تونس: ندوة دولية تبحث مشكلة الإفلات من العقاب

23 نوفمبر 2022
ناقش خبراء محليون ودوليون آليات وحلول مشكلة الإفلات من العقاب (العربي الجديد)
+ الخط -

اختتمت الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب قي تونس، اليوم الأربعاء، ندوتها الدولية السنوية السابعة، التي سلطت الضوء على "مشكلة الإفلات من العقاب، الأسباب والحلول"، وانعكاساتها المتعددة على الوضع الحقوقي.

وشارك في الندوة العلمية الدولية التي انتظمت يومي 22 و23 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، خبراء محليون ودوليون، بهدف "التصدّي لهذه الآفة من أجل فهمها بشكل أفضل ومن ثمّ العمل على النحو الأمثل من أجل المساهمة في تشكيل فضاء تكون فيه الأسبقيّة لحقوق الإنسان"، بحسب ما أوضحت الهيئة.

انتهاكات مستمرة

وأكد رئيس الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب في تونس، فتحي الجراي، في مداخلة له، أنه "من المفارقات أن يتم الحديث عن اتساع دائرة حقوق الإنسان وفي الوقت نفسه يستمر طرح مشكلة الإفلات من العقاب"، مبينا أنه رغم المكاسب التي تحققت إلى الآن، إلا أن الانتهاكات وعدم إنصاف الضحايا وجبر الضرر وعدم مثول المتورطين أمام العدالة تمثل عوائق لضمان حقوق الإنسان.

وأوضح المتحدث، أن "هناك مسؤولية تقع على الهيئة للقيام بدور استراتيجي في مواجهة الإفلات من العقاب والنفاذ إلى الأماكن السالبة للحرية، والوصول إلى الملفات بهذه الأماكن"، مؤكدا أن" رصد الانتهاكات وإدانة الممارسات التي يغذيها الإفلات من العقاب ضرورية لتكريس حقوق الإنسان"، داعيا إلى" إقامة حوار مع السلطة، ومزيد من التعاون الوثيق مع الشركاء لوضع حد للإفلات من العقاب وتطوير الطرق في رصد الانتهاكات وبلوغ معاملة إنسانية لائقة تضمن الحقوق".

غياب المحاسبة والمحاكمة العادلة والتغطية على بعض الممارسات يشجع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على ممارسة الانتهاكات ومن ثمة الإفلات من العقاب

وأكد الجراي في تصريح لـ"العربي الجديد " أن" غياب المحاسبة والمحاكمة العادلة والتغطية على بعض الممارسات يشجع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على ممارسة الانتهاكات ومن ثمة الإفلات من العقاب"، مبينا أن" القانون، لو طبق بإنصاف، سينقص عدد الحالات التي تتضمن إفلاتا من العقاب"، مشيرا إلى أن المطلوب نشر ثقافة حقوق الإنسان، فالقانون وحده لا يحد من المشكل.

وأضاف أن "الهيئة تذهب إلى جل مراكز الاحتجاز دون إشكالات، ولكن هناك صعوبات في توثيق بعض الوضعيات الحساسة، فالملاحقة عندما تستمر فترة طويلة من الزمن ينسى الملف الأصلي، وكذلك عندما يكيّف العقاب بطريقة لا تتلاءم والجريمة الأصلية يكون هناك إفلات من العقاب"، مشيرا إلى أن "الأرقام لا تعكس الحقيقة لأنها توثق الحالات التي تصل فقط إلى الهيئة وليس كل الحالات، والهيئة أرسلت نحو 100ملف للجهات القضائية لحالات تتعلق بالتعذيب ولكن لم يحسم فيها بعد، وبعضها عادة تكيّف على أساس أنها عنف أو تبقى معلقة ولا تصدر أحكام باتة بخصوصها وهو ما يؤشر على الإفلات من العقاب".

غياب إطار قانوني ومؤسساتي

من جهته قال رئيس اللجنة الأفريقية للوقاية من التعذيب، حاتم الصايم، إن" العنف الذي يبدأ أثناء عمليات الإيقاف يستمر أثناء الاحتجاز والتحقيق، والاستعمال المتكرر للتعذيب والمعاملات السيئة مع ذوي الشبهة والموقوفين يكون لإكراههم على الاعتراف والشهادة على أنفسهم"، مشيرا إلى أنه" لابد من تعزيز التشريع لتكريس الضمانات الأساسية لذوي الشبهة وتجاوز الثغرات التي يبرزها عدم إنفاذ القوانين".

أما الخبير الدولي في مجال حقوق الإنسان من ليبيا، بسام مصطفى عيشى، فقد أوضح لـ"العربي الجديد " أن "الإفلات من العقاب أصبح سمة ونهجا متبعا في ليبيا، يمارس من قبل السلطات نظرا لغياب إطار قانوني ومؤسساتي، وفي ظل غياب الأمن، وبسبب الضغوطات التي تمارسها بعض المجموعات العسكرية، ولكن الأخطر من ذلك أن الدول الأجنبية التي تدخلت في ليبيا تلعب دورا كبيرا في حماية المجرمين والمجموعات المنتهكة للحقوق للإفلات من العقاب"، مشيرا إلى أن "الممارسات من 2011 في الغارات الجوية والانتهاكات ضد المهاجرين في البحر تعتبر هي أيضا مجرمة في حق المدنيين".

