شكل الروس إحدى أكبر الأقليات الإثنية في مولدافيا، ما يضع اللغة الروسية في أحيان كثيرة كرة في الملعب السياسي للبلاد التي تعيش حالة من المد والجزر بين روسيا والغرب، شأنها في ذلك شأن غيرها من الجمهوريات السوفييتية السابقة. ورغم خسارة الرئيس الموالي لروسيا، إيغور دودون، الانتخابات الرئاسية الأخيرة أمام منافسته الموالية للغرب، مايا ساندو، إلا أنه تمكن قبيل مغادرته قصر الرئاسة من تمرير تعديلات قانونية من شأنها إعادة برامج إخبارية وتحليلية وحوارية إلى أثير التلفزيون المولدافي، بعدما ظل بثّها محظوراً منذ عام 2018، بالإضافة إلى توقيعه قانون اللغات الذي يثبّت صفة اللغة الروسية كلغة للتواصل بين القوميات.
وينص القانون الجديد على "المسؤولية الشخصية للموظفين في حال رفضهم الإجابة عن أسئلة المواطنين باللغة الروسية، ويقتضي أيضاً ترجمة كل أسماء الخدمات والسلع المنتجة في البلاد، وكذلك اللافتات في المؤسسات الحكومية والعامة إلى اللغة الروسية".
ورحبت موسكو بالقانون الجديد، وقد توجه إليها دودون بعد انتهاء فترة صلاحياته. واعتبر رئيس مجلس الدوما (النواب) الروسي، فياتشيسلاف فولودين، أن القانون الجديد يمنح مزايا لسكان الجمهورية، وكذلك للجانب الروسي، لدعم العلاقات معها.
مع ذلك، يرى مدير معهد السياسة الفعالة في مولدافيا، فيتالي أندرييفسكي، أن قانون اللغة الروسية "فارغ من مضمونه"، معتبراً أن دودون وعد به وعمل على تمريره لمجرد نيل أصوات سكان البلاد الناطقين بالروسية. ويقول لـ "العربي الجديد": "هذا قانون فارغ ولن يعمل. كان دودون على علم بذلك، وعمل على تبنيه حتى يصوت له الناطقون بالروسية. يعلم ذلك أيضاً من يطالبون بإلغائه، معتبرين أن الناطقين بالروسية يجب ألا تكون لهم أي امتيازات".
ويشرح أسباب عدم واقعية تطبيق القانون الجديد، قائلاً: "لن يلتزم أحد هذا القانون. ليس بسبب سوء النية، بل بسبب عدم واقعية الأمر، إذ إن غالبية الموظفين الحكوميين مولدافيون، ولا يستطيعون الرد كتابياً بلغة روسية سليمة، ولا يمكن أحداً إرغامهم على ذلك، لأن هذه ليست لغتهم الأم. كذلك إن تعيين المترجمين ليس حلاً، لأنه يستحيل إيجاد هذا العدد الهائل منهم، وليست هناك موارد مالية لدفع أتعابهم".
ويذكّر بأن الوضع في الحقبة السوفييتية كان على عكس ذلك تماماً، إذ إن العديد من المسؤولين والموظفين كانوا من الناطقين بالروسية، رغم أن غالبية سكان الجمهورية كانوا مولدافيين. ويخلص أندرييفسكي إلى أن "دودون لم يتبنَّ القانون لتفعيله، بل لنيل رضا موسكو وحتى يصدق الناطقون بالروسية أنه أراد عمل شيء من أجلهم".
إلى ذلك، يقول المحلل السياسي المولدافي، فيكتور تشوبانو، إنّ إعادة البث باللغة الروسية لها طابع سياسي بامتياز، قائلاً في حديثه لإذاعة "دويتشه فيله" الألمانية: "غالباً ما تُلعَب ورقة اللغة الروسية والقنوات التلفزيونية الروسية قبل الانتخابات. قام دودون بذلك بعدها. ربما حاول أن يظهر ولاءه لموسكو أو سحب البساط من تحت قدمي ساندو".
ولما كانت مولدافيا جمهورية متعددة اللغات والقوميات، أظهر آخر تعداد سكاني أجري في عام 2014 ونشرت نتائجه النهائية في عام 2017، أن عدد سكان البلاد يبلغ نحو 3 ملايين نسمة، واعتبر نحو 75 في المائة منهم أنفسهم مولدافيين، و7 في المائة رومانيين، و6.6 في المائة أوكرانيين، و4.6 في المائة غاغاوزيين (من غاغاوزيا، وهي جمهوريّة مولاوفية تتمتع بالحكم الذاتي، قرب الحدود مع أوكرانيا)، و4.1 في المائة روساً، مشكلين بذلك خامس أكبر مجموعة إثنية.
ووقّع دودون على القانون الجديد في 18 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، أي قبل انتهاء فترة صلاحياته وتنصيب ساندو بأسبوع، ليحل محل القانون السابق الذي ظل سارياً منذ عام 1989 وحتى إقرار المحكمة الدستورية المولدافية بأنه "متقادم" في عام 2018.
وعلى الرغم من توجهاتها الواضحة الموالية للغرب، سعت ساندو منذ مراسم تنصيبها إلى أن تقدم نفسها رئيسةً لجميع المولدافيين، متوجهة بالحديث إلى الأقليات الإثنية بلغاتها الروسية والأوكرانية والغاغاوزية والبلغارية. وكانت ساندو قد فازت في جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وذلك بحصولها على نحو 58 في المائة من أصوات الناخبين، متفوقة على دودون.
قم بخطوة مع مايا ساندو
شغلت الرئيسة المولدافية، مايا ساندو (48 عاماً) منصب وزيرة التعليم بين 2012 و2015، ثم منصب رئيسة الوزراء لبضعة أشهر عام 2019. كذلك، أسست عام 2015 الحركة السياسية الموالية لأوروبا "قم بخطوة مع مايا ساندو" التي تحولت في وقت لاحق إلى حزب "العمل والتضامن"، لتخوض سباق الانتخابات الرئاسية كمرشحة عنه.