جرائم الأردن... محاولة لفهمها وضرورة تطوير قانون العقوبات

03 يناير 2022
قد يكون الصغير معرّضاً كذلك إلى جريمة بشعة (أيسو بيتشر/ الأناضول)
+ الخط -

 

بينما لا تبدو جرائم القتل هائلة في الأردن لجهة الكمّ، إلا أنّ نوعيّتها تثير الاستهجان والقلق، لا سيّما مع تلك المسجّلة أخيراً. ويرى أهل الاختصاص ضرورة إعادة قراءتها من كلّ جوانبها والتوقّف عند دوافعها.

شهد المجتمع الأردني في الفترة الأخيرة عدداً من الجرائم البشعة والغريبة. ففي العاشر من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، في أحد شوارع العاصمة الأردنية عمّان، أقدم مواطن على ارتكاب جريمة مروّعة في حقّ امرأة سوريّة تُدعى مريم محمد تبلغ من العمر 27 عاماً وتعمل في أحد صالونات تجميل السيدات. فقد استهدفها بأكثر من 15 طعنة توزّعت في الصدر والظهر والكتفَين والرقبة، الأمر الذي أدّى إلى وفاتها، علماً أنّها تعيش في الأردن مع أسرتها منذ أكثر من 35 عاماً. وقد أُلقي القبض على القاتل بحسب ما أفادت مديرية الأمن العام الأردنية، مع الإشارة إلى أنّ والد الضحية كان قد تقدّم قبل مقتلها ببلاغ إلى القوى الأمنية حول تهديد تتعرّض إليه.

وقبل ذلك بفترة، وقعت جريمة قتل مروّعة في منطقة غور الأردن، إلا أنّ الضوء لم يُسلط عليها في حينه. وفي التفاصيل، قام شخص بقتل شقيقه طعناً بالسكين، وبعدها وضع جثته في برميل وحرقها لتصل إلى درجة التفحّم بهدف إخفاء جريمته، وذلك بسبب خلاف بينهما. كذلك لقي شابان قبل أشهر حتفهما طعناً على يد جارهما البالغ من العمر 24 عاماً في محافظة إربد بشمالي الأردن، فيما تعرّض والدهما إلى جروح خطيرة.

وحتى اليوم، لم تغب جريمة فتى الزرقاء عن الأذهان والتي صدر الحكم فيها على الجناة في مارس/ آذار الماضي. ففي خلالها عمد عدد من الأشخاص إلى اختطاف فتى يدعى صالح حمدان يبلغ من العمر 16 عاماً، قبل أن يبتروا يدَيه ويفقأوا إحدى عينَيه ويلقوه في الشارع غارقاً بدمائه.

الصورة
رجال أردنيون في عمّان في الأردن (أيسو بيتشر/ الأناضول)
أخبار الجرائم تتوالى في الأردن (أيسو بيتشر/ الأناضول)

وقد كشف مساعد مدير الأمن العام لأمن الأقاليم العميد أيمن العوايشة في تصريحات صحافية أخيرة عن جريمة قتل واحدة فقط لم تتكشّف بعد ملابساتها من أصل أكثر من 80 جريمة وقعت منذ بداية عام 2021 الماضي حتى 31 أكتوبر/ تشرين الأول منه. يُذكر أنّ التقرير الإحصائي الجنائي لعام 2020 الصادر عن إدارة المعلومات الجنائية في الأردن، كشف عن وقوع 90 جريمة قتل عمداً وقصداً، إلى جانب تسع جرائم ضرب أفضى إلى الموت، مبيّناً أنّ عدد الجناة في جرائم القتل العمد والقصد بلغ 201 شخص فيما بلغ عدد المجنى عليهم في هذه الجرائم 99 شخصاً.

