جثث مقابر الباغوز الجماعية تؤرّق شرق سورية

31 أكتوبر 2024
مشهد من الباغوز، شرق سورية، 24 مارس 2021 (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعاني سكان الباغوز من آثار نفسية عميقة بسبب المقابر الجماعية العشوائية التي خلفها تنظيم داعش، حيث تظهر الجثث بين المنازل وعلى الطرقات.
- يعمل عباس أبو النور على انتشال الجثث وتحديد مواقع المقابر، حيث تم انتشال حوالي 150 جثة بدعم من برنامج الفرات ووزارة الخارجية الأميركية، لكن لا تزال هناك مقابر لم تُزال بعد.
- يشير الطبيب الشرعي مشاري الحزوم إلى وجود تقديرات بأكثر من خمسة آلاف جثة، مما يساهم في انتشار الأمراض، ويؤكد على ضرورة التعامل مع هذه المقابر لتحسين الظروف الصحية.

يشكو سكان منطقة الباغوز الريفية بأقسامها الثلاثة، الباغوز الفوقاني والباغوز التحتاني والمراشدة، التابعة لمحافظة دير الزور في أقصى شرق سورية، من المقابر الجماعية العشوائية التي خلّفها تنظيم داعش، ولا سيّما مع ظهور جثث بين المنازل وعلى الطرقات العامة وفي المزارع، على الرغم من مرور أكثر من خمسة أعوام على قضاء قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على التنظيم، بدعم من قوات التحالف الدولي في ربيع عام 2019.

ويعود ظهور الجثث إلى عوامل طبيعية، من قبيل تعرية التربة التي تتسبّب فيها الرياح والمياه الجارية، أو إلى نبش الأرض من قبل حيوانات برية مثل الكلاب الشاردة والضباع، أو إلى أعمال بشرية مثل فلاحة الأرض وتهيئتها للزراعة ولأعمال بناء وغيرها، خصوصاً أنّ الجثث بمعظمها دُفنت على عجل وفي حفر غير عميقة.

ويُعَدّ ظهور جثث مقابر الباغوز تجربة قاسية لمن يشهد ذلك، إذ قد يترك الأمر آثاراً نفسية عميقة ومؤلمة، خصوصاً بين الأطفال أو بين البالغين الذين عايشوا سيطرة تنظيم داعش وما ارتكبه مقاتلوه من عمليات إعدام ميدانية طاولت النساء والرجال، رمياً بالرصاص أو بقطع الرأس بالسكين أو السيف. أمّا الضحايا فهم إمّا منشقّون عن التنظيم وإمّا نساء إيزيديات وإمّا أسرى من القوات الكردية وغيرها وإمّا مدنيون آخرون أُعدموا لسبب أو لآخر.

ومن بين الجثث المدفونة في مقابر الباغوز الجماعية العشوائية، عدد يعود إلى مدنيين قضوا نتيجة قصف قوات التحالف البلدة بطريقة عنيفة في خلال المعارك مع تنظيم داعش، من دون أن يتمكّن أهلهم من دفنهم في مقابر نظامية، بحسب ما يفيد السكان.

عباس أبو النور من سكان الباغوز وهو معنيّ بانتشال الجثث التي تظهر وبتحديد المقابر. يقول لـ"العربي الجديد": "عندما عدنا إلى الباغوز، كانت المقابر الجماعية من ضمن المشاريع التي عملت عليها في المنطقة. وقد انتشلنا ما يقارب 150 جثة منتشرة بين البيوت والمرافق والمدارس"، مشيراً إلى أنّ "العدد الأكبر من الجثث يعود إلى عائلات ومقاتلي تنظيم داعش، من دون أن نتمكّن من معرفة هوية أصحاب الجثث؛ من أيّ بلد أو منطقة أو أيّ معلومة أخرى.

يضيف أبو النور: "بعدما انتشلنا تلك الجثث، خصّص برنامج الفرات المدعوم من وزارة الخارجية الأميركية مقبرة لتلك الجثث. وفي الوقت الراهن، ثمّة خمس مقابر أو ستّ، وكلّ واحدة منها تضمّ ما بين خمسين ومائة قبر". ويتابع: "منذ عودتنا، ومن حين إلى آخر، تحضر منظمة أو جهة مرتبطة بالإدارة الذاتية لشمال شرق سورية، وتطلب منّي الإحداثيات وعدد المقابر، إذ إنّني المعنيّ بالكشف على المقابر".

