تنقل وسائل الإعلام في إيران أحياناً أخبار فقدان سائق باص أو شاحنة السيطرة عليها بسبب "عطل فني" في نظام الفرامل، ما يتسبب في سقوط قتلى وإصابات. وقبل أيام، خرج باص أقل طلاب جامعات عن الطريق في مدينة جوانرد بمحافظة كرمانشاه، من دون ان يخلّف لحسن الحظ قتلى بين الركاب، بل مجرد ستة جرحى تحددت إصاباتهم بأنها طفيفة.
أيضاً، شهدت إيران خلال الفترة الأخيرة حادثين استهدفا شبكة السكك الحديدية. حصل الأول لدى عبور مترو غربي العاصمة طهران، ما خلّف 21 جريحاً، وحددت السلطات سببه بعطل فني. أما الحادث الثاني فشمل قطاراً في منطقة طبس بمحافظة يزد، وأوقع 14 قتيلاً وعدة جرحى، لكن السلطات لم تعزه هذه المرة إلى عطل فني، بل إلى اصطدام القطار بآلية حفر ثقيلة على الطريق، وسير القطار نفسه بسرعة فائقة.
يقول المستشار السابق لوزير الطرق وبناء المدن الإيراني مسعود ذهبيون لـ"العربي الجديد" إن "بين 80 و90 في المائة من النقل داخل إيران، سواء لنقل المسافرين أو البضائع، يحصل عبر طرقات معبّدة، ومعظم مشاكل قطاع النقل في إيران تحصل بسبب تهالك أسطول المركبات، وحاجته إلى تحديث".
يلفت ذهبيون إلى مشكلة أخرى في قطاع النقل الإيراني، تتمثل في ضعف البنى التحتية للطرقات، إذ ثمة قيود على مشاريع تحسين هذه الطرقات وصيانتها، والتي ترتبط بموازنة الدولة المرصودة غير الكافية".
ومع تزايد امتلاك المواطنين سيارات شخصية خاصة، تراجع استخدامهم وسائل النقل العام من باصات وقطارات. ويقول ذهبيون إن "استخدام الباصات في النقل بين المدن تراجع بنسبة تتراوح بين 20 و30 في المائة خلال السنوات الأربع الأخيرة". لكنه يشير أيضاً إلى أن وسائل النقل الشخصية المستخدمة لا تحظى أحياناً بنظام أمان جيد، مثل سيارة برايد المصنوعة محلياً التي يستخدمها مواطنون كثيرون للتنقل داخل المدن وبينها".
ويلفت ذهبيون الذي يدير موقع "تين نيوز" المتخصص في أخبار النقل العام الإيراني إلى عدد حوادث السير الكبير في البلاد، "ما يشير إلى أن الوضع ليس جيداً، علماً أن الوفيات في حوادث السير على طرق معبّدة تراجع من 28 إلى 16 ألف شخص سنوياً خلال العقد الأخير، ثم ارتفع هذا الرقم مجدداً رويداً رويداً خلال العام الماضي الذي شهد 19 ألف وفاة بسبب حوادث السير".
وتعزو تقارير أسباب هذه الحوادث إلى ثلاثة عوامل رئيسية، أولها العامل الإنساني المتمثل في سوء القيادة، وارتكاب السائق مخالفات مرورية، والذي تربطه الدراسات الإيرانية بنسبة 70 في المائة من حوادث المرور. والسبب الثاني سوء أوضاع الطرقات، حيث يشير جهاز شرطة المرور إلى وجود 5400 نقطة مرورية خطرة، منها 1500 نقطة تعتبر مصنّفة بأنها "الأكثر خطورة"، ويشدد على أن نسبة 56 في المائة من حوادث السير تقع فيها، ومعظمها في مناطق وعرة وجبلية. أما السبب الثالث لحوادث السير فتدني جودة السيارات الذي يتناقض مع ربط خبراء إمكان تقليل خسائر الحوادث إلى النصف، في حال زيادة مستوى الأمان في السيارات، لكنهم يستدركون بأن هذا الأمر يبدو صعباً في ظل العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران منذ أن انسحبت من الاتفاق النووي في مايو/ أيار 2018، والتي طاولت قطاع السيارات، وأدت إلى انسحاب شركات عالمية كبيرة من سوقها، إضافة إلى حظر بيع قطع سيارات للبلاد، ما أجبر الشركات الإيرانية المصنّعة للسيارات على الاعتماد على قطع غيار أقل جودة.
انتقادات رئيس الشرطة
وبالتزامن مع التأثيرات السلبية للعقوبات الأميركية على قطاع النقل الإيراني، زادت خلال السنوات الأخيرة شكاوى الإيرانيين من جودة السيارات المصنّعة في الداخل، وهو ما أيده رئيس جهاز شرطة المرور العميد كمال هاديان عبر توجيه انتقادات مستمرة لشركات صناعة السيارات المحلية التي ترعاها الحكومة، ورداءة سياراتها التي شدد على أنها لا تراعي معايير السلامة والأمان.
وبالانتقال إلى قطاع السكك الحديدية، يؤكد ذهبيون تراجع استخدام خدمات خطوطه خلال السنوات الماضية، لأسباب عدة منها زيادة عدد السيارات الشخصية، وتراجع رغبة الإيرانيين في استخدامها في السفر، وعدم تطوير القطارات التي بقيت سرعتها على حالها من دون زيادة، ما لا يشجع المواطنين على استخدامها في الرحلات الداخلية التي تمتد مسافات بعيدة، وتحتاج إلى وقت طويل.
وتشهد خطوط السكك الحديدية في إيران حوادث عادية بين حين وآخر، مثل الخروج عن القضبان والاصطدام بمارة أو سيارات أو حيوانات، أو اصطدام قطارات بعضها ببعض، وأحياناً حرائق.
ووقع الحادث الأخطر على خط السكك الحديدية عام 2004، حين اصطدم قطاران للشحن في منطقة نيشابور (شرق)، ما أسفر عن مقتل أكثر من 300 شخص وجرح 450، وتدمير منشآت لقرى تواجدت على الطريق بنسبة تراوحت بين 30 و100 في المائة.
النقل الجوي لقلة
وفي مجال النقل الجوي أيضاً، يقول ذهبيون إن "مسافرين من فئات خاصة تشمل رجال الحكومة، وأولئك الميسورين الذين يتمتعون بوضع اقتصادي جيد. ونسبة مستخدمي النقل الجوي لا تتجاوز 5 في المائة من عدد المسافرين".
ويعتبر قطاع الطائرات الأكثر تهالكاً في إيران كونه يتعرض منذ عقود لعقوبات أميركية مركزة. وتملك إيران 250 طائرة منها 90 خارج الخدمة بسبب عدم توافر المعدات المطلوبة لإخضاعها لخدمات صيانة مناسبة، وتقادم طرازها، ما جعل أسطولها يصاب بالتهالك، في وقت لا تتوفر إمكانات تجديده بسرعة. وتشير تقديرات رسمية إلى حاجة إيران إلى نحو 400 طائرة من أجل تأمين كل احتياجاتها في مجال النقل الجوي، وتجديد أسطولها.
ويرى ذهبيون أن نسبة 30 في المائة من مشاكل النقل العام في إيران سببها العقوبات الأميركية، أما المشاكل الأهم فمردها لأساليب الإدارة والتخطيط ووضع السياسات.