وأوضح المتحدث أن "هذه الدول تمارس الإفلات من العقاب ولابد أن تحاسب"، مؤكدا أن" عدة انتهاكات تحصل كالقتل دون سبب والإعدامات خارج القانون والإخفاء القسري، والاختطاف للمطالبة بفدية، وقتل النساء والعنف وغيرها تمارس في ليبيا في غياب لمؤسسات تجرّم وتحاسب".

وبين أنه "في غياب إرادة سياسية واضحة، تسود ثقافة الإفلات من العقاب، بل تتم مكافأة المجرمين، فيرتقون في مناصب ويتولون إدارات مهمة في الدولة".

لا إفلات من المحاسبة

من جهته، أفاد أستاذ القانون، محمد البكير، من المغرب في تصريح لـ"العربي الجديد "، بأن " العالم ككل يهتم بموضوع الإفلات من العقاب نظرا لخصوصية الملف ولعلاقته بالقانون الذي لا يستقيم أمره إلا إذا كانت هناك قواعد ومحاسبة، والإفلات من العقاب يعني وضع القواعد، ولكن عدم تنفيذها"، مشيرا إلى أن "الخروقات التي ترتكب في بعض الدول تشمل انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، ومعاملات مهينة تحط من الكرامة، وترتكب من قبل بعض الأعوان التابعين للسلطة".

وبين المتحدث أنه "في حالات كثيرة تتم حماية هؤلاء من طرف مؤسساتهم، بدل حماية هيبة الدولة، مؤكدا أن الأسباب معقدة جدا ويمكن الحديث عن سياقات تعود للدولة نفسها، مستدركا" في الدول المستقرة نسبيا كتونس والمغرب مثلا قد تحصل بعض الممارسات ولكنها لا تكون ممنهجة، تبقى ممارسات فردية وغير مقبولة، وتتراوح دوافعها بين عدم الوعي بحقيقة العقد الاجتماعي الذي تقوم عليه الدولة، وأخرى مرتبطة بعدم تحسيس المواطنين بأن السلطة والأعوان في خدمتهم"، مضيفا أن" الحد بينهم هو القانون ولا يمكن لأي طرف تجاوزه أو خرقه فلا يسمح بتعذيب أي شخص مهما كانت الأسباب، وحماية هذه الممارسات وعدم المحاسبة يقود إلى الفوضى".

حقوق مهدورة ونكران لحقوق الضحايا

من جانبها، قالت رئيسة الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر، روضة العبيدي، لـ" "العربي الجديد "، إن "هذا الموضوع من أخطر الملفات الموجعة، لأننا نتحدث عن حقوق مهدورة ونكران لحقوق الضحايا في العدالة والإنصاف وعن انعدام الأمان القانوني وعدم احترام الكرامة الإنسانية"، مشيرة إلى أن "هذا الموضوع يستدعي تظافر الجهود فلا يمكن البقاء على الحياد".

وأوضحت العبيدي أن" هناك رفضاً لإفلات المجرم من العقاب، أو أن يكون محمياً، ولكن وراء كل مجرم أفلت من العقاب مجرم آخر يغطي على الانتهاكات، ولكن لا حقوق للإنسان دون وضع هذا الملف ضمن الأولويات، وأن يتم وضع الآليات القانونية والمادية وتفعيل دور المؤسسات المعنية"، مبينة أن "وضع حد للإفلات من العقاب لا يكون بالنصوص القانونية فقط، بل أيضا بوضع كل الإمكانات اللازمة لوضع حد للظاهرة".

دعوة لتطوير النصوص القانونية

ويرى العضو السابق بلجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، عبد الوهاب الهاني، أنه" لمكافحة الإفلات من العقاب لابد من ضمانات وإجراءات، فكل إنسان يتم إيقافه لابد من إعلامه بالسبب في أجل أقصاه 24 ساعة"، مبينا أنه لابد من تطوير النصوص القانونية لاحترام حقوق الإنسان وحفظ كرامته، وأن تكون القوانين متأصلة مع الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها تونس".

وأضاف أن "الحقوق لا تكون إلا بضمان استقلال القضاء، ولا تزال هناك خطوات مهمة يجب العمل عليها في تونس، ولابد من تدريب الأجهزة لإنفاذ القانون وعدم تطبيق الأوامر التي تدعو للانتهاكات".

ولاحظ أن" تونس تعيش اليوم تحت وقع التدابير الاستثنائية، وهو ما يشكل خطرا حقيقيا لأن عون الأمن يشعر أنه أقوى من القانون بدل أن يكون عضوا في جهاز إنفاذه واحترامه وألّا تختل المنظومة وتصبح هناك "مافيا" تنتهك الحقوق وتضر بالبناء الذي تقوم عليه دولة القانون والنظام الديمقراطي، وتهز ثقة المواطن بالدولة".

المساهمون