حلول ترقيعية لأزمة نقص الطعام في سجن رومية اللبناني

03 ابريل 2023
مدخل سجن رومية المركزي (رمزي حيدر/فرانس برس)
+ الخط -

لاحت بوادر أزمة غذاء داخل ثلاثة سجون مركزية، من بينها سجن رومية، وهو أكبر سجون لبنان، فوافق وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال، يوسف الخليل، على تحويل سلفة لقوى الأمن الداخلي لتمكينها من تغطية مستحقات المزودين الذين أعلنوا التوقف عن التزويد بالطعام ابتداءً من 4 إبريل/ نيسان الجاري، لكلّ من سجن رومية (شرق بيروت) وسجن زحلة (البقاع الأوسط) وسجن طرابلس (شمال)، إلا بعد دفع المستحقات.
ونفت مصادر من داخل سجن رومية لـ"العربي الجديد"، ما يتردد حول إقدام إدارة السجن على تقليص عدد أرغفة الخبز من خمسة إلى رغيف ونصف لكل سجين يومياً، وأكدت أنّ "وضع الطعام لا يزال على حاله، وأبلغنا مدير عام السجون أنّ المتعهدين زوّدونا بمخزون يكفي لثلاثة أيام، قبل أن تصدر موافقة وزير المالية على السلفة. التلويح بوقف إمداد السجون بالطعام هدفه الضغط على الدولة كي تدفع المستحقات المتراكمة منذ سبعة أشهر". لكن في المقابل، يؤكد بعض السجناء بدء تقليص عدد أرغفة الخبز.
يوضح رئيس جمعية "عدل ورحمة"، الأب نجيب بعقليني، لـ"العربي الجديد"، أنّ "السلفة تُعد حلحلة مؤقتة لأزمة الغذاء، ولا تتجاوز قيمتها ثلاثة أسابيع، فوزارة المالية وافقت على دفع 30 مليار ليرة من أصل 100 مليار، (الدولار يساوي 107 آلاف ليرة لبنانية)، ما يجعل المبلغ زهيداً. الوضع مأساوي داخل سجن رومية، وينذر بعصيان وتوترات. هناك فقط طبيبان وممرضان، ناهيك عن الأدوية المقطوعة، وغياب المعالجين النفسيين، ومن المؤسف انعدام سيارات الإسعاف، كما أنّ المستشفيات تشترط الدفع مسبقاً، فيضطرّ ذوو السجين إلى تحمّل الكلفة. موازنة السجن كانت تغطّي نحو ألفين إلى ثلاثة آلاف سجين، لكننا تجاوزنا هذا العدد".

يهدد المزودون بوقف إمداد السجون اللبنانية بالطعام بسبب مستحقات متراكمة

ويكشف بعقليني أنّه "خلال عام 2022، توفي قرابة 33 سجيناً، وهناك أسباب عديدة للوفاة، من بينها الأمراض المزمنة، والإهمال، ونقص الأدوية، وفي سجن رومية، تعطّل قسم من مولّدات الكهرباء، فشهد السجن تقنيناً، كما توقفت محطة تكرير المياه لفترة، فالصيانة إما مفقودة أو متأخرة، وهناك مطبخ مجهز يقوم مجموعة من النزلاء بإعداد الطعام فيه وتوزيعه،
لكن كثيرين يشكون من تدهور نوعيته، ويتحدّثون عن لجوء إدارة السجن إلى تقليص بعض الأصناف نتيجة الغلاء، ومن بينها اللحوم والدجاج التي باتت تُقدّم مرة في الأسبوع، بدلاً من مرتين. لذا يطلب النزلاء من ذويهم شراء حاجاتهم من حانوت السجن، ويطبخون داخل غرفهم، إذ لا يُسمح للأهل بإدخال الطعام".
ويأسف لما يشهده سجن رومية من "خلط الموقوفين مع المحكومين، وتجّار المخدرات مع سارقي الدراجات. الأمور متّجهة نحو الانفجار، وربّما تُفتح أبواب السجون فجأة بطريقة شرعية أو غير شرعية، ويفرّ النزلاء. نعاني من أزمة بسبب غياب الحلول منذ عشر سنوات، والمطلوب معالجة عدة ملفات في الوقت ذاته، أبرزها تأهيل المباني، وتوفير الرعاية الصحية والنفسية، وتسريع المحاكمات والعقوبات البديلة، واعتماد السنة السجنية ستة أشهر لمرتكبي الجنح".

