شهدت أيام عيد الأضحى إقبالاَ للكثير من العائلات الفقيرة على حديقة حيوانات الجيزة بهدف قضاء يوم عائلي هرباً من درجات الحرارة المرتفعة. ويقول الأربعيني إبراهيم محمد الذي توجه إلى الحديقة مع طفليه: "نشعر بأننا على قيد الحياة حين ندخل إلى حديقة الحيوانات. هذه النزهة تعد فرصتنا الوحيدة لقضاء العيد بين الأشجار واللعب مع الحيوانات بكلفة زهيدة. تجلس العائلات تحت فيء الأشجار في وقت يلعب الأولاد مع الحيوانات". وتشير إدارة الحديقة إلى أنها تزيد عن ستة آلاف حيوان وتمتد على مساحة 80 فدانا.
ويزور الحديقة نحو أربعة ملايين شخص سنوياً. وعادة ما تكون ذروة الإقبال خلال الأعياد والعطل المدرسية. واعتاد المصريون زيارتها منذ افتتاحها عام 1891، وتم الاستعانة بأطباء بيطريين وعمال متخصصين ليطلق عليها في وقت لاحق لقب "جوهرة التاج لحدائق أفريقيا". وأقامت الإدارة متحفاً للحيوانات، وغابة متحجرة من مخلفات الشعب المرجانية، وبحيرة للبجع، ومنطقة للشلالات، وبيتا لسبع البحر وسيد قشطة، وحديقة على الطراز الياباني افتتحت عام 1924 مع زيارة ولي عهد اليابان إلى القاهرة.
وفي وقت لاحق، اقتطع من الحديقة مساحة مدرسة "المهندسخانة" لتعليم الهندسة، وفصلتها السلطات عن حديقة الأورمان (حديقة في محافظة الجيزة تقع أمام حديقة الحيوان بالجيزة)، وتعد من أكبر الحدائق النباتية في العالم وقد شيدت على مساحة 28 فداناً.
إذاً، ضاقت مساحة حديقة حيوانات الجيزة، علماً أن أعداد الزوار كانت تزداد سنوياً بالتزامن مع ارتفاع معدلات الفقر، وعدم قدرة الطبقة الفقيرة على إيجاد بدائل تسعد أبناءها خلال الأعياد. من جهة أخرى، فإن إهمالها من قبل المعنيين أثر على إقبال الناس عليها، وقد أراد بعض المسؤولين إغلاقها وتحويل أرضها إلى مشروع عقاري فاخر.
وتعزو وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي تدهور حال الحديقة إلى قلة الإمكانات المادية، على الرغم من رفعها أسعار تذاكر الدخول. ويبلغ سعر التذكرة 5 جنيهات (أقل من نصف دولار) للفرد، وهو ما تعتبره العائلات الفقيرة مبلغاً مرتفعاً. وتعمد الوزارة إلى فتح الحديقة كل يوم ثلاثاء للأغنياء والسياح القادرين على دفع 65 جنيهاً (نحو ثلاثة دولارات ونصف الدولار) ثمن تذكرة الدخول. أمر لاقى رواجاً في البداية بسبب عدم تطوير الحديقة، إذ اكتفت الإدارة بطلاء الجدران ونشر مجموعة من الأكشاك لبيع المشروبات والحلويات لتعم الفوضى والضجيج في ظل انتشار مكبرات الصوت وتشغيل الأغنيات الشعبية.
من جهة أخرى، تباع المشروبات بأسعار مرتفة لا تناسب الفقراء الذين يخالفون قوانين الحديقة فيجلبون معهم المأكولات والمشروبات. ويرفض عمال الحديقة ملاحقة هؤلاء الزوار على الرغم من الفوضى الناتجة عن ذلك، وخصوصاً أن كثيرين يتركون النفايات على الأرض. يشار إلى أن هناك اتفاقا ضمنيا بين الزوار والعمال على إطعام الحيوانات التي تبدو بمعظها جائعة ومنهكة. ويقول أحد الحراس: "رواتبنا لا تكفي أسرة فقيرة لعدة أيام، وجميعنا يتنظر مواسم الأعياد كي يستفيد من الزوار"، مشيراً في الوقت نفسه إلى "المشقة التي نتحملها والخطورة التي تتعرض لها بعض الحيوانات من جراء المعاملة السيئة".
