تكافح الشابة الإيرانية جيلا قهرمانية منذ طفولتها الصعاب والأعراف بمعنويات عالية رغبة منها في ممارسة هوايات تعشقها، ثم امتهان عمل يحتكره الرجال، قبل أن تتحقق أحلامها قبل أربع سنوات، لتصبح أول ميكانيكية سيارات في إيران.
وُلدت جيلا قهرمانية في عام 1990، في مدينة تبريز مركز محافظة أذربيجان الشرقية (شمال غرب)، في عائلة من الطبقة المتوسطة، ولها شقيقتان وشقيقان. تقول، في مقابلة خاصة مع "العربي الجديد"، إن سلوكها منذ الطفولة كان أشبه بالذكور، إذ كانت تمارس الألعاب الذكورية مع شقيقها الذي تكبره بسنة واحدة، وأنها انطلاقاً من هذه الروح، بدأت ممارسة أنواع الفنون القتالية، ثم احترفت رياضة "كيك بوكسينغ"، وأصبحت مدربة فيها.
تضيف جيلا: "بعد الانتهاء من الثانوية العامة، بدأت الدراسة الجامعية، وحصلت على شهادة في الكمبيوتر، وبعد التخرج حاولت البحث عن فرصة عمل في منطقتي، وقادني شغفي بالميكانيكا إلى هذه المهنة الصعبة التي يحتكرها الرجال في إيران، كما في كثير من دول الشرق الأوسط. التحقت بعد التخرج من الجامعة بمركز تعليم المهن والحرف في مدينة تبريز، وحصلت على دورة في الميكانيكا".
لم تكتف الشابة الإيرانية بدورة الميكانيكا في تبريز، فانتقلت إلى طهران لإتقان المهنة أكثر عبر العمل في ورشة في العاصمة، قبل أن تعود إلى مدينتها لتدشين ورشة خاصة بها، وتقول: "عندما ترددت في البداية على ورشات تصليح السيارات بحثاً عن فرصة عمل، واجهت صعوبات، لكنها لم تؤثر على عزيمتي أو إرادتي. كنت على ثقة بخياري، إلى أن وافقت إحدى الورش على طلبي العمل، وكان زملائي الرجال يكررون حينها أنه لا يمكنني الصمود لأسبوع في هذه المهنة. لكن ما حصل كان عكس كل التوقعات، ومع مرور الوقت أعجبوا بعزيمتي وإرادتي الصلبة، وتألقت في عملي، ما اضطرهم إلى الاعتراف بقدراتي المهنية".
تتابع: "في البداية كان حلمي إنشاء شركة لتصليح السيارات في مدينة سهند الجديدة التي تبعد عن تبريز نحو 60 كيلومتراً، والتي تفتقر إلى خدمات تصليح السيارات، وبسبب طرقها الوعرة، إذا ما واجهت سيارة مشكلة فنية، خاصة في فصل الشتاء، يكون على قائدها الانتظار لساعات حتى تصله خدمة التصليح المتنقلة من تبريز. تفكيري تجاوز البحث عن فرصة عمل إلى السعي لخلق فرص عمل لآخرين من أبناء مدينتي، وقد حصلت بعد جهد دؤوب استمر 18 شهراً، على تصريح لتأسيس شركة تصليح سيارات".
تشكل شركة جيلا قهرمانية لتصليح السيارات حالياً مصدر رزق لـ 10 أشخاص، من بينهم ميكانيكي متنقل، وعمل الشركة مزدهر في المنطقة، وتحظى بثقة كثير من المواطنين.
تزوجت جيلا لفترة قصيرة، وهي تعيل حالياً ابنتيها بعد انفصالها عن زوجها قبل عامين، وتؤكد لـ"العربي الجديد"، أن عملها يحظى بإعجاب كبير من سكان المنطقة، وإنهم يزيدون من حماسها لمواصلة العمل، ويمنحونها المزيد من الثبات، رغم أن بعض الأفراد أيضا ينتقدونها بكلمات سخيفة أو سطحية. تضيف: "اخترت هذا العمل، ولا أنتظر من أحد مصادقة، والانتقادات لن تجعلني أتوقف عن العمل، فلا أعيرها اهتماماً، وكل تركيزي منصبّ على أهدافي".
ولا تقارن الانتقادات بحجم الإعجاب الذي تلاقيه الميكانيكية جيلا، والنابعة من أن هذه المهنة ذكورية، بحسب قولها، لكنها تكرر أن "الإنسان إذا أراد شيئا يمكنه أن يصل إليه من دون أن يكون لجنسه علاقة بذلك. في البداية، شعرت أمي بانزعاج كبير عندما كانت تشاهد تلوث يدي بسبب العمل في الميكانيكا، لكن والدي قابل الأمر بشكل مختلف، ورحب من البداية، وأظهر دعمه الكبير، ووالدتي اليوم تدعمني بقوة، وراضية عن عملي. أعمل أكثر من 10 ساعات يوميا، وعطلتي الأسبوعية يوم الجمعة".
وخلفت سنوات العمل في الميكانيكا للشابة الإيرانية ذكريات كثيرة. تقول إنها كلها ذكريات جميلة، ومنها أن "الزبائن من النساء اللاتي يراجعن ورشتي لتصليح السيارات، تبدي بعضهن الرغبة في تعلم المهنة. سيدات المدينة يشعرن بأريحية حينما يراجعن الورشة، ويرين أنني أقوم بتصليح سياراتهن بشكل جيد، بعد أن كانت الفكرة الرائجة أنها مهنة ذكورية".
وتحلم الميكانيكية الإيرانية الشابة بإنشاء ورشة خاصة، كل العاملين فيها من النساء، بهدف المساهمة في خلق مزيد من فرص العمل لعشرات الإيرانيات المبدعات، موضحة أنها ترغب في تخريج جيل من الميكانيكيات الإيرانيات لكسر احتكار هذه المهنة من قبل الرجال، فضلا عن تحقيق الاستقلالية المالية لهن، والهدف الآخر الذي تسعى إلى تحقيقه هو إتقان جميع مهارات ميكانيكا السيارات، ثم الانتقال إلى تصليح الطائرات. "يجب أن يكون الإنسان كالماء.. يجري باستمرار من دون ركون أو توقف".
لم تتوقف جيلا عن ممارسة رياضة الكيك بوكسينغ، لكن بشكل أقل بعد إصابة في ركبتها. وإلى جانب ذلك، تمارس هواية قيادة الدراجات النارية المحظورة على النساء في إيران، وإن لم ينص على ذلك القانون بوضوح، فشرطة المرور ترفض إصدار تراخيص قيادة الدراجات النارية للنساء. إضافة إلى هوايات أخرى، من بينها تسلق الجبال، وهي تدعو الإيرانيات إلى الاهتمام بمواهبهن، وعدم تجاهلها، والمثابرة لتحقيق ما يصبون إليه من أهداف في الحياة.