استمع إلى الملخص
- تأسست "أونروا" بعد النكبة الفلسطينية عام 1948 لتقديم الإغاثة، وتدير حالياً مدارس ومراكز صحية، مستهدفة 5.9 ملايين لاجئ، وتواجه تحديات مالية كبيرة، وتعتبر خدماتها حيوية للفلسطينيين.
- تعرضت "أونروا" لضغوط كبيرة خلال العدوان الأخير، مع استشهاد 231 موظفاً وتضرر بنيتها التحتية، مما دفع الأمم المتحدة للتحذير من العواقب الكارثية لتقييد عملها.
كانت العلاقة متوتّرة دائماً بين وكالة "أونروا" وحكومات الاحتلال الإسرائيلي، لكنّها تدهورت بصورة كبيرة منذ بدء الحرب على قطاع غزة، مع بروز المساعي الإسرائيلية لإنهاء عمل الوكالة كلياً.
منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، عمدت حكومة الاحتلال إلى مهاجمة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وبدأت خطة إنهاء وجودها عبر منعها من ممارسة عملها وعرقلته، واستبدال عملياتها على الأرض بمؤسسات دولية وأممية أخرى، وصولاً إلى إصدار تشريع جديد يحظر عملها، ومصادرة مقرها الرئيسي في القدس المحتلة.
ويهدف القانون إلى منع أي نشاط لـ"أونروا" في أراضي "دولة إسرائيل"، وينصّ على "ألّا تقوم بتشغيل أي مكتب تمثيليّ، ولن تقدم أيّ خدمة، ولن تقوم بأي نشاط، بشكل مباشر أو غير مباشر"، كما تمّت المصادقة على قانون ثان ينصّ على "إغلاق أونروا"، ما يعني أن أي مندوب من الحكومة الإسرائيلية لن يتمكن من إجراء اتصالات مع الوكالة، أو إصدار تأشيرات دخول لموظفيها، مع إلغاء الإعفاء من الضرائب الذي تحظى به، وحظر تعامل الجمارك معها.
وقالت المتحدثة باسم الوكالة، جولييت توما، الاثنين: "إنه لأمر مشين أن تعمل دولة عضو في الأمم المتحدة على تفكيك وكالة تابعة للأمم المتحدة، هي أيضاً أكبر مستجيب في العملية الإنسانية بغزة. إذا نُفّذ هذا القرار سيشكل كارثة بما يشمل التأثير المحتمل على العملية الإنسانية في غزة وأجزاء عدة من الضفة الغربية. الوكالة هي المزود الرئيسي للمأوى والغذاء والرعاية الصحية الأولية".
بدورها، قالت مديرة المنظمة الدولية للهجرة، إيمي بوب، الثلاثاء، إن المنظمة حريصة على تكثيف دعمها لمن يواجهون أزمات بعد القرار الإسرائيلي بحظر عمل وكالة "أونروا"، لكن "لا سبيل لأن تحل المنظمة محل أونروا في غزة، ولا أريد أن أترك انطباعاً خاطئاً لدى أي شخص بأن المنظمة الدولية للهجرة قادرة على لعب هذا الدور، لأننا لا نستطيع".
وأكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، الثلاثاء، أنها لا تستطيع توزيع الإمدادات المنقذة للحياة بدون وكالة "أونروا"، وأن القرار يمثل طريقة جديدة "لقتل الأطفال".
استشهاد 231 موظفاً في "أونروا" منذ بداية العدوان الإسرائيلي
وتشكو الأمم المتحدة منذ مدة طويلة من العقبات التي تحول دون وصول المساعدات إلى قطاع غزة وتوزيعها بسبب القيود التي تفرضها السلطات الإسرائيلية.
وفي بداية العدوان، أقصى الاحتلال الإسرائيلي الوكالة من العمل في مناطق شمالي القطاع، وتعامل مع مراكز الإيواء التابعة لها على أساس عدائي، فقصف معظمها فوق رؤوس النازحين، وحوّل مراكز أخرى إلى ثكنات عسكرية خلال العمليات البرية، كما جرى مؤخراً في العملية العسكرية على مخيم جباليا.
واستهدفت قوات الاحتلال العاملين في "أونروا" خلال عملهم أو خلال وجودهم مع عائلاتهم على مدار أشهر العدوان، ما أدى إلى استشهاد 231 موظفاً على الأقل، وإصابة المئات، على الرغم من النداءات المتكررة التي أطلقتها الوكالة لحماية موظفيها ومراكزها باعتبارها تابعة للأمم المتحدة.
وفي الأيام الأولى للحرب على غزة، حرض مسؤولو الاحتلال على الوكالة، واتهموا عدداً من العاملين فيها بالمشاركة في "طوفان الأقصى"، ما دفعها إلى فتح تحقيق أثبتت فيه كذب الرواية الإسرائيلية، لتعيد كل الدول التي علقت تمويلها في ضوء التحريض الإسرائيلي دعمها من جديد للوكالة الأممية، باستثناء الولايات المتحدة الأميركية.
تأسست وكالة "أونروا" في أعقاب النكبة الفلسطينية عام 1948 بموجب القرار رقم 302، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 ديسمبر/كانون الأول 1949، بهدف تقديم برامج الإغاثة المباشرة. وبدأت عملياتها في الأول من شهر مايو/أيار عام 1950، وعملت الجمعية العامة بشكل متكرر على تجديد ولايتها، ويمتد آخر قرار تمديد لعملها إلى 30 يونيو/حزيران 2026.
