جثث مكدّسة لمهاجرين في مستشفيات ليبيا

09 اغسطس 2021
مدفن جماعي لجثث مهاجرين في تاجوراء (فرانس برس)
+ الخط -

 

إلى جانب مكافحة مستشفيات ليبيا فيروس كورونا الجديد، تواجه أوبئة جثث المهاجرين المكدّسة في براداتها. وهي تفرّغ يومياً منذ سنوات بعد تجميعها فترات طويلة، وتأمين تدابير رفع المسؤوليات.

تتكدس جثث مجهولة الهوية في دور موتى تابعة لعدد من مستشفيات ليبيا، في وقت لا تزال البلاد تحاول نفض غبار آثار الحرب التي طاولت غالبية مدنها ومناطقها. وفي الأسبوع الماضي، صرح مدير دار الرحمة بمركز سبها الطبي (جنوب) حسن الزروق أنّ "ثلاجات حفظ الموتى بمستشفى دار الرحمة تشهد تراكماً لجثث مجهولة الهوية، في إطار مشكلة تجددت مرات طوال الأعوام الماضية". وأعلن، في تصريح نشره المكتب الإعلامي لدار الرحمة، أنّ الثلاجات تحتوي على 22 جثة مجهولة الهوية، أي أنّها قاربت سعتها القصوى البالغة 36 جثة. وبعض هذه الجثث موجود في ثلاجة الموتى منذ سبعة أشهر". 

وحذّر الزروق من "احتمال أن يتسبب استمرار بقاء هذه الجثث في إصابة موظفي الدار بأمراض، خصوصاً أنّ بعضها متحلل"، مؤكداً رفض الدار استقبال جثث جديدة من دوائر أمنية تتبلغ بالحوادث المتصلة بمقتل أصحابها أو العثور عليهم في الصحراء المترامية "فهي دخلت في حال طوارئ مرتبطة بتفشي جائحة كورونا في البلاد، خصوصاً في المناطق الجنوبية". 

وفي متابعة للتصريح الذي نشره المكتب الإعلامي لمركز سبها الطبي، يكشف الزروق لـ "العربي الجديد" أن "تكدس الجثث في ثلاجات دار الرحمة لا يحصل للمرة الأولى، ففي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أشرف المركز الطبي في سبها على دفن 28 جثة مجهولة الهوية على مدى ثلاثة أيام، بمشاركة أهالٍ وناشطين ومؤسسات مدنية". ويؤكد أنّ "أزمة الجثث مجهولة الهوية مضاعفة، إذ تستغرق عملية تنظيف الثلاجات في دار الموتى أياماً بسبب آثار تحلل الجثث، وتترك بلا استخدام لأسابيع". 

ويشير الزروق إلى أنّ "مركز دار الرحمة عقد بالتنسيق مع سلطات البلاد أكثر من اجتماع مع ممثلين قنصليين لدول أفريقية لبحث إمكان نقل جثث لمهاجرين. لكن محاولاته اصطدمت في كل مرة بكون الجثث مجهولة الهوية، وأنه لا يمكن معرفة الدول التي يتحدر المتوفون منها، في ظل الافتقار إلى السجلات والوثائق من أي نوع". 

يؤكد الضابط في جهاز مكافحة الهجرة السرية الحكومي، رمضان الشيباني، أن غالبية هذه الجثث تعود الى مهاجرين سريين توفوا لدى تنفيذهم رحلة العبور عبر الصحراء إلى مناطق الشمال، أو قتلوا على يد مليشيات لتهريب البشر. ويوضح في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "مكاتب جهاز مكافحة الهجرة السرية خصصت فرقاً خاصة بدفن جثث موتى المهاجرين بعد بقائها فترات طويلة في ثلاجات الموتى بالمستشفيات، من دون أن تبت الجهات الأمنية في أمرها، في ظل جهلها الهويات". يضيف: "اضطرت بعض هذه الفرق إلى الاستعانة بمؤسسات أهلية ومكاتب تابعة لوزارة الصحة في مناطقها من أجل دفن جثث مهاجرين، كي لا تتحمل مسؤوليتها وحدها، وتضمن توافر شهادات لجهات أخرى على الحوادث التي تعرض لها المتوفون".

معظم الجثث مجهولة الهوية (فتحي نصري/ فرانس برس)
معظم الجثث مجهولة الهوية (فتحي نصري/ فرانس برس)

 ويعاني الجنوب الليبي من انفلات أمني كبير ومقلق، وسط نشاط مهربي البشر الذين يلقون عادة بالمهاجرين الموتى في عرض الصحراء أثناء نقلهم إلى مناطق الشمال. لكنّ زروق يشير إلى ظاهرة أخرى تتسبب في مقتل المهاجرين، ويقول: "تستغل عصابات وأشخاص هؤلاء المهاجرين الخارجين عن القانون في تنفيذ أعمال غير شرعية، منها تشكيل عصابات لسرقة أسلاك كهرباء التي يجبر المهاجرون على العمل لقطعها، ما أوجد ظاهرة العثور على موتى كثيرين تحت أبراج الكهرباء". 

ولا تنحصر مشكلة تكدس الجثث في المستشفيات بتلك العائدة لمهاجرين، بل تشمل أيضاً جثثاً لمتوفين بفيروس كورونا، ما دفعها إلى إطلاق نداءات استغاثة بسبب تكدّس هذه الجثث. ومطلع الأسبوع الماضي، وجهت لجنة مكافحة كورونا في مدينة الزاوية غرب طرابلس نداءً عاجلاً لجميع أهالي المدينة من أجل تسلم جثث أقاربهم المتوفين بالفيروس، رغم أنّها اعترفت بخطورة تسليم هذه الجثث.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

بالتزامن مع ذلك، اشتكى مركز العزل الصحي في مدينة الزنتان (غرب) من تكدس جثث موتى الوباء، وطالب بلدية المدينة بضرورة تقديم الإعانات اللازمة لفرق دفن موتى الوباء، بسبب انعدام السعة في دار الموتى التابعة للمركز من أجل استقبال مزيد من الجثث.

ويرى الطبيب في المركز الطبي بالعاصمة طرابلس، محيي الدين عبد الله في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّ "الجهود قد تتضافر لوضع حلول لتكدس جثث موتى وباء كورونا، باعتباره ظرفاً طارئاً على البلاد، وكذلك جثث الموتى مجهولي الهوية سواء تلك التي تعود لمهاجرين سريين أو التي عثر عليها داخل مقابر جماعية في أنحاء البلاد".

المساهمون