ويشكو زوار حجز الإدارة غالبية الحيوانات في مكامنها بعيداً عنهم في أوقات الزحمة، الأمر الذي ينفيه الحراس. ويقول خبراء بيطريون عملوا في الحديقة لسنوات إن إدارة الحديقة تمنع بعض أنواع الحيوانات الخروج من حظائرها لأن كثرة الناس قد يسبب لها هياجاً شديداً.
وفي ظل سعي الحراس إلى تلبية رغبات الناس للحصول على المال في المقابل، تبقى الحيوانات في حالة توتر وقد تمرض لتناولها مأكولات أكثر من الحصص المقررة يومياً. ويشير أحد الأطباء إلى حدوث كارثتين عام 1993 حين قتل أسد حارسه بعد تركه الباب الخارجي للقفص مفتوحاً. وفي العام نفسه، داس فيل حارسه وقتله بعد استفزازه من قبل أحد الزوار. ويوضح الطبيب أن سوء الأوضاع الإدارية والطبية داخل الحديقة أدى إلى تفشي الأمراض بين الحيوانات أكثر من مرة، وأدى إلى فصل الجمعية الدولية لحدائق الحيوان والأحواض المائية (WAZA) عضوية حديقة حيوانات الجيزة عام 2004. وحاولت مصر استعادة عضوية الاتحاد الذي أرسل لجنة مراجعة عام 2013، إلا أنها أكدت في تقريرها أن إدارة الحديقة ما زالت تسيء للحيوانات من خلال تكديسها في أماكن مغلقة، الأمر الذي ينسحب على الزوار وغير ذلك. وأرسلت المتحدثة باسم الحديقة منى صادق تقريراً إلى وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي تشرح فيه كيفية تطوير المكان لتستعيد الحديقة رونقها، لتكتفي الوزارة بزيادة تعرفة تذاكر الدخول.
وتؤكد وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي أن الحديقة تُدعم سنوياً من موارد الموازنة العامة للدولة، مشيرة إلى أن قيمة الحيوانات الموجودة فيها تبلغ 10 مليارات جنيه، عدا عن كلفة رعايتها ودفع رواتب العاملين والمشرفين على إدارتها. وتبين أن الأسود تأكل نحو 1664 حماراً و46 طناً من اللحوم البلدية.
وبدت الأسود السبعة داخل الأقفاص الضيقة في حالة إنهاك ورائحتها نتنة بسبب قلة النظافة. وتحولت فيه إلى مشروع تجاري للحارس والإدارة التي تستعين بمصوّر لالتقاط صور تذكارية للراغبين في ذلك بأسعار مرتفعة.
إلى ذلك، أبدى زائرون فرحتهم لاستقدام الإدارة مؤخراً زرافات وقد غابت عن الحديقة نحو عشر سنوات. وخلال التجوال في الحديقة، ضل زائر طريقه خلال بحثه عن بيت الفيل، ليفاجأ بأنه مغلق إذ مات الفيل الذكر منذ أعوام، ولحقته زوجته وابنهما.
وقبل سنوات، أطلقت الحكومة وعوداً بإنشاء أماكن مفتوحة لحيوانات الحديقة وتوسيع فروعها في المحافظات. من جهة أخرى، تراجع إقبال الناس على حديقة حيوانات قديمة في محافظة الإسكندرية (شمال البلاد)، اعتاد المواطنون زيارتها منذ العهد الملكي، إلا أن حالها تدهور من جراء الإهمال، وباتت أكثر سوءاً بالمقارنة مع حديقة الحيوانات في الجيزة. وأثرت قلة الإمكانيات المادية على الاهتمام بحدائق الحيوانات الرسمية، في وقت أنشأ القطاع الخاص عدداً من الحدائق المتواضعة المساحة والتي لا تضم عدداً كبيراً من الحيوانات، إلا أنها تحولت إلى أماكن سياحية. وبدلاً من الاستفادة من حديقة سوزان مبارك المطلة على أهرامات الجيزة، عمدت السلطات إلى إزالة غابة الأشجار التي كانت قد أنفقت عليها ملايين الجنيهات على مدار 20 عاماً وبناء عشرات المساكن لإيواء أهالي منطقة نزلة السمان (محافظة الجيزة) الذين ستُزال بيوتهم قريبا في إطار مشروع مساكن إيواء نزلة السمان الذي أقيم على أنقاض حديقة أشجار مخصصة للحيوانات.