حرب اليمن تؤثر على جهود إنقاذ منكوبي الفيضانات

10 اغسطس 2024
سيول الحديدة أنهكت المواطنين (فرانس برس)
+ الخط -

يعاني متضررو الفيضانات والسيول في محافظات الحديدة وحجة وتعز مأساة إنسانية، في ظل ضعف التدخل لإنقاذ المتضررين لأسباب عدة منها الحرب.

ارتفع عدد ضحايا الفيضانات والسيول في محافظات الحديدة وحجة وتعز غربي اليمن إلى 55 حالة، بالإضافة إلى عشرات المفقودين، وسط دعوات الأهالي لإنقاذ المناطق المنكوبة. وأثّر النزاع المستمر في اليمن منذ عام 2014 على جهود الإنقاذ في ظل تنازع السيطرة على المناطق المنكوبة بين الحكومة المعترف بها دولياً وحكومة أنصار الله الحوثيين، ما أثر على الاستجابة لحالات الطوارئ.
ويقول أحد سكان الحديدة أحمد بخيت، لـ"العربي الجديد"، إن "السكان يعانون من وضع إنساني كارثي في ظل وجود عشرات المفقودين الذين لا يُعرف شيء عن مصيرهم، وسط صعوبة في التواصل بين المنكوبين الذين فقدوا منازلهم وممتلكاتهم وجرفت مزارعهم وباتوا لا يملكون شيئاً". يضيف أنه "تم الاعتماد على فرق إنقاذ محلية تضم شباباً في ظل غياب الجهات الحكومية التي تركت أبناء تهامة في مواجهة الكارثة الإنسانية، بسبب وجود عدد من العوائق أبرزها الألغام والعبوات المتفجرة التي جرفتها السيول، عدا عن الحواجز الترابية التي تعيق تصريف المياه".
وأطلقت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً نداء استغاثة إلى المنظمات الأممية والدولية لتقديم العون والإغاثة العاجلين للمتضررين من كوارث الفيضانات التي ضربت المنطقة. وقالت الحكومة إن رئيسها، أحمد عوض بن مبارك، اطلع خلال اتصالات مكثفة أجراها مع الوزراء والمعنيين ورؤساء المحافظات وغرف الطوارئ والوحدات التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين، على تقارير أولية حول الأضرار الناجمة عن السيول، موجهاً دعوة عاجلة إلى المنظمات الأممية والدولية لمساندة الجهود الحكومية في تقديم العون الإنساني والإغاثي الطارئ للمتضررين.
ودعت الحكومة اليمنية، أول من أمس الخميس، جميع المنظمات الدولية والإنسانية لدعم جهودها في مواجهة أضرار الفيضانات التي ضربت مناطق واسعة في تهامة، وخصوصاً محافظتي الحديدة وحجة. وطالب بيان صادر عن وزارة التخطيط في الحكومة الشرعية، جميع الشركاء الإقليميين والدوليين من الدول والمؤسسات المالية والمنظمات الدولية والإنسانية بدعم جهود الحكومة في التصدي للأضرار الناجمة عن المنخفض الجوي الذي يضرب محافظتي الحديدة وحجة حالياً، والذي تسبب في هطول أمطار غزيرة أدت إلى فيضانات وسيول في المحافظتين، ما ألحق أضراراً جسمية بالبنية التحتية والممتلكات العامة والخاصة.
وأشارت وزارة التخطيط والتعاون الدولي إلى وجود أضرار كبيرة في تجمعات النزوح والمنازل الطينية نتيجة غزارة الأمطار، الأمر الذي يهدد حياة السكان ويعرض ممتلكاتهم للخطر. وأكدت أن الوضع الخطير الناجم عن المنخفض الجوي يتطلب تدخلاً عاجلاً وشاملاً لمواجهة التداعيات وتخفيف معاناة المواطنين المتضررين وتوفير البدائل اللازمة لهم في المناطق الأكثر تضرراً وتنفيذ التدابير العاجلة لتصريف مياه السيول.
وأهابت الوزارة بجميع الشركاء الاستجابة السريعة وتقديم الدعم العاجل بكل أشكاله لإغاثة المتضررين وإعادة تأهيل البنية التحتية ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح والممتلكات. وأبدت وزارة التخطيط والتعاون الدولي استعدادها التام لتقديم كل التسهيلات الممكنة لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها في المناطق المنكوبة عبر غرفة العمليات التي شكلتها لهذا الغرض. 
من جهته، قال وزير الإعلام في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، معمر الإرياني، مساء الأربعاء الماضي، إن السيول الناجمة عن الأمطار الغزيرة في مناطق السهل والساحل التهامي في البلاد تسببت في وفاة 45 شخصاً وتدمير مئات المنازل. 
أضاف في بيان أن السيول أدت إلى نزوح عشرات آلاف الأسر، وجرف سيارات وتضرر مزارع ونفوق مواشٍ، وإلحاق دمار هائل بالممتلكات والبنى التحتية.
وكانت قناة المسيرة التابعة للحوثيين قد ذكرت الأربعاء أن رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط قد اطلع على جهود مواجهة أضرار السيول في الحديدة وتعز وحجة، وأمر بالنزول إلى الميدان والقيام بالواجب في المناطق المنكوبة. وأصدر رئيس المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين مهدي المشاط، قراراً بتشكيل لجنة مشتركة من جميع الجهات المعنية في الدولة، برئاسة نائب رئيس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال الدكتور حسين مقبولي، لإنقاذ المواطنين ومعالجة الأضرار.

