حوادث الخطف في درعا السورية... لا حلّ بوجود النظام

15 مارس 2024
لا يُستبعد اتساع نطاق حوادث الخطف في درعا (محمد أبازيد/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في محافظة درعا السورية، شهدت الفترة الأخيرة زيادة في عمليات الخطف من قبل عصابات محلية للحصول على فدى مالية، مؤثرة سلبًا على حياة السكان.
- تورط مليشيات محلية مدعومة من النظام وجهات خارجية في عمليات الخطف كجزء من استراتيجية لزعزعة الاستقرار وإثارة الفتن بين العشائر.
- الخطف يعكس استراتيجية النظام السوري للحفاظ على السيطرة عبر زرع الخوف والشقاق، مما يسهم في تفكك النسيج الاجتماعي وتقويض الثقة بين السوريين.

زادت في محافظة درعا جنوبيّ سورية أخيراً عمليات الخطف التي نفذتها عصابات محلية للحصول على فدىً، وألقى ذلك بظلال سوداء على يوميات المحافظة التي تعاني من فوضى وفلتان أمنيّ تشير معطيات إلى أن النظام يتعمد فرضهما.

وثّق تجمّع أحرار حوران في محافظة درعا جنوبيّ سورية، وهو جهة إعلامية تنقل أخبار الجنوب السوري، خطف 6 أشخاص، وإطلاق اثنين وقتل 3 بعد خطفهم في فبراير/ شباط الماضي.
وأوضح التجمّع في بيان أن الشاب عبد الله الزعبي (19 عاماً) خُطِف من مزرعة والده في دير البخت بريف درعا الشمالي في 23 فبراير، أما محمد خير المحاميد، وهو من سكان بلدة أم المياذن بريف درعا الشرقي، فانقطع الاتصال به خلال عودته من دمشق. 
وذكر أن العصابة التي خطفت الشاب الزعبي أبلغت ذويه أنها تركته قرب وادي العرام الذي يقع بين بلدتي دير البخت وكفرشمس، لكن عملية البحث عنه في المنطقة لم تفضِ الى شيء، علماً أنها كانت قد طالبت ذوي الزعبي بدفع فدية مالية مقدارها 150 ألف دولار، وهو ما رفضته العائلة لأنها لا تستطيع توفير هذا المبلغ.
أيضاً خطف مسلحون الفتى رامي المفعلاني (16 عاماً) من بلدة ناحتة بريف درعا الشرقي، ثم أفرجوا عنه بعد نحو أسبوع في منطقة اللجاة التي تقع بين درعا والسويداء، بعدما تدخل وجهاء وفصائل محلية مسلحة، ومارسوا ضغوطاً كبيرة على الخاطفين لتنفيذ هذا الأمر.

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

وقبل إطلاق المفعلاني، قال مفلح النزال، وهو من عشائر البدو في منطقة اللجاة، لـ"العربي الجديد": "وراء الخطف أيادٍ مخابراتية، فمعظم بلدات اللجاة تحكمها مليشيات إيرانية وفصائل تتبع لحزب الله والأجهزة الأمنية السورية، وهذه الحادثة مقدمة لزرع الفتنة بين عشائر البدو القاطنين في المنطقة وأهالي بلدات حوران، علماً أن الأشهر الماضية شهدت نزاعات محلية بين أبناء عشائر البدو وعائلات من أهالي درعا، وأيضاً عمليات دهم خيم يقطنها البدو وترحيل جماعي لبعضهم".
ويرى أبو محمود الحوراني، الناطق باسم تجمّع أحرار حوران، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "الأوضاع المعيشية الصعبة في محافظة درعا تدفع عصابات إلى خطف شبان، ومطالبة ذويهم بدفع فدىً مالية عالية. أيضاً يجنّد النظام مجموعات محلية لتنفيذ عمليات اغتيال وتهريب مخدرات لصالحه مقابل منحها الحق في تمويل عناصرها من طريق عمليات الخطف. وهذا ما يفسّر مطالبة مجموعات بمبالغ مرتفعة من ذوي المخطوفين". 

تدفع الأوضاع المعيشية الصعبة عصابات إلى خطف شبان في درعا (عمار العلي/ الأناضول)
تدفع الأوضاع المعيشية الصعبة عصابات إلى خطف شبان في درعا (عمار العلي/ الأناضول)

ويرجّح الحوراني اتساع نطاق حوادث الخطف مع استمرار سيطرة النظام على الجنوب السوري، لذا يشدد على أن "لا حلّ لمشاكل الجنوب في ظل وجود النظام وأجهزته الأمنية". 
بدوره يؤكد الناشط الإعلامي يوسف المصلح، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "المليشيات المحلية التي شكلتها الفروع الأمنية في درعا، خصوصاً جهازي الأمن العسكري والمخابرات الجوية، تقف وراء عمليات الخطف التي تحدث كثيراً في الأيام الحالية. والنظام يقدم تسهيلات كثيرة إلى هذه المليشيات، من بطاقات أمنية وأسلحة وذخائر، ويمتنع عن ملاحقتها ويمنحها الإذن بتنفيذ أعمال الخطف والتشليح والنهب على الطرقات مقابل اغتيال أشخاص تحددهم الأجهزة الأمنية".
ويرى المصلح أن "انتشار المخدرات بنحو كبير في المحافظة، وارتفاع نسبة المدمنين، يلعبان دوراً كبيراً وأساسياً في زيادة الجرائم الجنائية عبر عمليات الخطف والسرقات أو القتل، في حين تتقاعس مراكز الشرطة المدنية عن تأدية واجباتها الخاصة بحماية المدن والبلدات".
وتعاني محافظة درعا من فوضى وفلتان أمني منذ أن استعاد النظام السيطرة عليها منتصف عام 2018. وتشير المعطيات إلى أن النظام يسبّب الحال السائدة في سياق تنفيذه عمليات انتقامية ضد سكان المحافظة التي شهدت انطلاق الثورة ضده ربيع عام 2011. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويربط الباحث الاجتماعي طلال المصطفى، في حديثه لـ"العربي الجديد"، ظاهرة الخطف في مناطق النظام السوري بالفلتان الأمني الممنهج من قبل النظام حتى داخل العاصمة دمشق. ويقول: "لا شك في أن الأوضاع المعيشية متدهورة جداً في عموم سورية، خصوصاً في مناطق النظام، لكنني أستبعد علاقة ظاهرة الخطف بهذا التدهور، فالفقراء والمحتاجون لا ينفذون عمليات سرقة ونهب وخطف، بل رجال عصابات يتعاطون المخدرات ويرتادون الملاهي، ما يتطلب توفير أموال طائلة لا تأتي إلا من خلال الخطف والحصول على فدى". 
يتابع: "بات لا يمكن أن تدخل مليشيات النظام المدن والبلدات لنهب ما فيها، لأنها خالية من الأموال والمقتنيات الثمينة، لذا تنفذ عمليات خطف تؤثر سلباً في المجتمع، لأنها تؤدي إلى فقدان الثقة لدى السوريين بمحيطهم، وهذا ما يريده النظام، وصولاً إلى مزيد من التفكك والتصدع وانحسار في القيم النبيلة التي تبني المجتمعات".

المساهمون