أزمة الطعام تتفاقم في سجن رومية المركزي (رمزي حيدر/فرانس برس)
أزمة الطعام تتفاقم في سجن رومية المركزي (رمزي حيدر/فرانس برس)

وأفادت مصادر أمنية "العربي الجديد"، بأنّ "عدد نزلاء سجن رومية يصل إلى 3700 سجين من أصل نحو ثمانية آلاف سجين في لبنان"، وتتحدّث المصادر عن "مساعٍ لمعالجة إشكاليّة توفر الطعام، مع التأكيد على توفير الرعاية الطبية للنزلاء، كونهم مكبّلين، والدولة مسؤولة عنهم، لكن الطبيعي أن يكون حالهم كحال بقية الشعب الذي يعاني من الأزمة المعيشية، علماً أنّنا نؤمّن الكهرباء والطعام، وهناك جمعيات ومنظمات دولية تقدم مساعدات دائمة".
وعلى عكس الرواية الأمنية، يكشف المحامي محمد صبلوح، لـ"العربي الجديد"، أنّ "25 في المائة فقط من النزلاء كانوا يأكلون من طعام السجن الرديء، ومع الأزمة، لم يعد الأهالي قادرين على زيارة السجن مرتين في الأسبوع، وإنّما مرة واحدة في الشهر، وبذلك، بات طعام السجن خيار الجميع مهما كانت رداءته، كما أنّ المياه لونها أصفر رغم وجود محطة تكرير، وقبل أكثر من سنة، حذّرنا من أنّ السجون على أعتاب الانفجار، واتّضحت مساوئ المياه والطعام، كما أن سجن رومية الذي يتّسع لـ 1500 سجين، يضمّ حاليّاً أكثر من 3700 سجين".

الاكتظاظ يتعدّى 200 في المائة بسبب كثرة التوقيفات وتأخير المحاكمات

ويرى صبلوح أنّ "الوضع وراءه إهمال مزمن، والاكتظاظ يكاد يتعدّى 200 في المائة، والسبب هو التوقيفات العشوائية للنيابات العامة، ومماطلة القضاء في إجراء المحاكمات، كما أنّ الاعتكاف القضائي الأخير فاقم الاكتظاظ، إضافة إلى انعكاسات الأزمة المالية. باتت وزارة الداخلية عاجزة عن توقيف المزيد، فالنظارات امتلأت، وتشير الإحصاءات الأخيرة إلى أنّ 82.5 في المائة من نزلاء السجون موقوفون وليسوا محكومين، وسجون وزارة الداخلية تشمل أكثر من 25 سجناً ونظارة. هذا من دون احتساب نزلاء سجون وزارة الدفاع لعدم توفر الإحصاءات".
ويلفت إلى أنّ "الأزمة وجائحة كورونا فاقمتا المسألة الصحية في سجن رومية، إذ لا وجود لمستشفى للحالات الطارئة. قبل الأزمة، أصيب موكلي المحكوم بخمسة عشر عاماً بذبحة قلبية قبل الإفراج عنه بشهر، واستغرقت إجراءات نقله إلى المستشفى الذي يبعد دقيقتين عن السجن، قرابة ساعة ونصف الساعة، ففارق الحياة، وهناك سجين راسلني لمساعدته في تأمين كلفة جراحة القلب المفتوح، وبعد ثلاثة أشهر تمّ تأمين المبلغ، لكنّه كان قد توفي. نتحدّث عن أكثر من 23 حالة وفاة خلال السنة الماضية، إمّا لعدم قدرة الوزارة على تأمين كلفة العلاج بالتزامن مع عجز الأهالي عن تأمينها، أو من جراء الإهمال الطبي. المطلوب حل جذري وليس حلولاً ترقيعية".
دخل الثلاثيني إيلي السجن حين كان عمره 19 سنة بتهمة الاتجار بالمخدرات، ويؤكد أنّ التهمة لُفقت له، وأنه كان يتعاطى فقط. يقول لـ"العربي الجديد": "سُجنت ثماني سنوات بشكل متقطع، وغادرت السجن، لكنّ أخي لا يزال قابعاً في سجن رومية، إنه جهنّم الحمراء، وما زال أمام شقيقي بضعة أشهر قبل إطلاق سراحه، لكنّه يعاني من آثار تعذيب أثناء التحقيق، ولليوم يشكو من آلامٍ، ويعجز عن النوم أو تناول الطعام بمفرده، وناشدنا النظر إلى وضعه الصحي، لكن لا أحد يحرك ساكناً".
يستعيد إيلي ذكرياته في سجن رومية، قائلاً: "السجناء فوق بعضهم، والأمراض منتشرة، والروائح كريهة. كنت أستغرب وقوف السجناء تحت أشعة الشمس، ثمّ أيقنتُ أنّهم يسعون لحماية أنفسهم من الأمراض الجلدية. في حال مرض السجين، عليه الانتظار لأيام طويلة قبل أن معاينة الطبيب، وليس هناك مسكّنات في حال أصيب بوجع رأس أو أسنان. كان ينتفخ وجهي من الالتهابات، فأضطرّ لانتظار أهلي لطلب الدواء منهم، والحصول عليه في زيارتهم التالية. هذه المعاناة اختبرتها قبل الأزمة، والوضع بات أسوأ".