وكان الأردن قد شهد في عام 2019 زيادة ملحوظة في جرائم القتل، بحسب تقرير أمني، بنسبة 32 في المائة، إذ سجّلت البلاد 118 جريمة قتل مقارنة بـ 89 جريمة قتل في عام 2018. وقد ارتكب الشباب في الشريحة العمرية الممتدة ما بين 18 و37 عاماً نحو 64 في المائة من تلك الجرائم، وكانت الخلافات الشخصية والعائلية السبب المباشر في نحو 79 في المائة منها في ظلّ غياب لغة الحوار. وشكّلت الأسلحة النارية والأدوات الحادة ما نسبته 76 في المائة من الأدوات المستخدمة في تنفيذ الجرائم.

وبحسب الإحصاءات الرسمية، فإنّ جرائم القتل بأنواعه (القصد والعمد والضرب المفضي إلى الموت) والمرتكبة في عام 2018 هي الأقلّ منذ عام 2008 (أي في عقد من الزمن)، وهي أقدم الإحصاءات المنشورة. فقد ارتُكبت 89 جريمة قتل في ذلك العام، فيما ارتُكبت 127 جريمة في عام 2017، و133 في عام 2016، و159 في عام 2015، و176 في عام 2014، و144 في عام 2013، و153 في عام 2012، و133 في عام 2011، و109 في عام 2010، و91 في عام 2009، و100 في عام 2008.

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

عوامل متعددة

في هذا الإطار، يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة مؤتة رامي الحباشنة لـ"العربي الجديد" إنّ "المعطيات الجديدة الخاصة بالأردن في السنوات الأخيرة تستوجب إعادة قراءة، خصوصاً تلك التي تتعلّق بالجرائم غير المألوفة وأساليبها، مع ضرورة توفّر قراءة جديدة للعوامل المسبّبة لتلك الجرائم وطبيعتها الجديدة". يضيف الحباشنة أنّه "بالنسبة إلى العوامل التي تتعلّق بالجرائم، فهي متعددة"، شارحاً أنّ "الاعتماد على عامل واحد تقليدي لتحليل تلك الجرائم غير كافٍ. فعند تحليل الجرائم، يجب النظر إلى نوعَين من العوامل، الأوّل يتعلّق بالردع ويتضمّن كلّ العقوبات التي يمكن أن تخلق ردعاً في داخل أيّ فاعل اجتماعي (كلّ شخص يفكّر في الإقدام على جريمة)، بالإضافة إلى تحديد ما إذا كانت العقوبات الحالية مناسبة ورادعة أم في حاجة إلى تعديلات". 

أمّا النوع الثاني بحسب الحباشنة فهو "عوامل متشابكة ومعقّدة يُعوَّل عليها في تفسير الظروف البيئية التي تحيط بالجاني، وهي محاولة تخفيف الضغوط. وأبجديات علم الجريمة تشير إلى ضرورة توفّر شكلَين من الاحتواء للفاعل، فالاحتواء الداخلي يرتبط بالإنسان نفسه الذي يكون صورة لذاته في أثناء التنشئة في العائلة والمجتمع. وأيّ صورة إيجابية تتشكّل من سنّ 10 أعوام وأيّ خلل في هذه الصورة الذاتية سوف يؤدّيان إلى خلل وجرأة في ارتكاب أيّ نوع من الجرائم، وذلك لاعتقاده بأنّه شخص غير صالح اجتماعياً. أمّا الاحتواء الخارجي فيرتبط بعلاقات الناس الاجتماعية ودرجة الرضا عن الظروف المعيشية للمجتمع والأفراد، بالإضافة إلى أمر لا يمكن إغفاله وهو الصراع والعدوانية في داخل العائلات واللذَان يواجَهان في الأغلب بصمت اجتماعي ولا يظهران إلا عند وقوع أمر جلل".