ويتحدّث أبو النور عن "عدد كبير من المقابر التي أُزيلت، فيما أخرى ما زالت موجودة"، لافتاً إلى "مقبرتَين قريبتَين من إحدى المدارس ومن المستوصف الصحي في البلدة". ويوضح أنّ "المؤسسات البلدية المحلية لا تملك القدرة الفنية للتعامل مع مشكلة المقابر الجماعية، لذا سبق لمنظمات حقوقية دولية عدّة، أبرزها هيومن رايتس ووتش، أن طالبت المجتمع الدولي بتقديم المساعدة إلى فرق محلية تعمل في مجالَي البحث وفتح المقابر الجماعية في شمال سورية وشرقها، من أجل حفظ الأدلّة والقرائن ومتعلقات الجثث من ملابس وأحذية من شأنها المساعدة لمعرفة حجم الجرائم المحتملة والتعرّف إلى الرفات".

في الإطار نفسه، يقول المحامي السوري حسين عبدو لـ"العربي الجديد"، وهو من سكان المنطقة الشرقية، إنّ "في داخل هذه القبور الجماعية أجوبة عن مصير الأشخاص الذين أعدمهم مقاتلو تنظيم داعش الإرهابي، وعن الذين قُتلوا في غارات جوية للتحالف، وكذلك عن المفقودين". وكان تنظيم داعش ينشر الرعب في مناطق سيطرته، من خلال عمليات إعدام ميدانية وحشية وعقوبات يطبّقها على كلّ من يخالف أحكامه أو يعارضه في الساحات العامة". وشرح أنّ ذلك يراوح ما بين "قطع الأطراف والقتل بإطلاق الرصاص أو الرجم بالحجارة أو قطع الرأس بالسكين".

من جهته، يقول الطبيب الشرعي مشاري الحزوم لـ"العربي الجديد": "في البداية، لم نكن نعمل على تحديد هويات الجثث أو جنسها. وكان أصحاب الجثث مجهولين بالنسبة إلينا، وكلّ همّنا إزالتها من بين البيوت ومن على الطرقات ودفنها في مقابر نظامية. وهذا ما حدث بالفعل". وبعد العمل "في تلك المرحلة على ما يظهر للعيان، بدأ العمل على الجثث المدفونة. لكنّ المهمّة لم تنُجَز حتى الآن".

ويلفت الحزوم إلى "تقديرات بوجود أكثر من خمسة آلاف جثة في مقابر الباغوز الفوقاني، آخر جيب لتنظيم داعش. وتُعَدّ هذه المنطقة من أكثر المناطق التي تضمّ مقابر جماعية. وقد دُفنت الجثث فيها بطريقة عشوائية في مناطق زراعية". يضيف أنّ "عدد المقابر في الباغوز الفوقاني والباغوز التحتاني والمراشدة يُقدَّر بـ13 مقبرة جماعية، معظمها بين الأحياء السكنية، باستثناء عدد نُقل من ضمن برنامج الفرات المدعوم من وزارة الخارجية الأميركية في وقت سابق".

ويحذّر الطبيب الشرعي من "انتشار أمراض جلدية ومعوية وتنفسية في المنطقة، من قبيل الليشمانيا وجدري الماء"، مؤكداً أنّ "المقابر الجماعية وعشوائيتها تساهم في زيادة الظروف غير الصحية للسكان، ولا سيّما الأطفال من بينهم".

يُذكر أنّه في 23 مارس/آذار من عام 2019، كانت الباغوز خبراً أوّل في وسائل الإعلام، إذ خرج الرئيس الأميركي حينها دونالد ترامب ليعلن هزيمة تنظيم داعش في آخر جيب مركزيّ له في البلدة المحاذية للحدود العراقية، وذلك بعد معارك طاحنة ما بين التنظيم الذي سيطر على مساحات واسعة من سورية من جهة، وبين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وقوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية ضدّ تنظيم داعش من جهة أخرى.

المساهمون