في تونس، يعاني الأطفال نقصاً كبيراً في برامج الترفيه المخصّصة لهم، محدوديةً في الفضاءات الترفيهية العامة والخاصة، ولا سيّما في خلال العطلة المدرسية الحالية. وتقترب عطلة الربيع في البلاد من نهايتها، في وقت تشتكي العائلات من صعوبة تأمين الترفيه والمرح لأولادها، فيما تُلقى المسؤولية الكبرى على السلطات والمؤسسات الحكومية في عدم تأمين برامج وفضاءات ترفيهية للصغار.
وتنص القوانين التونسية على ضمان حقوق الطفل والأسرة التي يكفلها عدد من بنود دستور عام 2014. وهي تضمن تفصيلاً دقيقاً لهذه الحقوق، بالإضافة إلى موافقة تونس على اتفاقيات دولية خاصة بحقّ الطفل في الترفيه، وأهمّها اتفاقية حقوق الطفل الأممية في مادتها الـ 31 التي تنصّ على أن "تعترف الدول الأطراف بحقّ الطفل في الراحة ووقت الفراغ ومزاولة الألعاب وأنشطة الاستجمام المناسبة لسنّه والمشاركة بحرية في الحياة الثقافية وفي الفنون".
كذلك تلزم "الدول الأطراف بأن تحترم وتعزّز حقّ الطفل في المشاركة الكاملة في الحياة الثقافية والفنية وتشجّع على توفير فرص ملائمة ومتساوية للنشاط الثقافي والفني والاستجمامي وأنشطة أوقات الفراغ".
ويؤكد رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل، معز الشريف، لـ"العربي الجديد" أنّ "حقّ الطفل في الترفيه حقّ أساسي لتنمية متوازنة لهذه الفئة"، لافتاً إلى أنّه غير موجود. ويعيد الشريف السبب إلى أنّ "الدولة لم تسخّر جهودها لوضع سياسات استراتيجية واستشرافية لتمكين الأطفال من الولوج إلى هذا الحقّ"، مضيفاً أن ثمّة "غياباً للنجاعة في الرقابة على كلّ ما يصل إلى الأطفال عبر المسالك غير المنظمة التي تمثّل تهديداً لسلامة الأطفال ولثقافتهم، وحتى لهويّة الشعوب".
ويقول الشريف إنّ "هذا الحقّ أكثر الحقوق التي تخضع لتمييز بين الأطفال. فالعائلات ذات المستويات العالية، اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً، أكثر وعياً بهذا الحقّ وما ينتج منه من توازنات وتنمية لقدرات الأطفال"، مضيفاً أنّه "يُقال علِّم الأطفال وهم يلعبون. ففي أثناء اللعب، يستوعب الطفل عدداً كبيراً من المهارات والمعارف التي تنمّي قدراته، وفي الوقت ذاته يستمتع ويطوّر صحّته النفسية. واللعب يقلّص من التوتّر ويحدّ من اللجوء إلى العنف والسلوكيات التي تعود بالخطر على الأطفال أنفسهم".
ويعبّر الشريف عن أسفه "لعدم توافر سياسة دولة في مجال ترفيه الأطفال"، مؤكداً أنّ "المشكلة لا تقتصر على نيات، بل هي تأتي على مستوى البرامج والفضاءات والإمكانات وتكوين مدرّبين".
يضيف أنّ المشكلة تكمن كذلك في "صناعة الألعاب وترويجها محلياً، مع ضمان مطابقتها لثقافة البلدان وهويّتها وانتظارات تنمية قدرات الأطفال، فأُغرِقت السوق بألعاب عبر مسالك تجارية موازية من دون أن تطابق الحدّ الأدنى للسلامة الجسدية، لا بل تمثّل خطراً صحياً على الصغار، ولا تتماشى مع أعمارهم"، متابعاً بأنّ "الألعاب المروّجة بمعظمها تحثّ على العنف من قبيل الأسلحة (بمختلف أنواعها، بنادق وسيوف...)، الأمر الذي يشجّع على اللجوء إلى العنف".
ويحكي الشريف عن "مجال كبير ودخيل على ثقافتنا، أي الألعاب الإلكترونية في غياب أيّ رقابة، خصوصاً تلك العنيفة التي لا تناسب شرائح عمرية معيّنة، من قبيل ألعاب قتال الشوارع التي تشجّع على العنف والسلوكيات الخطرة وتبسّطها عند الأطفال، علماً أنّ كثراً من الذين يقبلون عليها هم في الخامسة والسادسة من عمرهم، فيما لا يجوز اللجوء إليها للفئات دون 18 عاماً".
ويوضح الشريف أنّ "ثمّة ألعاباً عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعبر مواقع الإنترنت تقود الأطفال نحو الانتحار ولا تخضع لأيّ رقابة. تُضاف إليها ما يقود إلى بثّ سلوكات التنمّر والعنف اللفظي وحتى الاستغلال الجنسي للأطفال".
ويؤكد الشريف أنّ "هذا المناخ الذي يمضي فيه الأطفال أغلب أوقات فراغهم يحدّ من إمكانية النموّ المتوازن والسليم وتنمية القدرات، بل هو بخلاف ذلك يجذب هؤلاء إلى الخلف عبر الحدّ من مهارات الأطفال وذكائهم من خلال السلوكيات العنيفة الخارجة عن رقابة الدولة".
وبالنسبة إلى الشريف، فإنّ "الوضع في تونس هو نفسه تقريباً في العالم العربي، باستثناء بعض دول تمتلك إمكانات أكثر وتركّز على وسائل ترفيه الطفل. فالدول بمعظمهما تعاني من مشكلات كبيرة لسوء الحظ، خصوصاً بعد تدمير العراق وسورية والأزمات في لبنان وشمال أفريقيا".