وتقول القائمة بأعمال مدير مكتب إعلام أونروا في غزة، إيناس حمدان، إن الوكالة الأممية هي أكبر منظمة تقدم الدعم والخدمات الأساسية، وإنها تستهدف نحو 5.9 ملايين لاجئ فلسطيني في مناطق عملياتها الخمس. موضحة لـ"العربي الجديد"، أن هذه الخدمات تشمل التعليم والصحة الأولية والمساعدات الغذائية والإغاثية وخدمات صحة البيئة، إضافة إلى خدمات الدعم النفسي والتدخلات الاجتماعية.
تدير وكالة "أونروا" أكثر من 700 مدرسة و139 مركزاً صحياً
وتشير حمدان إلى أن إجمالي عدد العاملين في الوكالة يبلغ نحو 30 ألف موظف وموظفة، منهم 13 ألفاً يعملون في قطاع غزة، فيما تعتبر خدماتها العمود الفقري للاستجابة الإنسانية للاجئين الفلسطينيين، إذ تدير أكثر من 700 مدرسة في قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان وسورية والأردن، تضم ما يزيد عن نصف مليون تلميذ/ة من اللاجئين الفلسطينيين، وتقدم فرقها الصحية الرعاية الطبية من خلال 139 مركزاً صحياً في مناطق العمليات الخمس.
ومنذ أكثر من عشر سنوات، تواجه "أونروا" نقصاً حاداً في تمويلها، وتقوم كل عام بترحيل النقص إلى العام الذي يليه، رغم توجيه مسؤوليها نداءات متكررة لدعم برامجها وعملياتها واستجابتها الطارئة لاحتياجات اللاجئين الفلسطينيين.
وتكتسب "أونروا" أهمية قصوى بالنسبة للفلسطينيين عموماً وسكان قطاع غزة خصوصاً، نظراً للخدمات التي تقدمها على الصعد الصحية والتعليمية والبيئية، إلى جانب كونها شاهداً على "حق العودة" الذي يسعى الاحتلال الإسرائيلي لإسقاطه منذ نحو ثمانية عقود.
وفي 16 أكتوبر الماضي، وجّه المفوض العام لوكالة "أونروا"، فيليب لازاريني، اتّهاماً صريحاً إلى إسرائيل، قائلاً إنّ "تفكيك أونروا صار هدفاً من أهداف الحرب". وأضاف خلال مؤتمر صحافي في العاصمة الألمانية برلين: "أجرينا تحقيقاً مع 19 موظفاً بشأن علاقتهم بحركة حماس، وأظهرت النتائج أنّ الأدلة غير كافية وغير موثّقة. أكثر من 200 من موظفينا قُتلوا في قطاع غزة، وتضرّرت بنانا التحتية بصورة كبيرة، وعلى الرغم من لجوء أناس كثر إلى مرافقنا للحصول على الحماية لكنّهم لم ينالوها".
وشدّد لازاريني على أنّه "في حال التخلّص من (أونروا) فإنّ ذلك سوف يضعف أكثر فأكثر الأدوات المتاحة للنظام العالمي. وكالات أممية أخرى استُهدفت مثلنا، من بينها قوة (يونيفيل) في لبنان. ثمّة مشاعر متزايدة بأنّ القانون الدولي يُطبَّق بطريقة انتقائية مع ما يحدث في قطاع غزة. ما بين 60 إلى 70% من البنى التحتية في قطاع غزة دُمّرت، والوضع مروّع لعاملي الإغاثة المحترفين، وحجم الدمار غير مسبوق. سكان قطاع غزة بمعظمهم يتجمّعون في منطقة مكتظة لا تتجاوز 10% من مساحة القطاع".
وفي الثامن من أكتوبر، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، إنه كتب إلى رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو محذراً من أن مشروع قانون إسرائيلياً يهدف لمنع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" من العمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة سيكون "كارثة". وحذر غوتيريس من أن إقرار هذا التشريع سيعني أن الحكومة الإسرائيلية لن تتمكن من التعامل مع "أونروا"، مشيراً إلى أنه في حال تمريره، سيكون عليه عرض القضية على الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفي وقت لاحق، حذّر أعضاء مجلس الأمن الدولي إسرائيل من المضي قدماً في إقرار تشريعات تكبح نشاط وكالة "أونروا"، وقالت الجزائر، التي دعت مع سلوفينيا إلى عقد اجتماع طارئ بشأن الأزمة، إنّ "السلطات الإسرائيلية أعربت منذ سنوات عن رغبتها في تفكيك أونروا".
ويقول الباحث الفلسطيني المختص في شؤون الاستيطان، خليل تفكجي، عن حظر وكالة "أونروا"، إنه "جزء من عقاب الفلسطينيين باعتبار الوكالة صارت جزءاً من القضية الفلسطينية كونها تأسست لغوث اللاجئين، ووجودها يعني بقاء القضية الفلسطينية. الهجوم على الوكالة يستهدف شطب القضية الفلسطينية بالكامل".
بدوره، يرى المحلل السياسي، عماد أبو عواد، أن "سلطات الاحتلال تسن القانون الذي تريد مهما كان ظالماً، ووفق أهواء الاستيطان، تحديداً تجاه أونروا التي هي بالنسبة للحكومة الإسرائيلية رمز اللجوء، وبالتالي يجب القضاء عليها. تكمن الخطورة في أن الكثير من الفلسطينيين سيفقدون المعونات التي تقدمها الوكالة، كما أن هذه الخطوة ستؤسس لمرحلة جديدة تؤسس للقضاء على القضية الفلسطينية، تحديداً في الضفة الغربية".