمل، وأحلام كانت تناطح السحاب.
يقول مطر (34 سنة) لـ "العربي الجديد"، إنه حاول البقاء في منطقة سكنه بمنطقة الصبرة في وسط مدينة غزة، وعدم المغادرة رغم التهديدات الإسرائيلية المتواصلة والمتصاعدة بضرورة الإخلاء نحو مناطق وسط وجنوب القطاع، إلى أن اضطر مكرهاً إلى النزوح بعد اشتداد القصف وتكرار الأحزمة النارية، والتي حولت المنطقة التي شهدت العديد من المجازر إلى حطام.
ويستذكر مطر تفاصيل مشروعه الصغير الذي بدأه قبيل العدوان، والذي يشمل تشكيل الخشب بالحرق، وكتابة الأحرف والكلمات وعبارات التهاني، أو رسم الأشكال الطبيعية على الخشب، إلى جانب تجهيز هدايا مكونة من قطع خشبية بأشكال مميزة. يضيف: "حزني على مقتنيات المشروع والقطع التي صنعتها بعناية وإتقان يوازي حزني على فقدان البيت، وجاء النزوح قسراً من مسقط رأسي ليضاعف أحزائي".

وتجاوز العدوان الذي بدأ على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حدود قتل عشرات آلاف الفلسطينيين وتدمير ما يزيد عن ثلثي المباني والمنشآت والبنية التحتية، ليصل إلى تدمير أحلام الناجين عبر استهداف العديد من المشاريع الناشئة، والقضاء على مشاريع أخرى كان ينوي أصحابها إقامتها على الرغم من التحديات الصعبة التي تواجههم من جراء الحصار المتواصل منذ ثمانية عشر عاماً.
وخسر الكثير من شبان غزة مشاريعهم، في حين سبّب النزوح القسري توقف تطوير مشاريع أخرى، وألغيت جميع الخطط المستقبلية، ومن بينها مشاريع السفر للدراسة أو العمل، أو حتى العلاج، وألغيت العديد من الأفراح بسبب الحرب، أو النزوح، أو الفقد المتواصل.
حرمت الفلسطينية نسمة بسيسو، وهي من سكان حي الرمال في وسط مدينة غزة، من الالتحاق بشقيقها عماد، بغرض إتمام دراستها، وذلك بفعل الإغلاق الإسرائيلي للمعابر ومنع السفر، وتشديد الخناق بعد اجتياح مدينة رفح، والسيطرة على المعبر في بداية شهر مايو/ أيار الماضي.
كانت نسمة تخطط لدراسة الهندسة، وتقول لـ "العربي الجديد": "لم أتمكن من السفر في بداية الحرب بفعل الأوضاع غير المستقرة، وحالة الخوف والقلق الشديدين على الأهل، ثم أجبرني الإغلاق التام للمعابر على عدم السفر، ما سبّب قتل حلمي الدراسي بعد أن قتل العدوان العديد من أقاربي وجيراني وصديقاتي. لا يوجد فارق كبير بين قتل البشر وبين قتل أحلامهم وطموحاتهم وتطلعاتهم".

طاول التدمير الجميع في قطاع غزة (محمد عابد/فرانس برس)
طاول التدمير الجميع في قطاع غزة (محمد عابد/ فرانس برس)

بدورها، تعرضت الفلسطينية نغم عبد الرزاق، لمجموعة من الصدمات والخسائر منذ بداية العدوان الإسرائيلي، إذ اضطرت إلى النزوح رفقة أسرتها في اليوم الثالث للحرب إلى منزل عائلة خطيبها أحمد في منطقة الشيخ عجلين غربي مدينة غزة، بعد تدمير الاحتلال منزل عائلتها، واضطروا إلى المبيت لمدة ثلاثة أيام داخل الشقة التي كان من المقرر أن تكون منزلها بعد إتمام مراسم العرس الذي كان مقرراً في 6 نوفمبر 2023.
تبين نغم لـ "العربي الجديد": "في اليوم السابع من الحرب، اضطررت إلى النزوح مجدداً رفقة الأسرة نحو مدينة رفح جنوباً، فيما نزح خطيبي مع أسرته إلى مخيم الزوايدة في وسط القطاع، وتلقيت الصدمة الثانية حين علمت بتدمير منزل عائلة خطيبي، وفيه الشقة التي كان يجهزها لإتمام مراسم زفافنا الذي تعطل أيضاً. لم تتوقف الصدمات عند هذا الحد، إذ اضطر خطيبي إلى السفر لمصر رفقة والده ووالدته، وكنا نخطط لإتمام مراسم العرس في منتصف شهر مايو/أيار الماضي، بعد تأخره لأكثر من نصف عام بسبب الحرب، لكن اجتياح قوات الاحتلال لمدينة رفح والسيطرة على المعبر وإغلاقه حال دون قدرتي على السفر رفقة والدي، الأمر الذي خلق عائقاً جديداً بيني وبين خطيبي، وقتل فرحة العمر التي لطالما انتظرناها".

أما الفلسطيني إسماعيل عبد المجيد، فقد انتهى حلمه بالإنجاب بعد فترة من العلاج والمتابعة رفقة زوجته لدى مستشفى مختص في مدينة غزة، إذ اضطرا إلى النزوح نحو مخيم النصيرات للاجئين، بعد تكبدهما تكاليف مرتفعة رافقت مرحلة العلاج تجهيزاً لزراعة جنين في الرحم، وقد تعرض المستشفى للقصف، ودُمر بما يضم من محتويات وآمال معلقة.
يبين عبد المجيد لـ "العربي الجديد" مدى قسوة العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين من مختلف النواحي، قائلاً: "لا يكتفي الاحتلال بالقتل المباشر وتدمير البيوت فوق رؤوس ساكنيها من دون أي تحذير مسبق، بل يمعن في التدمير عبر قتل أحلامهم التي كانت تشعرهم ببصيص من الأمل الذي من شأنه مساعدتهم على الصمود في وجه واقع صعب".

المساهمون