حرائق القدس تكشف عن جرائم النكبة والتطهير العرقي للقرى المهجرة

19 اغسطس 2021
أعادت النار الجبال والسفوح إلى طبيعتها وأبرزت السلاسل أو الرباعات الجبلية (فرانس برس)
+ الخط -

كشفت حرائق وألسنة النيران التي اندلعت في جبال القدس المحتلة، مطلع الأسبوع، وأتت على 25 ألف دونم من الأحراج والغابات التي زرعتها دولة الاحتلال بعد النكبة، عن جرائم النكبة والتطهير العرقي للقرى الفلسطينية المطمورة في تلك المناطق وخصوصاً السفوح الغربية والجنوبية للقدس، التي هُدمت وهُجّرت بالكامل. وعرّت النار الجبال وسفوحها وأعادتها إلى طبيعتها، وأبرزت السلاسل أو الرباعات الجبلية التي صنعها المزارع الفلسطيني لتطويع الجبال، لأغراض الزراعة عبر المئات من السنين. 

وفيما تباكى الإعلام الإسرائيلي على الغابات التي احترقت، وعشرات البيوت في المستوطنات الإسرائيلية التي أقيمت على أنقاض قرى فلسطينية تمّ تهجير أهلها بعد النكبة، فقد أثار الكشف عن المدرّجات الزراعية، وأنماط الزراعة التي اجترحها الفلاح الفلسطيني التي تعود إلى ما قبل 400 عام، ولم تسلم منها في منطقة القدس إلا مدرّجات قرية بتير، موجة من الاهتمام لدى فلسطينيي الداخل، بعد أكثر من 70 عاماً على النكبة بالقرى التي هُجّرت في جبال القدس.

وفي حديث مع المؤرخ، جوني منصور، من حيفا، قال لـ"العربي الجديد": "المشروع الصهيوني الاحتلالي والاقتلاعي، قام بتزييف تاريخي وجغرافي واسمي للمكان أيضاً. الحرائق في جبال القدس كشفت عن مصاطب ترابية هناك، لها عدّة تسميات فلسطينية مثل السلاسل والسناسل والمدرجات، يقدّر عمرها وفقاً للأبحاث بين 400 إلى 800 سنة. وقام المشروع الصهيوني عبر مؤسساته الكولونيالية بتشجير مساحات شاسعة من هذه الجبال وغيرها، لإخفاء تضاريس ومعالم المنطقة وإبادة ما فعلته وكوّنته أيادي الفلاحين. في أعقاب عمليات التشجير والتحريج التي قام بها الصندوق القومي، تمّ إخفاء كل ما هو فلسطيني عمره عشرة آلاف سنة لصالح كل ما يوحي بصهيونية ويهودية المكان. وأكثر من ذلك، نتيجة العقلية الكولونيالية الأوروبية التي كوّنت الصهيونية فإنّ مشروعها اعتمد أيضاً على نقل "المكان" الأوروبي إلى فلسطين، ليحظى المستوطنون براحة شبيهة بتلك التي عاشوها في أوروبا". 

وأضاف منصور: "برأيي ووفق علم الآثار الزراعي، هذه المصاطب الترابية تعود إلى آلاف السنين، التي اهتم الإنسان في زراعتها بكروم الزيتون والتين والعنب. وهي أنواع زراعية تحافظ على رطوبة التربة، وهذا هو السر الذي كشفه الفلاح الفلسطيني. أمّا الحركة الصهيونية من حيفا إلى يافة الناصرة بالجليل، فزرعت أشجار الصنوبر الأوروبي. وغطّت قرية معلول المهجّرة بالصنوبر الأوروبي، كما قرية فراضية المهجّرة وكفر عنان بالجليل". 

وتابع: "الطبيعة تقاوم الاحتلال بعد 70 عاماً، والشجر الأوروبي دخيل على المناخ والجغرافيا الفلسطينية. الصندوق القومي الإسرائيلي زرعها كي يعطي جوا أوروبيا للمنطقة، وهذا كان تفكير بن غوريون لاستحضار المنظر الأوروبي للمستوطن كي لا يصاب باليأس. الطبيعة تحمّلت 70 سنة من الزيف، ورفضت فكرة زراعة السرو الأوروبي، فهو سريع الاشتعال ولا يتحمّل الحرارة والمناخ في منطقتنا. مثلاً في طريق قرية الرامة، منطقة الشاغور والمغار ودير الأسد، الأراضي كلّها مزروعة بشجر الزيتون وهو متجانس مع الطبيعة من ألف سنة وأكثر". 

