تشير الإحصائيات الحكومية في العراق إلى نشوب أكثر من 10 آلاف حريق في عموم مدن البلاد منذ مطلع العام الجاري، وهو رقم حقيقي لكنه "كبير جداً" وفقاً لمراقبين، ويعود إلى أسباب عدة من بينها ضعف الإجراءات الوقائية وتهالك البنى التحتية وعدم الاهتمام بتوفير أجهزة الإطفاء الحديثة واعتماد معايير السلامة. كما تشهد البلاد حرائق مفتعلة عادة ما تؤدي إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة، في وقت يؤدي إحراق النفايات إلى تلوث الهواء في الأحياء السكنية.
ويقول مدير العلاقات والإعلام في مديرية الدفاع المدني العميد جودت داوود إن "الأسباب التي تؤدي إلى اندلاع حرائق كثيرة، منها التماس الكهربائي والحوادث المتعمدة والنزاعات العشائرية وغير ذلك"، مشيرة إلى أن "الحرائق تزداد في فصل الصيف". وشهدت العاصمة بغداد العدد الأكبر من الحرائق، تليها البصرة وكركوك والنجف، وقد طاولت مجمعات تجارية ومستشفى ومخزن سلع غذائية ومصنعاً وورشة للنجارة بالإضافة إلى عدد من المنازل والمحال التجارية.
وفي وقت سابق، أعلن مدير الدفاع المدني اللواء كاظم سالم بوهان أن هناك حاجة لإجراء تعديلات في قانون الدفاع المدني لمواجهة تحديات الحرائق، مؤكداً أن ضعف متطلبات السلامة سبب رئيسي في استمرار اندلاع الحرائق. بالتالي، هناك حاجة إلى تشديد قانون إجراءات السلامة وفرض غرامات بحق المخالفين، مؤكداً أن عدد الحرائق في عموم مدن البلاد منذ مطلع العام الجاري تجاوز عشرة آلاف حريق، وقد جرى التعامل معها من قبل فرق الإطفاء والدفاع المدني.
وتعدّ الحرائق أحد الأسباب الرئيسية لزيادة حالات الإصابات والوفيات، بالإضافة إلى حوادث السير، ما يعني أنها تفوق أعداد ضحايا الحوادث الأمنية والتفجيرات. وعلى الرغم من التوجيهات الصادرة عن مديريات الدفاع المدني، إلا أن الحرائق ما زالت تندلع في معظم المدن العراقية، وتشمل المنازل والمساحات الخضراء وحقول القمح والشعير والدوائر الحكومية والمطاعم والمجمعات التجارية.
وتسبّب حريق اندلع في مجمع تجاري في حي المنصور في العاصمة بغداد بإصابة ثلاثة عاملين فيه بحروق من الدرجة الثانية، فيما تعرض عامل أجنبي إلى إصابات بليغة، بحسب مصادر محلية من بغداد. وذكرت أن "المجمع، وهو من طابقين، احترق بالكامل بسبب غياب إجراءات السلامة، وبنائه بألواح الساندويتش بانل سريعة الاشتعال والمخالفة لتعليمات السلامة الصادرة عن مديرية الدفاع المدني". وقبل ذلك، أظهرت لقطات فيديو محاصرة النيران رجلا مسنا على سطح مبنى التهمته النيران وسط البصرة. ومع تأخر فرق الأطباء، كان الرجل قد توفي محترقاً وسط صيحات الأهالي والمتجمعين في الشارع، في وقت لقي 4 أطفال حتفهم بسبب احتراق منزلهم في منطقة الغزالية غربي العاصمة، مطلع العام الجاري".
من جهته، يقول العقيد هشام العزاوي، وهو من مديرية الدفاع المدني في العاصمة بغداد، إن "الحرائق تعد من الحوادث الطبيعية في كل العالم. لكن ما يحدث في العراق عادة ما يرتبط بغياب التوعية لدى الأهالي أو بسبب أزمة الكهرباء، والخلافات الشخصية، بالإضافة إلى عوامل أخرى تتعلق بالإرهاب". ويوضح في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "معظم المباني التي أنشئت خلال الأعوام الماضية تفتقر إلى الاهتمام أو إطفاء الحرائق، على الرغم من الإشعارات الدائمة من قبل مديرية الدفاع المدني ووزارتي الصحة والبيئة، ولعل أكثر ما يشكل خطراً فعلياً هو استخدام البلاستيك".
ويقول العزاوي إن "الاستهتار بالقانون ولجوء بعض الأشخاص إلى افتعال الحرائق في المحال التجارية أو المنازل بسبب الخلافات الشخصية، هو أكثر ما يؤدي إلى حالات وفاة وإصابات بليغة"، مؤكداً أن "الإرهاب ما زال يستخدم ورقة الاستنزاف الاقتصادي، لا سيما في المناطق التي لا تزال تشهد ضعفاً أمنياً. لذلك، فإن عناصر الدولة الإسلامية داعش تلجأ إلى إحراق مزارع وبساتين من لا يدفع إتاوات أو غير ذلك".
