في آخر مستجدات قضية تظاهرات "حقّ العودة" إلى رفح والشيخ زويد في محافظة شمال سيناء، شمال شرقي مصر، أفادت "مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان" بأنّ عدد المصريين المتهمين من أبناء القبائل على خلفية تلك التظاهرات وصل إلى 48 متهماً.
وكانت المحكمة العسكرية في الإسماعيلية قد قررت، في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، في إطار القضية رقم 80 لسنة 2023، حبس متّهم جديد من أبناء قبائل سيناء يُدعى إسماعيل مصطفى إسماعيل، وذلك لمدّة 15 يوماً على ذمة التحقيقات. يُذكر أنّ الآلاف شاركوا في تظاهرات "حقّ العودة"، وطالبوا بأن يُسمَح لهم بالعودة إلى مناطقهم في رفح والشيخ زويد، بعد سنوات من التهجير.
ارتفاع عدد المتهمين من أبناء القبائل على خلفية تظاهرات "حق العودة" إلى 48 متهم بعد مطالبتهم بالعودة لمناطق سكنهم في رفح والشيخ زويد.
— Sinai for Human Rights (@Sinaifhr) November 28, 2023
قررت المحكمة العسكرية بالإسماعيلية أول أمس 26 نوفمبر، حبس متهم جديد من أبناء قبائل سيناء، ويدعى "اسماعيل مصطفى اسماعيل" لمدة 15 يوم على ذمة… pic.twitter.com/pUJplttUuj
وكانت الأزمة قد بدأت في 23 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عندما تجمّع مئات من سكان محافظة شمال سيناء من أبناء قبيلتَي الرميلات والسواركة عند قريتَي الحسينات والمهدية القريبتَين من مدينة رفح وكذلك قرية الزوارعة القريبة من مدينة الشيخ زويد. وقد تجمّع هؤلاء للمطالبة، مرّة أخرى، بحقّهم في العودة إلى أراضيهم، بعد انتهاء المهلة التي حدّدتها السلطات المصرية. هي وعدتهم بالعودة في مدّة أقصاها 20 أكتوبر 2023، وذلك في خلال اجتماع جمع شيوخ القبائل وقائد الجيش الثاني الميداني اللواء محمد ربيع في مدينة العريش، في أغسطس/ آب الماضي، على خلفية اعتصام للمهجّرين حينها.
وفي أغسطس الماضي، بحسب شهادات ومواد مصوّرة حصلت عليها منظمات حقوقية، فقد استخدمت قوات الجيش العنف غير المبرّر في حقّ المحتجّين. وقد تعمّدت إطلاق الرصاص، واعتقلت تسعة منهم على الأقلّ، ما زالوا رهن الاحتجاز غير القانوني في مقرّ كتيبة الساحة الذي يُعَدّ أكبر معسكر للجيش المصري في رفح.
كذلك تعدّى عناصر على أحدهم بضرب مبرح، بعدما تعمّدت مدرّعة عسكرية الارتطام بسيارته لإيقافها، الأمر الذي تسبّب في إصابته في رأسه مع حالة إغماء. وفي اليوم التالي اعتُقل عشرات من المشاركين في الوقفات الاحتجاجية من قبل قوات حاجز "الشلاق" عند مدخل مدينة الشيخ زويد.
وفي اتفاق عُقد في عام 2021 ما بين الاستخبارات الحربية وأبناء المناطق والقرى المهجّرة، سُمح لهؤلاء بالعودة إلى القرى التي نزحوا منها، في نطاق مدينتَي الشيخ زويد ورفح، في خارج المنطقة العازلة مع قطاع غزة، وذلك في حال عاونوا قوات الجيش لمواجهة عناصر تنظيم ولاية سيناء وتطهير المنطقة من الإرهابيين، الأمر الذي أودى بحياة عشرات من أبناء القبائل وإصابة أعداد أخرى منهم.
