استمع إلى الملخص
- غابة أمبارونا شهدت قطع ثلثي أشجارها وتحولت إلى ملجأ للنازحين الذين يعتمدون على قطع وبيع أخشابها لكسب العيش، مما يعكس تأثير الحرب والفساد على الموارد الطبيعية.
- تدهور الوضع البيئي في السودان مع تقلص نسبة الغابات من 34% في عام 1932 إلى أقل من 18% في عام 1992، مما ينذر بكارثة بيئية وتأثيرات سلبية على المناخ العالمي والتنوع البيولوجي.
عندما نقول إن السودان فقد 90 في المائة من غاباته بعد انفصال الجنوب، وأكثر من خمسة آلاف فدان بسبب الحرب في دارفور، يكون من المتوقع أن يتأثر ما تبقى من جراء الحرب الدائرة منذ منتصف إبريل/ نيسان العام الماضي، وخصوصاً الغابات الواقعة في المناطق الآمنة، التي نزح إليها الملايين من سكان العاصمة ومناطق الاشتعال الأخرى.
لعل من أكبر آثار الحرب إضعاف، وأحياناً توقف، عمليات الرصد والقياس والتقييم العلمي الدقيق لآثار فقدان الموارد الطبيعية، إذ تتعطّل الحياة بشكل كبير. بيد أن المشاهدات العامة ومتابعات المهتمين بالشأن البيئي، تتحدث بما يجري على الأرض، وبشكل يومي. ذلك أن أهمية الغابات تتعدّى المساهمة في توفير سبل كسب العيش للريفيين، إلى الحفاظ على المناخ العالمي، بوصف الغابات بالوعة طبيعية للكربون والغازات السامة المنطلقة في الفضاء بما يزيد على قدرات التحكُّم فيها، ما نتجت عنه معاناة الكوكب من جراء التغيرات المناخيّة في السنوات القليلة الماضية.
تقع ولاية الجزيرة بين النيلين الأزرق والأبيض جنوب العاصمة، وهي من أكثر المناطق التي استقبلت جموع النازحين في مدنها الكبرى، وحتى القرى والنجوع البعيدة. وفي ظل الوضع الاقتصادي المتردي المترتب على استمرار الحرب، يتوقع أهل الشأن البيئي المزيد من الخسائر على مستوى الموارد، خاصة الغابات والمراعي الطبيعية.
على مساحة 50 فداناً تقع غابة (أُمبارونا) في أقصى الشمال الشرقي لمدينة ودمدني (186 كلم من العاصمة)، على شاطئ النيل الأزرق. وحتى آنٍ قريب كانت منفعتها تتجاوز سكان المدينة إلى عموم الولاية، وما جاورها من ولايات، لما لها من موقع مميَّز، وما يتوافر فيها من تنوّع أحيائي، ومعالم طبيعية ومصنوعة، وظلّت تستقبل الرحلات العلمية والترفيهية، وتحظى برعاية حكومية بوصفها من الغابات المحمية.
أواخر القرن الماضي بدأ التعدّي على أشجار الغابة، وقطع ما يقارب ثلثي أشجار الغابة. ثم توالى القطع، لتشاهد الشاحنات الضخمة تخرج بالعشرات محملة بكتل أشجار السنط الضخمة، ليقال إن الأمر يتم من أجل تطوير الغابة. التطوير الذي تبيّن أنه سور من الأسلاك الشائكة تداعى واختفى قبل إكمال العام. ثم توالت عمليات الفساد ليتم التصديق لأصحاب الماشية، وكمائن الطوب منذ العام 2015، وازدادت عمليات القطع الجائر.
بعد موجة النزوح الأخيرة، أصبحت غابة أمبارونا ملجأ للعشرات من الأسر والوافدين الذين يعتمدون على قطع وبيع أخشابها لكسب العيش، ما يؤكد أن الغابات هدف معيشي للمواطن الضعيف والمسؤول الفاسد في زمن السلم والحرب. وكانت أول سياسة غابات قد صيغت في العام 1932. حينها كانت 34 في المائة من مساحة السودان تغطيها الغابات. وتشكل الغابات المحمية نسبة 20 في المائة. ثم في العام 1992، أصبحت الغابات لا تشكل سوى 18 في المائة من المساحة الكلية للقطر. والآن لو توفرت إحصائيات دقيقة سنجد أن الأمر أصبح كارثياً.
(متخصص في شؤون البيئة)