ويتابع: "يخلطون السجناء رغم الاختلاف الشديد في أنواع الجنايات والجنح، فعوض تخريج أشخاص صالحين، يخرجون غاضبين. تعبتُ من النوم على الأرض. كنّا نحارب للحصول على فراش، أو بطانية، وبالأخير نحصل على فرشات مهترئة. ولا يختلف مشهد الحكم للأقوى في الشارع عن العقليّة السائدة داخل السجن، حيث تجد السجناء الأغنياء يتحكمون بالفقراء، ويجعلونهم خدماً ينظفون ويطبخون ويلبّون طلباتهم مقابل علبة دخان، أو فتات طعام".
بالكاد وجد إيلي عملاً في الحراسة براتبٍ زهيدٍ، ويقول متحسّراً: "الحكم سيرافقني طيلة العمر، دفعتُ ثمن حكم القاضي، وما زلتُ لليوم أدفع فاتورة حكم المجتمع، مع العلم أنّنا نشهد ارتكاب فظائع في البلاد من دون أن يدخل أصحابها السجن".
وتسرد حنان، معاناة شقيقها محمد (43 سنة) الذي ترك سورية بعمر 15 سنة، بحثاً عن حياة أفضل في لبنان. تقول لـ"العربي الجديد": "يقبع أخي في سجن رومية منذ أربع سنوات، ويعدوننا بالإفراج عنه بعد سنتين. لا يزال موقوفاً، ولم يُحاكم في تهمة الاتجار بالمخدرات، ولا قدرة لنا على توكيل محامٍ. كل فترة يطلب مني شراء حاجاته، وأضطرّ لدفع 75 دولاراً أميركيّاً شهرياً، علماً أنّ وضعي صعب، فزوجي يعمل سائق (دليفري)، وعندي ولدان في المدرسة، وإيجار منزل. ألجأ إلى الاستدانة لتوفير طلباته، وكلّما أزوره يتوسّلني لإيجاد حل لفك أسره".
تضيف: "ما باليد حيلة. أشعر بعجزٍ وحزن مروّعين عندما أسمع أنّه بحاجة للمال، ويضطرّ لتقديم خدماتٍ للسجناء من أجل تأمين علبة دخان. لم يبقَ له غيري، فإخوتي كلّهم في حلب، ووضعهم سيئ، إذ دُمّرت منازلهم من جراء الزلزال الأخير".

المساهمون