حرائق تونس تزيد التسرّب المدرسي

27 اغسطس 2021
مصير تعليمي أسود لأبناء المناطق المنكوبة بالحرائق (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -

يتوقع أن تشهد مناطق الغابات المتضررة من الحرائق غربي تونس موجة تسرّب قياسية من المدارس التي لا تزال تشهد كوارث طبيعية في محيطها، خصوصاً تلك التي تقع في قرى بجبال خمير المحاذية للحدود مع الجزائر. وقبل أسابيع قليلة من فتح المدارس، لا تزال عائلات تقطن في مناطق الغابات التي التهمت النيران قسماً كبيراً من مساكنها وخلّفت أضراراً كبيرة فيها، تعيش اليوم داخل مراكز إيواء أنشأتها السلطات المحلية لها. ويقدّر الدفاع المدني التونسي بأن حرائق هذا العام التهمت أكثر من 7 آلاف هكتار من غابات محافظة جندوبة فقط، فيما تتواصل عملية الإحصاء في باقي المحافظات الغربية. وتلقي خسائر الحرائق بظلالها على حياة سكان هذه المناطق، بعدما دمرت النيران غالبية مصادر رزقهم، ما يجعل توفير مستلزمات عودة أبنائهم إلى المدارس أمراً صعباً، ويزيد حالات التسرب المدرسي بتأثير الفقر والنقص في الموارد.
يؤكد فتحي الغزواني، الأمين العام لنقابة التعليم والمدارس منذ 30 عاماً في مدينة فرنانة شمال غربي تونس، والتي تعتبر الأكثر تضرراً بالحرائق، لـ"العربي الجديد"، أن "مؤشرات كثيرة توحي بأن تلاميذ وطلابا كُثرا يعيشون في المناطق المتضررة من الحرائق سيتخلفون عن العودة إلى المدارس هذا العام". ويصف الغزواني أهالي المناطق المنكوبة بالحرائق بأنهم "منهارون نفسياً واقتصادياً، ما يحتم تأثر التلاميذ بوضع ذويهم. وأرجح ألا تسمح لهم الظروف بالعودة سريعاً إلى المدراس، رغم تقديم جمعيات مدنية مساعدات تشمل مستلزمات مدرسية". ويتابع: "بعدما اختبرت تجربة التدريس لمدة 30 عاماً في مناطق الغابات، أستطيع أن أجزم بأن العوامل الطبيعية والمناخية شديدة التأثير في المستقبل الدراسي لأبناء سكان هذه المناطق، حيث تتجاوز احتياجات الطلاب والتلاميذ بالتأكيد تلك الخاصة بتوفير مستلزمات مدرسية، فكلفة الدراسة أصبحت مرتفعة، ويحتاج التلاميذ إلى مصاريف للتنقل واللباس والطعام وغيرها، والأسر المتضررة من الحرائق غير قادرة على توفير هذه المصاريف حالياً بسبب الخسائر التي تكبدتها في الأرزاق". 

قضاء على الآمال
ويشير الغزواني إلى أن التلاميذ يساهمون عبر أعمال موسمية بسيطة ينفذونها خلال عطل الصيف، والاتجار بمنتجات الغابات في تحسين مداخيل الأسر، وتوفير بعض نفقات عودتهم إلى المدارس. وينتشر بعضهم على امتداد طرق الحدود لعرض منتجات على مارة بينها أصناف أعشاب طبيعية، ومحاصيل العسل وموارد أخرى توفرها الغابات". يضيف: "تبقى المدرسة المنفذ الوحيد للسلم الاجتماعي الذي يرتقي بسكان الغابات، ويحسن ظروفهم، باعتبار أن التحاق أبنائهم بوظائف بعد إنهائهم الدراسة يساعد في الخروج من الفقر، أما الحرائق والتسرب المدرسي فقد تقضي على آخر آمالهم". والفقر في تونس أحد الأسباب الرئيسة للتسرب المدرسي والانقطاع المبكر عن التعليم اللذين يشملان حوالى 100 ألف تلميذ سنوياً مصيرهم الشارع، من دون امتلاك تحصيل معرفي أو مؤهل تقني يسمح لهم بالالتحاق بسوق العمل. ومنذ 10 سنوات يزداد عدد المنقطعين عن التعليم في تونس لأسباب مختلفة أهمها، بحسب المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "ألكسو"، محدودية مداخيل الأسر، وضعف السلطة السياسية.

ماذا بعد إخماد الحرائق؟ (ياسين قايدي/ الأناضول)
ماذا بعد إخماد الحرائق؟ (ياسين قايدي/ الأناضول)

مليون عائلة فقيرة
وأفادت الحكومة التونسية أخيراً بأنها أحصت حاجة نحو مليون عائلة فقيرة إلى المساعدات الاجتماعية من أجل توفير متطلبات الحياة الأساسية، "ما يجعل أطفال هذه الأسر أكثر عرضة للانقطاع المدرسي"، بحسب مهتمين بالشأن التربوي.
وتقدر بيانات رسمية لمعهد الإحصاء معدل إنفاق الأسر التونسية على تعليم أبنائها بنحو 3.2 بالمائة من مجموع مؤشر الاستهلاك الأسري. كما يحدد معهد الاستهلاك الحكومي الكلفة الإجمالية للمستلزمات المدرسية للتلاميذ بين السنة الأولى ابتدائي والرابعة ثانوي (ثانوية عامة) بمبلغ يتراوح بين 112 ديناراً (39.5 دولاراً) و165 ديناراً (58.19 دولاراً)، في حين لا تمنح الحكومة أكثر من 50 ديناراً مساعدات مالية لأبناء عائلات تنتفع بالإعانة والعلاج المجاني، وأولئك من محدودي الدخل وأصحاب الأجور الضعيفة.

ملاحقة المتسرّبين
لكن وزارة التربية قالت إنها فعّلت منذ العام الماضي آليات لملاحقة التسرب المدرسي بالتعاون مع وزارات الشؤون الاجتماعية والأسرة والطفولة، مؤكدة إصرارها على مكافحة هذه الظاهرة أكثر من أي وقت مضى، مع ازدياد المخاطر التي تهدد التلاميذ في مجتمع اليوم. ويكشف المدير العام للتخطيط والإحصاء بوزارة التربية، بوزيد النصيري، أن 5.2 في المائة من مجموع التلاميذ في مختلف المستويات يغادرون المؤسسات التعليمية سنوياً، مؤكداً أن "الوزارة تبذل قصارى جهودها لمكافحة الظاهرة المرجحة للزيادة هذا العام".

ويقول النصيري لـ"العربي الجديد": "ستحصي وزارة التربية عدد المنقطعين الجدد عن التعليم هذه السنة، بعد استكمال عملية التسجيل. وسيجري تفعيل أجهزة التقصي من أجل العمل لاستعادة المنقطعين خلال الأسابيع الأولى من العام الدراسي، علماً أن نسبة 60 بالمائة من عمليات التسرب المدرسي تحصل طوعاً بسبب عدم قدرة الأهل على تحمل مصاريف الدراسة، أو لأسباب نفسية تتعلق بالتلاميذ. والإناث أكثر تمسكاً بالعلم في تونس، حيث تفوق مستويات الانقطاع لدى الذكور 56 في المائة.
وخلال الموسم الدراسي 2010 -2021 الذي شهد التحاق 2.5 مليون تلميذ بمقاعد الدراسة، واجهت العائلات التونسية ارتفاعاً تراوح بين 3 و14 في المائة في أسعار المستلزمات الدراسية مثل الأوراق والألوان المائية واللوحات المدرسية.

المساهمون