حجب المعلومات حول حالة الفلسطينيين المصابين: انتقام من الاحتلال وفشل للسلطة

05 أكتوبر 2022
يواصل الاحتلال احتجاز 110 جثامين في الثلاجات ومقابر الأرقام (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -

على مدار يومين، فشلت المؤسسات الفلسطينية من وزارة الصحة وهيئة الشؤون المدنية المسؤولة عن العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي ومؤسساته، في تزويد عائلات ثلاثة شبان أطلق جيش الاحتلال على مركبتهم النار فجر الاثنين الماضي، في مخيم الجلزون شمال رام الله بمعلومات دقيقة عن أوضاعهم الصحية، وهو ما أثار حالة من الإرباك والقلق لدى تلك العائلات.

ومع ساعات مغرب يوم أمس الثلاثاء، اضطرت عائلة الشاب سلامة شرايعة من سكان بلدة بيرزيت شمال رام الله وسط الضفة الغربية، الإعلان عن ابنها شهيداً برصاص الاحتلال الإسرائيلي، بعد يومين من الارتباك والترقب، حيث كان قد أعلن عنه صباح الاثنين، جريحاً. فيما أعلن عن الشابين خالد عنبر وباسل بصبوص من مخيم الجلزون شمال رام الله شهيدين.

وكانت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، قد أعلنت بعد ظهر أمس الثلاثاء، إثر توجه محاميها إلى مشفى إسرائيلي أن بصبوص على قيد الحياة، لكنه جريح ومعتقل، فيما استصدرت هيئة الشؤون المدنية تصاريح لعائلته لزيارته في المشفى.

يقول ناصر، عم الشاب سلامة شرايعة لـ"العربي الجديد": "إن العائلة اتخذت قراراً بالإعلان عنه شهيداً بناءً على اكتشاف أن باسل بصبوص هو الجريح، وأن الاحتلال كان قد أعلن عن شهيدين، فافترضت العائلة ضمنياً أن سلامة هو الشهيد"، لكننا "بحاجة إلى معلومة دقيقة، وللتعرف إلى الجثمان، ونطالب بتسليمه، وبالسماح لأحد أفراد العائلة بمعاينته والتأكد من استشهاده".

قبل ذلك بساعات كانت العائلة في حيرة، لكن حالة عدم اليقين والارتباك لوالدته ولكل الأسرة اضطرتها إلى هذا القرار، حسب شرايعة.

يتوقع شرايعة أن تكون حالة الإرباك والدوّامة التي وقعت فيها العائلات خلال يومين، مقصودة من الاحتلال، بهدف التغطية على جريمة قتل وإعدام الشبان.

الاحتلال لم يعلن مصير الشبان، وفشلت المؤسسات الفلسطينية في توفير المعلومة الدقيقة ووقف إرباك العائلات. فقد أعلنت وزارة الصحة صباح الاثنين، أن "هيئة الشؤون المدنية تبلغ وزارة الصحة باستشهاد مواطنين اثنين لم تعرف هويتهما بعد"، وأعلنت العائلات استشهاد عنبر وبصبوص، ولاحقاً في اليوم نفسه أدرجت الوزارة اسميهما ضمن قائمة شهداء عام 2022.

عادة ما تعلن وزارة الصحة الفلسطينية أسماء الشهداء بعد التأكد من هويتهم إن كانت الجثامين في مستشفى فلسطيني، لكن في حالة احتجاز جيش الاحتلال للجثمان، تعلن الأسماء بعد إبلاغها من هيئة الشؤون المدنية، أو الارتباط، بعد وصول المعلومة من الاحتلال.

وهيئة الشؤون المدنية، بحسب موقعها الإلكتروني، "تأسست لمتابعة تنفيذ الاتفاقيات مع الجانب الاسرائيلي، وتحديداً الملحق المدني في هذه الاتفاقيات، وهي حلقة الوصل بين السلطة الوطنية الفلسطينية ومؤسسات السلطة المدنية مع الطرف الآخر (أي الاحتلال)".

