شهدت محافظة السويداء، جنوبي سورية، ثلاث جرائم قتل متعمّدة مختلفة الأسباب في أقلّ من أسبوع، راح ضحيّتها ثلاثة شبّان، فيما تمكّن الجناة من التواري عن الأنظار من دون أن تحرّك أجهزة النظام السوري ساكناً في محافظة تشهد منذ أكثر من شهرَين تظاهرات حاشدة تطالب بالتغيير السياسي وبإقامة "دولة العدالة".
وقد وقعت آخر تلك الجرائم في بلدة الكفر، جنوبي المحافظة، أمس الأربعاء، إذ قُتل الشاب ماجد الحمد بطلقات نارية على أثر خلاف نشب بينه وبين اثنَين من أقاربه، من دون معرفة الأسباب الحقيقية للخلاف. أمّا الجريمتان الأخريان، فإحداهما وقعت في مدينة السويداء والثانية في بلدة ملح (شرق)، وقد وقع ضحّيتهما الشابان صفوان الأحمد ونوّاف علوم.
ولعلّ القاسم المشترك بين الجرائم الثلاث هو تمكّن الجناة فيها من الفرار من وجه العدالة، إمّا هرباً بعد ارتكاب الجريمة وإمّا لجوءاً إلى أعراف اجتماعية تُعرَف بـ"الجلوة" ويُصار في خلالها إلى ترحيل الجاني. يُذكر أنّ هذا الحلّ العشائري يزيد الأمور تعقيداً، نظراً إلى ما يجلبه في العادة من استجرار لإهراق الدماء بدافع الثأر.
وتأتي هذه الحوادث الثلاث بالتزامن مع استمرار الاحتجاجات المطالبة بالتغيير السياسي والانتقال السلمي للسلطة في البلاد، وهي تثير الحزن بين أهالي المحافظة عموماً والمشاركين في الاحتجاجات خصوصاً، لا سيّما أنّ الجريمة غابت في المحافظة مع بداية الحراك الذي كان منظّموه يحرصون على أمن المحافظة منذ انطلاقه. وقد شكّل هؤلاء لجاناً في أحياء المدن والقرى، استطاعت تطويق أحداث السرقة والخطف وجرائم عدّة وكذلك منعها، وألقت القبض على أفراد من مجموعات مخرّبة وسلّمتهم إلى الضابطة العدلية.
ويرى عدد من المواطنين أنّ مثل هذه الجرائم تأتي كنتيجة لتخلّي قوى الأمن الجنائي التابع للنظام السوري عن مسؤوليتها وعدم الإسراع في إلقاء القبض على الجناة من دون أيّ مبرر للتقصير، وذلك بذريعة الفوضى في المحافظة، في إشارة إلى الحراك السلمي.
ويقول الناشط هاني عزام لـ"العربي الجديد" إنّ "الحوادث الجنائية التي وقعت مؤسفة بالفعل. لكنّ الجرائم تأتي كنتيجة طبيعية للواقع الأمني لمحافظة السويداء، في ظلّ الغياب المفتعل للضابطة العدلية"، شارحاً أنّ "الرادع غير متوفّر أو بالأحرى مغيّب، وهذا التغييب مقصود".
وعن احتمال أن تؤثّر حوادث مماثلة على الحراك، يوضح عزام أنّه "قد يكون ثمّة تأثير بسيط، لكنّني أعتقد أنّه سرعان ما سوف يزول. فالحراك ليس طرفاً في صراع مسلح، وقد ثبت ذلك لجميع أبناء المحافظة، وأظنّ أنّ ذلك قد يعزز الحرّاك من خلال انضمام حملات مناصرة إلى صفوفه تطالب بتفعيل دور الضابطة العدلية وتعزيزها لتحقيق العدالة، لا سيّما أنّ حملات مماثلة كانت قد خرجت مرّات عدّة في السنوات الماضية في تظاهرات مستقلة".
في سياق متصل، تقول الحقوقية سلام عباس لـ"العربي الجديد" إنّ "من الضروري أن يتوجّه الحراك إلى تخصيص حملة مناصرة تطالب بتطبيق العدالة ومحاسبة الذين ارتكبوا جرائم قتل، وتطالب كذلك بكفّ يد الأجهزة الأمنية عن التحكّم بمفاصل الأمور القضائية".
وتدعو عباس منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام المحلية إلى "إعادة إحياء حملات المناصرة الخاصة بهذا الجانب، من خلال اندماجها بالحراك القائم. بذلك تكتسب قوة الحراك وتعزّزه في الوقت ذاته بمطالب قانونية هي الجوهر للتغيير".
ومن الناحية الاجتماعية، يرى الناشط علي الحسين أنّ "الحراك لم يتأثّر منذ بدايته سلباً بما يحدث من مشكلات، بل بخلاف ذلك هو يمثّل طرفاً فاعلاً في حلّها اجتماعياً وقانونياً". ويعطي "العربي الجديد" مثالاً على ذلك، قائلاً: "وقعت جريمة قتل في مدينة شهبا بالتزامن مع أوّل أيام الحراك، فكان للحراك موقف في اتّخاذ قرار حلّ المسألة التي انتهت بصلح بين عائلتَي القاتل والمقتول وتسليم القاتل نفسه إلى الشرطة".
تجدر الإشارة إلى أنّه على مدى أعوام الحرب السورية، انتشر السلاح العشوائي في محافظة السويداء، وقد قابله تشكّل عصابات مدعومة من الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري راحت تخطف وتنهب وتبتزّ السكان في المحافظة، حتى عمدوا بمعظمهم إلى شراء أسلحة بحجّة الدفاع عن النفس وسط وقوف القوى الأمنية على الحياد.