تعيش غالبية قرى وواحات الجنوب الليبي في ظل غياب شبه كلي للخدمات التي تتوفر في مدن أخرى في البلاد. يتركز الإهمال في مناطق الأقليات الليبية التي تعاني من تهميش من جانب حكومتي البلاد على حدّ سواء، وهو ما أجبر السكان على الاستعانة بالمنظمات الدولية لإنقاذها.
بحسب الإحصاءات الرسمية الليبية، فإنّ 500 ألف نسمة يعيشون في مناطق الجنوب، موزعين بين المدن الكبيرة، مثل سبها وأوباري وغات والكفرة، بالإضافة إلى عشرات القرى. وفي هذا الإطار، يؤكد حسن مينا، أنّ معظم الليبيين "لم يسمعوا بهذه القرى، ومنها القطرون والزيغن وسمنو ومكنوسة والعيونات وتقرطين وتسمه وغيرها". وهي القرى التي يصل إليها المسافر عبر مسارب ترابية في الأغلب، تربطها بالمدن الكبيرة كما تربطها بمناطق دول الجوار الليبي لقربها من الحدود التي تربط البلاد بتشاد والنيجر. ويؤكد مينا، وهو من أعيان منطقة القطرون، لـ"العربي الجديد" أنّ المسؤولين في أغلب هذه المناطق بالرغم من تغير المسميات الإدارية الرسمية لم ينفكوا عن التواصل مع حكومتي ليبيا، طوال أعوام أزمة البلاد، بهدف إزاحة العراقيل التي تحدّ من وصول الخدمات والدعم إلى مناطقهم، لكنّه يؤكد أنّ السلطات لم تتجاوب ولم تمنح سوى الوعود.
قبل أيام، افتتح أعيان قرية القطرون بصحبة موظفي منظمة الهجرة الدولية حديقتين عامتين توفران للأطفال متنفساً بعدما "كانت رمال الصحراء متنفسهم الوحيد" وفق تعبير مينا. وتأسست الحديقتان بدعم من منظمات إنسانية إيطالية بالتعاون مع الصندوق الإنمائي الأوروبي. كذلك، نقل خبراء المنظمات الإنسانية الدولية عينات من المياه الجوفية التي يستهلكها سكان قرية تجرهي، المجاورة للقطرون، إلى مختبرات متخصصة بعدما لوحظ تغير في طعمها وزيادة في ملوحتها. ويؤكد مينا أنّ تلك الجهود أسفرت عن تركيب وتشغيل مضخة كهرباء للمنطقة، أخيراً، ستوفر كميات من مياه الشرب من خلال وصولها إلى مياه أكثر نقاء في أعماق جوفية بعيدة.
وتعاني قرية أم الأرانب بدورها، من غياب كلي للكهرباء والوقود وغاز الطبخ، منذ أكثر من عام، بالرغم من أنّها ومناطق الجنوب تعيش فوق بحر من النفط. يقول مصطفى قالمه، عضو المجلس التسييري للمنطقة: "يمكن ببساطة أن تلاحظ أنّ أكثر مواقع إنتاج النفط تقع في الجنوب، ولولا الطرقات التي يتطلب نقل النفط رصفها لما كانت في الجنوب طرقات مرصوفة أساساً" فضلاً عن تردي خدمات الصحة والاتصالات وأمن الطرقات الواصلة بالمدن الكبيرة التي تُجلب السلع الغذائية عبرها. يتحدث قالمه لـ"العربي الجديد" عن ازدهار السوق السوداء في مناطق جنوب ليبيا، مشيراً إلى أنّ الغاز المنزلي تتضاعف أسعاره عشر مرات عن السعر الرسمي، بينما يباع اللتر الواحد من البنزين بخمسة أضعاف سعره الرسمي، ويقول: "نعم، قد يكون تردي الخدمات هنا قديماً، لكنّ أزمة الغلاء وشح المواد زادت من سوء حياتنا بالرغم من أنّنا بدأنا التعايش مع الأوضاع الحالية". لا يطلب قالمه غير توفير الأمن، ويوضح: "كانت الآمال مرتفعة، فقد طالبنا قبل خمسة أعوام بالموافقة على تطوير مطار قاعدة عسكرية مهجورة في الجنوب، كان سيوفر على السكان آلاف الكيلومترات للوصول إلى المدن الكبيرة في الشمال خصوصاً الحالات المرضية، وكنا سنطوره لو جرت الموافقة، بجهود ذاتية، لكنّ مخاوف المتصارعين أوقفت جهودنا". يضيف: "هذا مثال من أمثلة كثيرة استبدلناها، فبتنا اليوم لا نطلب أكثر من توفير الأمن خوفاً من العصابات المسلحة التي تتاجر في كلّ شيء هنا، بما فيها تهريب البشر، واعتراض سبيل المارة على الطرقات الصحراوية".
ويعيش مئات المشردين بسبب الحروب والنزوح من مناطق التوتر في الجنوب، في مساكن عشوائية في سبها، التي تعد أكبر مدن الجنوب، ما حدا بالقيادات القبلية إلى طلب الإغاثة الدولية. وفي يوليو/ تموز 2019، أعلنت ألمانيا والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عن التبرع بثلاثة ملايين يورو لدعم مشروع محلي لإسكان المشردين في سبها والقطرون. ويؤكد عضو جمعية التيسير الأهلية الخيرية، حسن بركان، أنّ ذلك كان ثمرة جهود واتصالات خيرين من أبناء الجنوب بالمنظمات الدولية. يقول بركان لـ"العربي الجديد" إنّ أغلب المساعي للاستعانة بالجهود الدولية تفشل بسبب غياب الدولة في جنوب البلاد وهو الشرط الاعتيادي للجهات الإغاثية الدولية التي تبحث عن شريك رسمي لها. لكنّه يعدد المرات التي نجحت فيها الجهود الأهلية في الحصول على دعم دولي، قائلاً: "صندوق تحقيق الاستقرار في ليبيا الأممي تمكن في مرات قليلة من دعمنا بمضخات مياه لبعض الكليات والجامعات وأخرى بمضخات شفط، قدمت لشركة الصرف الصحي للمساعدة في التغلب على كارثة تهالك شبكات الصرف الصحي". ويشير أيضاً إلى وصول مساعدات إغاثية من منظمة الهجرة الدولية إلى أكثر من 3500 نازح في مارس/ آذار الماضي، وهو نزوح نشأ من جراء اقتتال اندلع بين بعض القبائل. كذلك، تمكنت بلدية غات من تجاوز اقتحام السيول بيوتها العام الماضي بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بــ 2.9 مليون دولار، مقابل كميات قليلة من الإغاثات التي وصلت من حكومتي البلاد.