وفي حديث مع عمر الغباري، الباحث في موضوع النكبة والعودة، ومنظم جولات في البلدان المهجّرة الفلسطينية، قال لـ"العربي الجديد": "في عام النكبة، كان هناك تطهير عرقي كامل من محيط مدينة اللد حتى بئر السبع. تمّ تهجير واقتلاع جميع البلدات الفلسطينية. الحرائق كشفت وأعادت للوعي الفلسطيني هذه القرى التي هُجّرت بالكامل وهُجر أهلها. نتيجة للنار على الأرض، انكشفت آثار البلدان المهجّرة والمدرجات الزراعية الفلسطينية بعد أن احترقت الأشجار الكولونيالية. هذه السلاسل كما في أراضي قرية كسلا، ميّزت جبال القدس وصنعتها يد الفلاح العربي الفلسطيني عبر المئات من السنين. كان الإسرائيليون يدّعون أنّ هذه المدرجات هي "إرث يهودي" من فترة بني إسرائيل في أرض كنعان قبل أكثر من ألفي عام. رواية محبوكة لضبط الأسطورة الصهيونية. لكن السلاسل كشفت تقسيم الأراضي الزراعية التي تمت في الفترة العربية، وأنها نتاج عربي فلسطيني. عملية التحريش الإسرائيلية للغابات هي اغتصاب للحيز وتحويله من عربي فلسطيني إلى استعماري أوروبي. الصندوق القومي الإسرائيلي تعامل مع الشجر كجنود لخدمة الصهيونية في استيلائهم على الأرض، بهدف إخفاء معالم جرائم النكبة. الحرائق كشفت عن آثار البيوت التي أقاموا فيها المجازر". 

وأضاف: "الأشجار غطّت آفاق التربة والأراضي الزراعية. أمّا النار فكشفت عن قسم من التراث الفلسطيني، من تراث معماري إلى تراث زراعي. عندما نسافر إلى القدس نشاهد جبال خضراء، هذه عملية الاخضرار مزيّفة لأنها تخفي معالم فلسطينية من الحيز العام كي تختفي من وعينا. النار والحرائق ساعدتنا لنفهم الحقيقة ونزيل قشرة الاستعمار، شكراً للنار لأنها أعادت لنا الحقيقة. بالرغم من أنّ النار شرسة وتحلّ مصائب، لكنها تنظف. أعادت للأذهان الهوية الفلسطينية للمنطقة، منطقة غربي القدس من محيط الرملة واللد حتى بئر السبع، التي تمّ تطهيرها بالكامل وأقاموا عليها مستوطنات. وهي ساعدتنا لإبراز القرى التي هدمت في عام النكبة 1948 والتي احترقت منها قرية صوبا المهجّرة، وهي اليوم تسمى كيبوتس تسوفا، قرية ساريش المهجّرة، هي اليوم كيبوتس شورش، قرية بيت أم الميس هي اليوم رمات رازيئيل، بلدة كسلا هي اليوم كسلون، قرية بيت محيسر هي اليوم بيت مئير، قرية دير عمرو هي اليوم مستشفى ايتانيم، قرية سطاف هي اليوم هسطاف، قرية خربة اللوز هي جبل هار ايتان، قرية عين كارم، هي اليوم عين كيرم، قرية الجورة هي اليوم أورا، قرية الولجة هي اليوم عمينداف، خربة جبع من أراضي خربة العمور المهجرة هي اليوم چڤعات يعاريم، قرية إشْوَع المهجرة هي اليوم إشتاؤول". 

واختتم الغباري بالقول: "جميع هذه القرى المطمورة خضعت للتطهير العرقي. لم يبق عائلات فلسطينية منها لتقوم على إحياء هذه البلدات. وقام الصندوق القومي بتغطيتها بالشجر والغابات. هذه أسماء لقرى مغيبة عن الوعي الفلسطيني. أمّا الفلاح الفلسطيني الأصيل فيعرف الأرض ويتكلم معها ويفهم تضاريسها ومناخها ولا يشبه المستعمر الدخيل على المنطقة ويغتصب أرضها". 

المساهمون