تحوّلت حقن "البوتوكس" و"الفيلر" إلى تجارة رائجة في تونس، بتأثير الطلب الكثيف عليها، وتسرّبت من عيادات الأطباء إلى صالونات الحلاقة ومحلات أخرى تقدم خدمات بأقل ثمن وبلا ضمانات، مع عدم توضيح طبيعة الرخص الحاصلة عليها لممارسة هذا النوع من النشاط، أو تخصصات العاملين فيها.
ويؤكد أطباء أن القطاع يشكو من الفوضى واستحواذ صالونات الحلاقة على جزء من النشاط، علماً أن عمليات أجرتها مراكز تجميل لحقن "البوتوكس" و"الفيلر" تسببت فعلياً في مشاكل صحية ومضاعفات جراء عدم كشف مصدر الحقن وطبيعة المواد التي تحتويها، رغم أن الصيدلية المركزية التابعة للدولة هي المزود الحصري لهذه الحقن والأدوية في تونس.
تروي منال عمراني لـ "العربي الجديد" التجربة السيئة التي عرفتها لدى محاولتها إخفاء الهالات السوداء التي تحيط بعينيها. وتوضح أن مركز التجميل الذي تتردد إليه للاهتمام بشعرها نصحها بحقن نوع من "الفيلر" سعره 500 دينار (32 دولاراً) للحقنة الواحدة لإخفاء هذه الهالات، ثم أصيبت لاحقاً بمضاعفات جلدية في منطقة الحقن.
تضيف: "أخبرتني المشرفة على مركز التجميل بأنها تستعين بخبيرة في تقديم حقن "البوتوكس" و"الفيلر" التي أكدت أنها من نوعية جيدة، فوافقت على العرض بلا تردد، ثم صدمت في اليوم التالي من ظهور علامات زرقاء حول عينيّ، وحصول تورم كبير في المنطقة جعلاني غير قادرة على فتح عيني. وقد أبلغني مركز التجميل أن الأعراض نتجت من حساسية ستهدأ بعد أيام، وتنصلت المشرفة على المركز من أي مسؤولية" .
وتشير إلى أن التورمات استمرت أكثر من 15 يوماً حتمت زيارتها أكثر من طبيب لمعالجة ما أفسده مركز التجميل. وهم أبلغوها أن التورمات نتجت من خطأ في طريقة الحقن، من دون أن يحددوا نوعية المواد المستخدمة. وتعلّق: "واضح أن فوضى التجميل قد تنتهي بتشوهات كبيرة أو أمراض ترتبط بالحقن مجهولة المصدر، والتي تجلب من السوق الموازية غير الخاضعة لمراقبة".
وتعتبر العمراني أن سهولة أخذ الحقن عبر أجراء قد تقل فترته عن 10 دقائق يغري الباحثات عن الجمال، ويفسّر رواج هذا النشاط والإقبال الكثيف عليه.
في المقابل، يرى الطبيب المتخصص في جراحة التجميل الترميمية، برهان بالخيرية، أن جزءاً من فوضى التجميل تتحمله السلطات الصحية التي تفرض قيوداً كبيرة على بيع حقن "البوتوكس" و"الفيلر" للأطباء، وتحصر البيع بوصفات مكتوبة من أطباء عيون وأعصاب. وكتب على "فيسبوك": "تؤدي هذه القيود إلى انتعاش الاستيراد العشوائي للحقن عبر السوق السوداء وهي رديئة النوع غالباً، ولا تحترم فيها مواصفات التخزين والتبريد".
وجاء هذا التعليق بعدما أعلنت مصالح الجمارك أنها صادرت 216 علبة لحقن "البوتوكس" في مطار قرطاج. ووصف بالخيرية تونس بأنها "جنّة المهربين، في وقت يفترض أن تعزز وزارة الصحة ضوابط القطاع الذي قد توفر عائدات ضخمة لخزينة الدولة، لكنها تذهب بدلاً من ذلك إلى جيوب المهربين".
وفي فبراير/ شباط الماضي، قالت مصالح الجمارك في تونس إنها ضبطت علب "بوتوكس" لم تكشف عن مصدرها جلبها مسافر معه على متن رحلة جوية.
وتفيد إحصاءات بأن تونس تشهد أكثر من 150 ألف عملية تجميل سنوياً، منها عمليات لشفط الدهون وتقويم الأنف. كما انتشرت في السنوات الأخيرة عمليات شد الصدر والبطن والرقبة والوجنتين والجفون وتقويم الأسنان وزرع الشعر، لكن الدوائر الرسمية والهيئات المهنية لا تملك أي بيانات عن عدد حقن "البوتوكس" و"الفيلر" التي يجري استيرادها.
وتحتل تونس المركز الثالث في جراحة التجميل في أفريقيا، وتستقطب أعداداً كبيرة من الأوروبيين الذين يزورونها في إطار ما يُسمى "السياحة التجميلية" التي تديرها وكالات متخصصة تعمل بالتنسيق مع مستشفيات.
ويعترف عضو هيئة الأطباء، نزيه الزغل، في حديثه لـ"العربي الجديد" بوجود فوضى في ممارسة نشاطات التجميل ناتج من تدخّل المراكز في توفير تخصصات طبية. ويشير إلى أن "غالبية من يقدمون خدمات التجميل لا يملكون شهادات طبية، ويمارسون المهنة مستغلين غياب التشريعات، وهو أمر خطر يتطلّب مراقبة أكبر".
وينصح بعدم الانجرار وراء جعل صناعة الجمال تجارة، معتبراً أن الفوضى السائدة في التجميل ظاهرة تنسحب على كل قطاعات الدولة.
ويؤكد الزغل أن الهيئة تحاول التصدي للتجاوزات في القطاع، والحفاظ على سمعة الأطباء وصحة المواطنين، وأنها طالبت وزارة الصحة بتفعيل التشريعات التي تنظم تخصص التجميل، أو سَنّ أخرى جديدة تتماشى مع تطور هذا المجال.