وبحسب وكالة سبأ، زارت اللجنة جميع المناطق المتضررة من السيول، وباشرت اللجان والفرق الميدانية إنقاذ المنكوبين وإخلاءهم إلى أماكن آمنة وإغاثتهم، وفتح جميع الطرقات، وحصر وتقييم الأضرار الناجمة عن الأمطار الغزيرة وإعادة الحياة إلى طبيعتها. وتمثل الألغام والعبوات الناسفة التي زرعها الحوثيون وجرفتها السيول أبرز التحديات أمام فرق الإنقاذ العاملة في ظل انتشار آلاف الألغام التي كشفتها السيول وجرفتها.
في السياق، تمكّن الفريق 20 مسام من تأمين وانتشال أربعة ألغام مضادة للدبابات من قريتي هيجة عبيد والضريبة في مركز ربع السوق بمديرية حيس، التابعة لمحافظة الحديدة غرب اليمن. 
وفي تصريح خاص بمكتب مسام الإعلامي، قال قائد الفريق 20 مسام المهندس عثمان الجهوري، إن الفريق 20 تلقى بلاغاً من إدارة أمن مديرية حيس والسكان، يفيد بوجود ألغام ومخلفات حرب جرفتها سيول الأمطار من أعلى وادي المرير إلى مساكن المواطنين ومزارعهم، في قريتي هيجة عبيد والضريبة. وأشار الجهوري إلى أن الفريق 20 مسام قام بعمل طوارئ في منطقة ربع السوق، لفحص مساكن السكان المتضررة من الأمطار، وتأمينها من الألغام ومخلفات الحرب الأخرى، مضيفاً أن الفريق تمكن خلال عمله من انتشال وتأمين لغمين مضادين للدبابات من قرية هيجة عبيد، وآخر في قرية الضريبة التابعة لمديرية حيس. أضاف أن الفريق يواجه صعوبة في الدخول إلى المناطق المتضررة من الأمطار، كونها مليئة بمياة الأمطار، والتربة مشبعة بالمياه بشكل يعيق العمل ويتسبب بانزلاق العمال في التربة.
من جهة أخرى، تمكّن الفريق 26 مسام من العثور على عبوات ناسفة في بئر مياه بمنطقة ضمي بمحافظة الحديدة. وقال نائب قائد الفريق 26 مسام المهندس محمد علوان لمكتب مسام الإعلامي إن الفريق تلقى بلاغاً من إدارة أمن منطقة ضمي، التابعة لمديرية حيس بمحافظة الحديدة، يفيد بوجود عبوات ناسفة في بئر مياه بمنطقة ضمي. وجاء البلاغ بعدما عثر مزارع على جسم غريب أثناء تنظيف البئر، ما دفعه لإبلاغ إدارة الأمن التي أبلغت فريق مسام.
وقال علوان: "على الفور، نزل الفريق إلى الموقع، وعثر على ثماني عبوات ناسفة، وتم التعامل معها بنجاح. في سياق آخر، أعلنت الأمم المتحدة الخميس رفع مستوى الاستجابة العاجلة وتسخير جميع الموارد المتاحة لتقديم الإغاثة الطارئة للمتضررين نتيجة السيول في ثلاث محافظات يمنية. وذكر صندوق الأمم المتحدة للسكان في بيان مقتضب نشر على منصة إكس أن محافظات الحديدة وريمة والمحويت تعيش أوضاعاً إنسانية مأساوية نتيجة سيول الأمطار الغزيرة. وأشار إلى أن سيول الأمطار تسببت في وفاة وإصابة العشرات، وتدمير وتضرر آلاف المنازل والمزارع والممتلكات والطرقات وإعاقة الوصول الإنساني للمتضررين، ونزوح وتشرد آلاف العائلات.

