جرائم سورية... شكاوى وسط الفلتان الأمني وتردي المعيشة

10 ابريل 2021
الجريمة تنتشر في البلاد (محمود سعيد/ الأناضول)
+ الخط -

 

على الرغم من الخصوصية السورية، فإنّ نسب الجرائم في هذه البلاد ارتفعت في خلال العقد الأخير تماماً كما الأمور في العادة في أيّ بلد يعاني أزمات تختلف طبيعتها. والجرائم لا تُحصر في منطقة دون أخرى.

يأتي تراجع مستوى الأمان وازدياد انتشار الجريمة ثقيلَين على السوريين الذين يتشاركون المآسي، على الرغم من توزّعهم اليوم على كامل المناطق السورية تحت سلطات أمر واقع مختلفة ومتناحرة. وتقهقر سلطة القانون والانتشار العشوائي للسلاح بالإضافة إلى الاتجار بالمخدرات وتعاطيها، كلّ ذلك يترافق بمعاناة شديدة من جرّاء تردي الأوضاع الاقتصادية وتراجعها إلى مستويات غير مسبوقة، خصوصاً مع مضي أكثر من 10 سنوات غرقت فيها البلاد سنة بعد أخرى في أسوأ كارثة منذ الحرب العالمية الثانية في النصف الأول من القرن الماضي.

لا يخفي شاهر عوض صدمته من الوضع الأمني الذي وصلت إليه دمشق، ويقول لـ"العربي الجديد" إنّه "عندما يعمّ الخراب تسقط الأخلاق والقيم". يضيف أنّه في دمشق، كان صاحب دكان مثلاً، سواء أكان كبيراً أم صغيراً، يترك بضائع في خارجه من دون أن يخشى على رزقه. ويتابع عوض أنّ "حتى البسطات أو عربات الباعة الجوّالين، كان يكفي أن يغطّيها أصحابها قبل تركها في الشارع. لم يكن أحد ليفكّر في مدّ يده صوبها. أمّا اليوم فقد تغيّر كلّ شيء". بالنسبة إلى عوض، فإنّه "منذ بداية الثورة واستعداء النظام للناس، راح الأمان يغيب عن دمشق وعن هذه البلاد. فصار أيّ شخص معرّضاً إلى الاعتقال من دون أن يعلم السبب. كذلك صار الجميع معرّضاً إلى السلب والقتل على أطراف دمشق، فيما راحت تعفّش وتنهب أملاك السوريين في وضح النهار من دون حسيب أو رقيب. حتى السلب راح يطاول السيارات المحمّلة بالبضائع أو حتى تلفاز تحت مسمّى الإكرامية أو الحلوان. وكل هذا يحصل في غياب هيبة القانون. وقد وصلنا إلى وقت لا يستطيع الشخص فيه أن يبعد نظره عن دراجته النارية أو الهوائية، أو أن يترك باب المبنى السكني مفتوحاً حتى لا تسرق مضخات المياه مثلاً. ومن يتابع وسائل الإعلام يدرك أنّ جرائم السرقة والخطف والمخدرات صارت أخباراً يومية".

الصورة
حياة يومية في سورية 1 (محمود سعيد/ الأناضول)
(محمود سعيد/ الأناضول)

وفي الجنوب السوري، على بعد عشرات الكيلومترات من دمشق، يبدو الوضع الأمني في أسوأ أحواله كذلك. ويعيش سكان محافظة درعا على وقع عمليات الاغتيال والترهيب الأمني التي يمارسه النظام، ما يحرم المجتمع من الشعور بالاستقرار. ويقول الناشط أبو محمد الحوراني لـ"العربي الجديد" إنّ "الاغتيالات تزايدت في الآونة الأخيرة بعدما زادت خروقات النظام بشكل كبير، علماً أنّ جرائم قتل وخطف تُرتكب من قبل أطراف الصراع كلها". يضيف الحوراني أنّ "الحصار يتسبّب في تردي الوضع المعيشي وانتشار البطالة، ما يؤدّي إلى ازدياد الأعمال غير المشروعة".

وفي الجارة السويداء، يشعر الأهالي بتردّي الوضع الأمني بشكل واضح، فهو صار اليوم أمراً مقلقاً لمختلف القوى والمرجعيات المحلية، وإن حُمّل النظام المسؤولية الكاملة عن الوضع الأمني المتردي الذي تعيشه المحافظة. ويؤكد الناشط أبو جمال معروف (اسم مستعار) لـ"العربي الجديد" أنّ "الخطف المنظم انتشر في السنوات الأخيرة بشكل كبير، والمتّهمون المعروفون من قبل المجتمع هم بمعظمهم يحملون بطاقات أو وثائق تسهيل مهمات تسمح لهم بالتجوّل بحريّة". يضيف أنّ "التراجع المسجل في الوضع المعيشي وانتشار البطالة يدفع إلى تورّط بعض الأشخاص بأعمال خارجة عن القانون، منها التجارة بالمواد المخدّرة والسرقة، في حين يغيب القانون بشكل كامل. وتمتنع الضابطة العدلية والشرطة عن ملاحقة المجرمين وذلك بقرار من النظام، في حين يلاحَق الناشطون وأصحاب الرأي عبر إجراءات أمنية ودعاوى قضائية على خلفية تهم من قبيل النيل من هيبة الدولة".