كما يلفت إلى أن "حالات الوفاة بسبب الحرائق تزداد يوماً بعد يوم، بسبب التزايد الكبير في أعداد الحرائق، لكنها ليس كما يُشاع في الإعلام والصحافة، كونها أقل بكثير مما تخلفه حوادث السير. ومن بين خمسة حرائق تحدث هناك حالة وفاة واحدة"، موضحاً أن "الحرائق تحتاج إلى مسؤولية اجتماعية من قبل الأهالي لأن 90 في المائة من أسبابها هي أخطاء تقع من قبلهم. بالتالي، من الضروري الاهتمام بنوعية المواد المستخدمة في الديكور ووضع منظومات الإطفاء الحديثة".
وفي إبريل/ نيسان الماضي، أفاد بيان لمديرية الدفاع المدني بأن "عدد الحرائق التي جرى إخمادها في جميع أنحاء العراق عدا إقليم كردستان، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، بلغت 6049 حريقاً، أي نحو 2000 حريق شهرياً. وأُنقذ 80 مواطناً من تلك الحرائق وما قيمته أكثر من 40 مليار دينار عراقي (نحو 30 مليون دولار)". وعزا البيان ارتفاع عدد الحرائق إلى سببين؛ أولهما تذبذب التيار الكهربائي وتداخل الأسلاك الكهربائية في المناطق السكنية والتجارية، ومخالفات البناء واستخدام ألواح سريعة الاشتعال لا تراعي تعليمات السلامة العامة"، من دون أن يتطرق إلى الخسائر البشرية.
وخلال العام الماضي، سجل العراق نحو 26 ألف حريق أودت بحياة ما لا يقل عن 400 شخص، فضلاً عن إصابة المئات، وطاولت مستشفيات ومباني ومخازن تجارية ومجمعات سكنية، فضلاً عن مئات الهكتارات الزراعية، وخصوصاً حقول القمح شمالي وجنوبي البلاد.
من جهته، يوضح النائب المستقل في البرلمان العراقي هادي السلامي أن "أكثر من نصف عدد ما تُعلن عنه البيانات الحكومية ودوائر مديريات الدفاع المدني من حرائق تكون مفتعلة، وعادة ما ترتبط بعدم مراعاة شروط السلامة في إنشاء وتأسيس المباني. كما أحرقت مطاعم بسبب إهمال الجانب الأمني والوقائي من الحرائق"، قائلاً إن "هناك خسائر بشرية وإصابات كثيرة، وتحتاج بعض الحالات إلى علاج خارج البلاد. لذلك، لا بد من إتمام التحقيقات في هذه الحوادث، على أن تفعل مديريات الدفاع المدني الرقابة الدائمة على المطاعم والمجمعات التجارية وحتى المنازل".
ويوضح السلامي أن "بعض الدوائر الحكومية تتعرض لحرائق. لذلك، فإن من واجب المديريات المختصة أن تعزز، بل تفرض شروط السلامة والوقاية عليها"، لافتاً إلى أن "مئات الضحايا من جرّاء الحرائق لا يُسجّلون لدى السلطات وعادة ما تضيع حقوقهم، وخصوصاً في المحافظات. وفي بغداد، هناك تغطيات إعلامية واسعة لمثل هذه الحوادث".
وكانت الأمانة العامة لمجلس الوزراء قد أعلنت، الثلاثاء الماضي، أن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أصدر توجيهات بتطبيق معايير السلامة والأمان في المرافق العامة، من ضمنها إحالة المخالفين إلى المحاكم الجزائية. وقال المتحدث باسم الأمانة حيدر مجيد إن "الكاظمي أصدر توجيهات إلى الوزارات وجهات أخرى بضرورة تطبيق معايير السلامة والأمان في المرافق العامة"، موضحاً أن "التوجيهات تضمن اتخاذ مديرية الدفاع المدني الإجراءات الملائمة في الوزارات والجهات الحكومية والمنشآت كافة في مختلف القطاعات، لدرء خطر الحرائق وتطبيق معايير السلامة والأمان".
بدوره، يؤكد الباحث في الشأن العراقي عبد الله الركابي أنّ "معظم ما يُسجّل من حالات وفاة وإصابات بسبب الحرائق هي تلك التي تقع في مراكز المدن، لكن هناك ضحايا كثيرين لا يُسجلون لأن منازلهم أو محالهم التجارية لا تصل إليها فرق الدفاع المدني بسرعة، وعادة ما يتفحم أصحابها داخلها من دون إنقاذ أو تسجيل في السجلات الحكومية". يتابع في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "الأهالي عادة ما يقومون بإطفاء الحرائق التي تقع في المنازل، قبل أن تصل إليهم فرق الدفاع المدني، ويقومون بإخلاء المنازل أو إخراج الضحايا، وتحدث عادة في المناطق النائية وأطراف المحافظات".