حملة "هوية غزة" يواجهون الاعتقال والترحيل من الضفة الغربية

29 مايو 2024
إجراءات مشددة على حواجز الضفة الغربية (وسام الهشلمون/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- حليمة أبو الريش، امرأة فلسطينية من غزة، تواجه تحديات بسبب وضعها القانوني المعقد بعد انتقالها إلى الضفة الغربية، مما يعرضها لخطر الاعتقال أو الترحيل.
- الفلسطينيون من غزة في الضفة الغربية يواجهون قيودًا شديدة تؤثر على حركتهم وحياتهم، بسبب السياسات الإسرائيلية التي تفرض عبئًا نفسيًا وتحد من قدرتهم على العمل.
- القيود المفروضة على حركة الفلسطينيين تعكس استراتيجية إسرائيلية لعزل غزة وتقسيم الفلسطينيين، مما يؤدي إلى حرمانهم من حقوقهم الأساسية وتأثير كبير على حياتهم اليومية.

ترددت حليمة أبو الريش كثيراً قبل أن تقرر الذهاب من القرية التي تقطن فيها منذ أكثر من عشرين عاماً إلى مدينة نابلس لإجراء فحص طبي، رغم أنها لا تبعد أكثر من 15 كيلومتراً، وذلك خشية تعرضها للاعتقال أو الترحيل إلى قطاع غزة حال تفحص جنود الاحتلال الإسرائيلي المتمركزين على الحواجز العسكرية بطاقتها الشخصية، والتي تشير إلى أن مكان الميلاد هو غزة.
قدمت أبو الريش (43 سنة) إلى الضفة الغربية في بداية الألفية الجديدة لمرافقة والدتها في رحلة علاج طويلة، وشاءت الأقدار أن تتزوج أحد سكان بلدة حوارة جنوبي نابلس، وهي حالياً أم لأربعة أبناء أصغرهم طفلة في الثانية من عمرها، وقد فشلت كل محاولاتها لتغيير مكان الإقامة إلى نابلس أو حوارة في بطاقتها الشخصية.
تقول لـ"العربي الجديد": "قبل خمسة أشهر، أصبت وفق التشخيص الطبي الأولي بورم في ساقي، وطلب الطبيب مني إجراء صورة رنين مغناطيسي، ما يعني الذهاب إلى أحد المراكز الطبية في نابلس، إذ لا يتوفر هذا في بلدتنا، ويعني أيضاً المرور عبر الحاجز العسكري مرتين، ذهاباً وإياباً، وقد يصدف أن يطلب الجندي الإسرائيلي التحقق من شخصيتي، وحينها سيقرأ أن مكان الولادة غزة، وهذا يعني منذ طوفان الأقصى، إما الاعتقال أو الترحيل إلى غزة، وأقلها التعرض للمضايقات والشتائم".
كان حظ  أبو الريش جيداً، فقد قطعت الحاجز إلى نابلس، وأجرت صورة الرنين المطلوبة، وعادت إلى حوارة من الحاجز ذاته من دون صعوبة تذكر باستثناء انتظار ساعتين قبل السماح لمركبتهم بالمرور.
حالة الرعب نفسها عاشتها سيدة طلبت عدم ذكر اسمها، تعيش في رام الله منذ عامين، حين انتقلت من غزة رفقة زوجها بتصريح طبي، وقد اقتحم جيش الاحتلال منزلهم، واعتقل زوجها بعد الاعتداء عليه بالضرب المبرح، واقتادوه لجهة مجهولة، وبعد 35 يوماً تفاجأت بمكالمة منه يبلغها فيها أنه جرى ترحيله إلى قطاع غزة.
تقول السيدة لـ"العربي الجديد": "منذ اعتقال زوجي وترحيله إلى غزة لم يعد لي أحد هنا. كنا نرتب أمورنا حتى أضع وليدي، ثم نعود معاً، لكن اعتقاله قلب حياتنا رأساً على عقب. بعد جهد جهيد، استطعت التواصل مع زوجي الذي يعيش في خيمة بمدينة رفح، بعد أن نزح مع أفراد من عائلته مرتين".