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

أمّا في الساحل السوري، فيشكو الأهالي من انتشار السلاح والفوضى الأمنية وتغوّل المليشيات على المجتمع، بالإضافة إلى ارتفاع نسب جرائم الخطف والاتجار بالمخدرات، بحسب ما يقول كريم وهو ناشط من محافظة اللاذقية فضّل عدم الكشف عن هويته. يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "المجتمع بمعظمه اليوم مسلح، وأيّ خلاف قد يتحوّل إلى تبادل لإطلاق نار وسقوط قتلى وجرحى. ومن اعتاد القتل والتعفيش فإنّه يسعى وراء المال بأيّ طريقة، لذا فهو قد يسلب أو يخطف أو يتاجر بالمخدرات". ويشير الناشط نفسه إلى أنّ "في مناطق كثيرة اليوم، يخشى الناس انتشار أخبار تتعلق ببيع أرض أو عقار أو سيارة، إذ قد يوحي ذلك بأنّهم يملكون المال، بالتالي قد يتحوّلون مع أفراد أسرهم إلى أهداف للخطف". ويضيف أنّ "المشكلة اليوم تكمن في أنّ القانون غائب، والمتّهمون بارتكاب تلك الجرائم يملكون غطاءً يجعلهم فوق القانون، عبر انضمامهم إلى مليشيات أو التعاقد مع أفرع أمنية. وهذه حال شبان كثيرين ممّن يعانون أوضاعاً اقتصادية واجتماعية سيئة وممّن فقدوا آباءهم في الحرب".

وفي الإمكان تلمس تردي الوضع المعيشي وانتشار البطالة، ما يؤدّي إلى ازدياد الأعمال غير المشروعة هذا ما يقوله زياد بيطار من ريف إدلب لـ"العربي الجديد"، شارحاً أنّ "الجرائم في ازدياد مستمر، وفي كل يوم نسمع بوقوع جريمة جديدة قتل هنا وسلب هناك وخطف في مكان آخر. والخطر الأكبر هو أنّ جزءاً من هذه الجرائم يطاول الأطفال والنساء". يضيف بيطار أنّ "هذا الواقع الأمني المتردي يترك أثراً كبير في المجتمع، إذ يفقده الإحساس بالأمان. فتجد الأشخاص يتحاشون الخروج من منازلهم أو التنقل بمفردهم في أوقات متأخرة، خصوصاً إذا كانوا معروفين بأنّهم يملكون مالاً لسداد فدى قد يطلبها خاطفون". ويرى بيطار أنّ "الجريمة ازدادت نتيجة عدم تطبيق عقوبات رادعة. وفي الوقت الحالي، في حال ألقي القبض على لصّ أو قاتل، تجده يعمد إلى دفع رشوة قبل أن يخرج ليتابع أعماله غير المشروعة. وثمّة جهات تنتحل صفة فصائل محلية لإقامة حواجز أمنية يُرتكب عندها الخطف والسلب". ويلفت بيطار إلى أنّ "الوضع الاقتصادي في المنطقة بشكل عام سيّئ. لكن وإن كان ذلك سبباً لتورّط بعض الناس في أعمال إجرامية، إلا أنّ الأخيرة تحوّلت إلى مهنة ومصدر دخل. وثمّة عصابات تستغل الأموال التي تجمعها لتوسيع أعمالها الإجرامية من قتل وخطف، إلى جانب السرقات الصغيرة من قبيل سرقة الدراجات النارية والسيارات والهواتف المحمولة".

الصورة
حياة يومية في سورية 3 (لؤي بشارة/ فرانس برس)
(لؤي بشارة/ فرانس برس)

من جهته، يقول المحامي أبو حسن عليطو من ريف حلب لـ"العربي الجديد" إنّ "الفقر والجهل من أبرز أسباب انتشار الجريمة، فبيئاتهما ملائمة لتفشّي أمراض اجتماعية خطيرة. وتكثر بالتالي جرائم الاعتداء على الأموال والممتلكات والأشخاص، بالإضافة إلى جرائم المخدرات التي تُعَدّ من الجرائم الخطيرة جداً في المجتمع". يضيف أنّ "لانتشار الجريمة أثراً عميقاً في الأطفال كذلك، إذ سوف ينشأ جيل يحمل عقداً. والنساء من الشرائح المتضررة بشكل كبير، وقد يدفعهنّ الأمر إلى البحث عن أمنهنّ وأمانهنّ من دون اعتبار لأيّ أمور أخرى". ويتابع عليطو أنّ "الآثار المدمرة لانتشار الجريمة لا تُخفى على أحد. ونتحدّث عن فقدان الفرد ثقته بسلطة القانون وتحوّل المجتمع لاحقاً إلى شريعة الغاب، خصوصاً مع انتشار السلاح غير المنضبط. أمّا بالنسبة إلى مكافحة الجريمة، فنحن جميعاً مطالبون كأفراد وجماعات ومؤسسات بالاهتمام بالتعليم الرسمي أوّلاً وبنشر الثقافة والتوعية. وهنا أودّ التأكيد أكثر على ضرورة الاهتمام بالتعليم والصحة وتوفير سبل العيش وضبط السلاح المنفلت. من شأن ذلك أن يساهم بخفض معدلات الجريمة إلى حين تنتهي الأزمة السورية وتُبنى دولة جديدة وقضاء عادل وتُصان سيادة القانون".

تجدر الإشارة إلى أنّ سورية تصدرت قائمة الدول العربية بحسب مؤشر الجرائم الأخير الخاص بموقع "نومبيو" المختص في الأبحاث وتصنيف الدول، في حين حلّت تاسعة على المستوى العالمي. وقد حلّت مدينة دمشق، في عام 2021، في المرتبة الثانية في ما يخص ارتفاع معدل الجريمة في الدول الآسيوية بعد مدينة كابول في أفغانستان. وسجّل مستوى الجريمة في سورية 68.09 نقطة من أصل 120 نقطة، في حين انخفضت نسبة الأمان إلى 31.91 في المائة.

المساهمون