يؤكد حسين شجاعية، منسق الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء والكشف عن مصير المفقودين لـ"العربي الجديد" أن هيئة الشؤون المدنية أو الارتباط المدني ينقل المعلومة لوزارة الصحة بعد تبلغها من جيش أو شرطة الاحتلال، ومنذ عام 2018 أصبحت هذه المعلومة في الغالب مجردة من دليل ملموس يؤكد هوية الشهيد.

وبحسب شجاعية، توقف الاحتلال في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2015 عن آلية كان بموجبها يستدعي ضابط مخابرات إسرائيلي أحد أقرباء الشهيد لمعاينة الجثمان، وكانت عائلة الشهيد عساف أبو حبسة من مخيم قلنديا شمال القدس آخر عائلة عاينت جثماناً في ديسمبر/ كانون الأول 2015، أي فقط بعد شهرين من إعادة الاحتلال تفعيل سياسة احتجاز الجثامين، إثر اندلاع هبّة القدس وموجة عمليات فردية ضد الاحتلال.

لاحقاً، أصبح الاحتلال يرسل صورة الشهيد المحتجز لتؤكد عائلته هويته، قبل أن تتوقف هذه الآلية في عام 2018، إلا في حالات نادرة كان من الصعب على الاحتلال تحديد هوية الشهيد دون الرجوع للأهل، ليتعرفوا إلى الجثمان عبر الصور، وآخرهم شهيدان من كفردان في جنين الشهر الماضي، حيث طلب ضابط مخابرات الاحتلال من والد أحد الشهيدين بعد استدعائه للتحقيق، التعرف إلى الجثمانين من الصور، كما قال شجاعية.

هذا الأمر يضع عائلات في حالة صعبة، كعائلة الشهيد بلال رواجبة الذي استشهد في عام 2020، ويؤكد شجاعية أن العائلة ما زالت تشك في استشهاد ابنها، وتقول إنه قد يكون على قيد الحياة، وفي حالات أخرى يشتبه الأهالي في إعدام أبنائهم بعد اعتقالهم أحياء، أو استشهادهم خلال التحقيق وهم مصابون، كحالة الشهيد صالح البرغوثي الذي أطلق عليه النار عام 2018 واعتقل، وأفاد شهود عيان في حينها باعتقاله حياً.

في حالة الشبان عنبر وشرايعة وبصبوص، يشير شجاعية إلى أن الشؤون المدنية التي تربطها علاقة تعاون مع الحملة الوطنية لم تملك معلومات دقيقة حتى مساء أمس.

وفي حالات عديدة كانت العائلات تتعرف إلى هوية أبنائها الشهداء؛ من خلال الصور التي تظهر في وسائل الإعلام للحظة إصابتهم، أو نقلهم عبر مركبات إسرائيلية.

وكجهة حقوقية، تتوجه الحملة الوطنية عادة لأخذ توكيل من أهالي الشهداء المحتجزة جثامينهم لمتابعة الملف قانونياً، وتطالب رسمياً باسترداد الجثمان وفتح تحقيق في ظروف الاستشهاد، وحين يرد الاحتلال برفض تسليم جثمان شهيد معين، تتأكد الحملة من هويته ومصيره، وهو ما ستقوم به في حالة شرايعة.

ويواصل الاحتلال احتجاز 110 جثامين في الثلاجات ومقابر الأرقام منذ هبّة القدس عام 2015، أقدمهم عبد الحميد أبو سرور الذي استشهد في إبريل/ نيسان 2016، بينما احتجز المئات من العشرات من الجثامين لمدد مختلفة منذ ذلك التاريخ، وتوثق الحملة الوطنية احتجاز الاحتلال 256 جثماناً آخر، في ما تُسمى مقابر الأرقام منذ عام 1967.