أشخاص كثر جرى ترحيلهم إلى غزة عقب توقيفهم في الضفة الغربية

واعتقلت الصحافية في تلفزيون فلسطين، سيقال يوسف قدوم (51 سنة)، في الأول من فبراير/ شباط الماضي، من أمام حاجز عسكري قرب رام الله، كونها من مواليد غزة، وتسكن في بلدة الشيوخ التابعة لمدينة الخليل، وتم نقلها إلى سجن "هشارون"، ثم إلى سجن "الدامون"، ثم أفرجت عنها سلطات الاحتلال بعد عشرة أيام، وقامت بترحيلها إلى غزة قسراً.
أما فاتن ماجد السيقلي (21 سنة)، فتعيش في الضفة الغربية منذ نحو ثلاث سنوات بغرض العلاج، بينما تعيش عائلتها في غزة، واعتقلت من على حاجز عسكري قرب نابلس، أثناء عودتها مع زوجها من مركز صحي في المدينة، لمجرد أنها تحمل بطاقة شخصية تشير إلى أنها من مواليد غزة. هدد جنود الاحتلال زوجها الذي حاول أن يخبرهم أنها مريضة بالسرطان، وصوبوا السلاح عليه لإجباره على المغادرة، كما رفضوا أن تأخذ دواءها معها، قبل أن يفرجوا عنها بعد يومين.

الصورة
شدد الاحتلال الإجراءات في حواجز الضفة (وهج بني مفلح/فرانس برس)
اعتقل الاحتلال عدة أشخاص على حواجز الضفة (وهج بني مفلح/فرانس برس)

يقول المستشار الأسري أحمد دويكات لـ"العربي الجديد"، إن "اعتقال حملة هوية غزة، وفصلهم عن عائلاتهم الموجودة بالضفة، ثم ترحيلهم، يشكل عبئاً نفسياً كبيراً عليهم وعلى أسرهم، خاصة اذا ما حدث الاعتقال من خلال اقتحام أو مداهمة مناطق سكنهم، أو على حاجز عسكري. هناك أشخاص كثر جاؤوا إلى الضفة هرباً من البطالة في غزة، والحد من قدرتهم على الحركة يحد من فرص حصولهم على عمل، خاصة بعد أن باتت حاجة أسرهم أكبر منذ اندلاع الحرب".
وطالب بيان صادر عن هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية ونادي الأسير الفلسطيني، المواطنين المقيمين في الضفة الذين تشير هوياتهم إلى أنّهم من سكان غزة، بأن يتوخوا الحذر في ضوء إقدام الاحتلال مؤخراً على ترحيل عدد من الأشخاص، وتهديد آخرين بالترحيل بعد توقيفهم على الحواجز العسكرية المقامة بين البلدات والمحافظات.
ويقول رئيس هيئة شؤون الأسرى، قدورة فارس، لـ "العربي الجديد": "ملاحقة الاحتلال لحملة هوية غزة ليست جديدة، بل هي قائمة منذ سنوات، وأصدر جيش الاحتلال أمراً عسكرياً في 2010 ينص على اعتقال وطرد عشرات آلاف الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية المحتلة من دون هوية أو تصريح، أو محاكمتهم بتهم جنائية. هناك أشخاص كثر جرى ترحيلهم إلى غزة عقب توقيفهم على حواجز الضفة الغربية، لكن منذ بدء العدوان، تصاعد الأمر بشكل ملحوظ، وبات حملة هوية غزة مهددين فعلياً".

ويمنع الاحتلال آلاف العائلات الفلسطينية التي يكون أحد الزوجين فيها من سكان قطاع غزة من العيش معاً كعائلة في الضفة الغربية، ويجبر العائلة على أحد خيارين، إما العيش معاً في قطاع غزة، وإمّا العيش بشكل منفصل، بحيث يضطر أحد الزوجين لتربية الأطفال لوحده. 
ويؤكد فارس أن "هذه السياسة جزء من سياسات عزل قطاع غزة التي يطبقها الاحتلال منذ التسعينيات، وقد تم تشديد هذه القيود مع بدء الانتفاضة الثانية في سبتمبر/ أيلول 2000، ثم بلغت ذروتها في عام 2007، عندما فرضت إسرائيل حصاراً مشدداً على قطاع غزة".
ويتابع: "في حالات نادرة واستثنائية، كان الاحتلال يسمح للسكان بالخروج من القطاع قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فيما يعتبره منّة وليس حقاً مشروعاً، وقد تبنت المحكمة العليا الإسرائيلية هذا الادعاء، وأسبغت عليه شرعية قانونية، مدعية أنّ الزواج ليس مبرراً لمنح تصريح يسمح بالتنقل بين قطاع غزة والضفة الغربية".

المساهمون