ويربط الحباشنة كذلك ما بين "الجريمة والإحباط والملل التي تصيب أشخاصاً بحدّ ذاتهم، بسبب فشلهم في تحقيق الأهداف الإيجابية التي وضعوها لأنفسهم"، مشدداً في هذا الإطار على ضرورة تضافر عمل كلّ المؤسسات لإخراج مواطن متوازن، وإلا فإنّ الأنماط البشعة للجريمة لا تعود مستغربة". ويرى الحباشنة أنّ "مواقع التواصل الاجتماعي تنقل ثقافة الناس وتكشف المستور في المجتمع. وما يُنشر على تلك المواقع يعكس حضور الناس في الحياة، علماً أنّها تساهم بالردع، خصوصاً عند النشر عن الجرائم وبشاعتها والعقوبات التي يلقاها الجناة".

الصورة
زحمة في شارع في عمّان القديمة في الأردن (أرتور فيداك/ Getty)
الجرائم قد تقع في كلّ مكان وزمان (أرتور فيداك/ Getty)

لا جريمة من دون دافع

في سياق متصل، يقول الخبير في القضايا الأمنية فراس الطلافحة لـ"العربي الجديد" إنّ "نسبة الجريمة في الأردن لم تصل إلى حدّ الظاهرة وما زالت الأمور مطمئنة ومن ضمن النسب العالمية، وما زال الأردن يُعَدّ من الدول الآمنة. لكنّ ما يثير الخوف والقلق هو نوعية الجرائم التي تُرتكب الآن، وطريقة ارتكابها، والسادية التي تسيطر على مرتكبيها حين تنفيذها". ويشدّد الطلافحة على "أهميّة الحدّ من مستوى الجريمة ومحاصرة مرتكبيها عبر دراسة كلّ جريمة على حدة وتحليل دوافعها ومعالجة أسباب هذه الدوافع، خصوصاً الاجتماعية منها، وتطوير قانون العقوبات ليتماشى مع تطوّر الجريمة ومواكبتها حتى تحقّق عقوبة الردع بشقّيه الخاص والعام". 

ويدعو الطلافحة إلى "متابعة الأهل للأبناء، والتحاور معهم، وحلّ مشكلاتهم بعقلانية وبعيداً عن التعصب، واحتوائهم، ومراقبة سلوكهم وما يطرأ عليه، والإسراع بفصل القضايا، وتنفيذ العقوبة بالمحكومين بها، وتذليل جميع الصعوبات التي تحول دون ذلك". ويؤكد الطلافحة أنّ "لا جريمة من دون دافع لارتكابها. من النادر جداً أن نجد جريمة بلا دافع أو غاية أو سبب. وإن وُجِدت فهي تكون نتيجة اضطرابات وأمراض نفسية أفقدت المصاب قدرته على التحكّم بأفعاله وقدرته على إدراك النتائج بعد ارتكاب جريمته، وهي حالات انفعالية تطرأ نتيجة تلك الأمراض والاضطرابات".

ويتابع الطلافحة أنّ "ثمّة دوافع تكون سبب ارتكاب المرء جريمته، والدافع هو العنصر الأهم في الجريمة، وهو ما يجب أن يخضع إلى تحليل ودراسة. ومن بين الدوافع، الدافع النفسي الذي يخصّ الجاني وحده ويتشكّل من خلال التنشئة والتربية، وسط تفكك الأسرة وحدوث الطلاق بين الوالدَين، ورفاق السوء، وتعاطي المخدرات أو المشروبات الروحية، وإثبات الذات، والاضطرابات والأمراض النفسية مثل الاكتئاب والقلق والخوف والوسواس القهري والشخصية السيكوباتية وهي الشخصية التي لا يحكمها الضمير أو الندم بعد ارتكاب الجريمة. ومن يحمل هذه الشخصية هو الأخطر على المجتمع، وقد يرتكب أفظع الجرائم". ويحكي الطلافحة عن "الدافع المجتمعي الذي يتشكّل نتيجة ظروف تحيط بالجاني مثل الفقر والبطالة والتفلت الأخلاقي وكذلك الأمني والبيئة التي تساعد على ارتكاب الجرائم".