وعلى الرغم من رضوخ الأهالي لخطة التهجير "المؤقتة"، ما زالت السلطات المصرية تتجاهل مطالبهم المشروعة بالعودة إلى أراضيهم مع أنّ المسؤولين يكرّرون وعودهم لهم بالعودة. وقد رأت منظمات حقوقية أنّه "بدعوى مكافحة الإرهاب، ارتكبت قوات الجيش المصري في خلال العقد الماضي جرائم جسيمة في حقّ السكان المدنيين في شمال سيناء، في انتهاك واضح للقانون الدولي لحقوق الإنسان"، مشيرة إلى أنّ ذلك شمل "هدم آلاف المنازل والمباني وتجريف عشرات آلاف من الأفدنة الزراعية في مدن رفح والشيخ زويد والعريش". أضافت المنظمات أنّ "العمليات العسكرية (أدّت) إلى نزوح ما يقرب من 150 ألف سيناوي إلى مدن مختلفة في داخل سيناء أو إلى محافظات أخرى، فضلاً عن هدم مدينة رفح بالكامل"، علماً أنّها تتعرّض لـ"حملات الهدم والتهجير القسري المستمرّة منذ نهاية 2013".
بالنسبة إلى منظمة "هيومن رايتس ووتش" فإنّ الصراع في شمال سيناء تصاعد بصورة كبيرة بعد يوليو/ تموز 2013، عندما أطاح وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي برئيس الجمهورية محمد مرسي، القيادي في جماعة "الإخوان المسلمين" الذي تولّى السلطة في العام الذي سبق. أضافت المنظمة أنّه منذ إزاحة مرسي، التي أثارت اضطرابات على مستوى البلاد وردود فعل عنيفة من قبل الجيش والشرطة، حشدت الحكومة المصرية عشرات آلاف الجنود في المنطقة واستخدمت الأسلحة الثقيلة والسفن الحربية والطائرات العسكرية، كذلك فرضت حالة طوارئ وحظر تجوّل في معظم مناطق شمال سيناء التي سرعان ما شهدت هجمات متكرّرة على الجيش والشرطة.
وتابعت "هيومن رايتس ووتش": "منذ عام 2011، يشتبك الجيش والشرطة المصريَّان مع مسلّحين إسلاميين (ارتبطوا بتنظيم داعش في عام 2014) في شمال سيناء. وهذا الجزء الشمالي من شبه جزيرة سيناء، المتاخم لإسرائيل وقطاع غزة وذو الكثافة السكانية المُنخفضة مع نصف مليون نسمة تقريباً، (يُعَدّ) من المناطق المهمّشة تاريخياً التي تفصلها قناة السويس عن باقي أطراف البلاد". وأشارت المنظمة إلى أنّ "الآلاف اعتُقلوا واختفى المئات في السنوات الستّ بعد تصاعد الصراع في عام 2013. وقد أُجلي عشرات آلاف السكان قسراً أو فرّوا من منازلهم بسبب العنف المتواصل".
وفي تقارير سابقة، وثّقت "هيومان رايتس ووتش" كيف نفّذ "الجيش والشرطة المصريَّان اعتقالات تعسفية منتظمة وواسعة النطاق طاولت حتى الأطفال" إلى جانب "الإخفاء القسري والتعذيب والقتل في خارج نطاق القضاء والعقاب الجماعي والإخلاءات القسرية"، مؤكدة أنّ محاولات رسمية سُجّلت لإخفاء هذه الانتهاكات "من خلال فرض حظر فعلي على أيّ رصد مستقل". وأكملت المنظمة أنّ "من المحتمل أن يكون الجيش قد شنّ كذلك هجمات جوية وبرية غير قانونية قتلت مدنيين، بمن فيهم أطفال، واستخدم ممتلكات مدنية لأغراض عسكرية". ورجّحت كذلك أن يكون الجيش قد "قام بتجنيد وتسليح وتوجيه مليشيات محلية تورّطت في انتهاكات خطرة لحقوق الإنسان، مثل التعذيب والاعتقالات التعسفية".