بعض من آثار الفيضانات في اليمن (Getty)
بعض من آثار الفيضانات في اليمن (Getty)

وقال الصندوق إنه في الوقت الحالي، تُسخر آلية الاستجابة السريعة للأمم المتحدة في ‎اليمن بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان جميع الموارد المتاحة للإغاثة الطارئة، ورفعت مستوى ونطاق الاستجابة العاجلة للمتضررين بالرغم من صعوبة الوصول نتيجة تضرر الطرقات.
وحذرت منظمة الصحة العالمية (WHO) من مخاطر تفشي الأمراض المنقولة بالمياه في محافظة الحديدة، غربي اليمن، نتيجة الأمطار الغزيرة والفيضانات الجارفة التي ضربتها أخيراً. وقالت في بيان أصدرته الخميس: "تخلق المياه الراكدة التي خلفتها الفيضانات التي ضربت محافظة الحديدة أرضاً خصبة لتكاثر البعوض، ما يثير المخاوف بشأن تفشي الأمراض المنقولة بالنواقل مثل الملاريا وحمى الضنك".
أضاف البيان أن المياه الملوثة وظروف الصرف الصحي السيئة في المحافظة تؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه، و"تشكل هذه المخاطر الصحية تهديداً كبيراً لسكان معرضين للخطر بالفعل". وأشارت المنظمة إلى أن مياه الفيضانات غمرت مستشفى باجل والمراكز الصحية في مديريات المراوعة والزيدية والزهراء، كما تعرض مركز السل لأضرار جسيمة، ودمرت جميع المعدات والأدوية، "وأبلغت عدة أقسام في مستشفى الثورة، أحد المستشفيات المرجعية الرئيسية في المنطقة، عن وقوع أضرار فيها، لكن المستشفى لا يزال يعمل، وتعمل أقسام الطوارئ على ضمان استمرار الرعاية الطبية".
إلى ذلك، أكد رئيس بعثة منظمة الصحة العالمية في اليمن، أرتورو بيسيغان، أن تدمير الملاجئ وتقييد الوصول إلى الخدمات الأساسية بسبب الفيضانات سيؤثران على العديد من الناس في اليمن، ما يجعل من الصعب على المجتمعات التعافي من تأثير الصراع، ولا بد من "اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة الاحتياجات الإنسانية الفورية والعواقب طويلة الأجل لتغير المناخ في البلاد".
وأوضح البيان أن منظمة الصحة العالمية أرسلت على الفور 35 مجموعة طوارئ صحية أساسية مشتركة بين الوكالات، و15 مجموعة تلقيح ضد الحصبة وإمدادات طبية أخرى إلى الحديدة، للاستجابة للوضع الصحي الناجم عن الفيضانات الشديدة، كما "تعمل مجموعة الصحة التي تقودها المنظمة على تعبئة مخزون الطوارئ لمواجهة الفيضانات، لضمان وصول الإمدادات الطبية الأساسية والدعم إلى المحتاجين".

في السياق، دعت منظمة ميون لحقوق الإنسان الأمم المتحدة ووكالاتها العاملة في اليمن ومركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، والقطاع الخاص في اليمن، إلى المبادرة وإغاثة آلاف العائلات المتضررة والتخفيف من المعاناة الإنسانية لعشرات آلاف الأشخاص جزء كبير منهم من النازحين. وشددت على ضرورة الإسراع بتقييم الخسائر البشرية والمادية وتقديم الاحتياجات الإغاثية الإيوائية والغذائية والطبية الأكثر إلحاحاً للمتضررين.
وأشارت المنظمة إلى تفشي وباء الكوليرا المنتشر بالفعل وعدم إمكانية السيطرة على الحميات التي قد تشهدها المناطق المنكوبة خلال فترة وجيزة إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه دون تدخلات طبية ناجعة.  
وأكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" في منشور له اليوم، أن وكالات الإغاثة "تستجيب للاحتياجات العاجلة وسط صعوبات في الوصول ونقص التمويل للاستجابة السريعة". وكانت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة قد توقعت أن يشهد اليمن في الأيام العشرة الأولى من شهر أغسطس/ آب الجاري "هطول أمطار تراكمية بمعدل 300 مليمتر عبر المرتفعات الوسطى والمرتفعات الجنوبية، مع تسجيل أعلى كثافة هطول أمطار يومية بأكثر من 120 مليمترا في 7 أغسطس". وقال خبراء أرصاد إن الأمطار الغزيرة والسيول الجارفة التي تضرب مناطق حجة والحديدة هي بسبب منخفض جوي شديد قادم من السعودية.

المساهمون