تونس: جدل حول مشروع قانون تعويض الدولة عن هجرة الكفاءات

01 ديسمبر 2024
هجرة الأطباء أزمة متفاقمة في تونس (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يناقش البرلمان التونسي مشروع قانون لتعويض الدولة عن هجرة الكفاءات بفرض رسوم على المهنيين المهاجرين، وسط قلق من تأثير فقدان الكفاءات على التنمية.
- يعارض البعض المشروع، مشيرين إلى أن الرسوم قد تزيد من نفور الكفاءات، ويدعون لتحسين ظروف العمل والأجور كبديل لوقف الهجرة.
- يوصي تقرير المعهد التونسي بتحسين ظروف العمل، تطوير البنية التحتية، وتعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي، وتحديث التعليم، وتقديم حوافز ضريبية لجذب الكفاءات.

يعترض طيف واسع من التونسيين على مشروع قانون جديد يدرسه البرلمان يفترض أن يعوّض الدولة عن هجرة الكفاءات، بعدما شهدت البلاد خلال السنوات الماضية نزيفاً غير مسبوق مع هجرة أطباء ومهندسين وأساتذة جامعيين، ويقترح النص التشريعي تعويض الدولة عن كلفة التكوين في الجامعات الحكومية في حال قرر الشخص الهجرة للعمل في دول أجنبية.

وتخسر تونس سنوياً آلاف الأطباء والمهندسين الذين يهاجرون إلى دول في الاتحاد الأوروبي والخليج العربي وغيرها بحثاً عن ظروف عمل ورواتب أفضل، ويطالب مسؤولي الهيئات المهنية بتحسين الأجور لوقف نزيف الهجرة وتشجيع الأطباء والمهندسين على الاستقرار في بلدهم، في حين كشفت عمادة المهندسين التونسيين عن فقدان البلاد نحو 39 ألف مهندس خلال السنوات الست الأخيرة.

ويعتبر منتقدو المبادرة البرلمانية أن إجبار أصحاب الكفاءات وحاملي شهادات الدراسات العليا على دفع الأموال للحدّ من الهجرة سيؤدي إلى نتائج عكسية، ويزيد من نفور الكوادر، ويطالبون بإعادة نظر شامل في ظروف العمل، المادية والمهنية. يقول رئيس لجنة التربية في البرلمان، فخر الدين فضلون، إن "الغاية من مشروع القانون ليس معاقبة الكفاءات على قرار الهجرة، بل إنصاف الدولة التي تنفق أموالاً طائلة لتكوين الأطباء والمهندسين والأساتذة الجامعيين".

وأوضح لـ"العربي الجديد"، أن "معدل الإنفاق على تكوين طالب في كلية الهندسة أو كلية الطب يصل إلى 100 ألف دينار (نحو 33 ألف دولار)، وهي أموال دافعي الضرائب التي يحق أن تسترجع الدولة جزءاً منها إذا لم تستطع الإفادة من خدمات الكوادر". ويتابع فضلون: "يستند مشروع القانون إلى تقرير نشره المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية (حكومي) مطلع يوليو/ تموز 2023، والذي اقترح إيجاد صيغ لتعويض الدولة عن هجرة الكفاءات تكفل حقوق المجموعة الوطنية من دون أن تضرّ بمصالح من يرغبون في المغادرة، ويقترح مشروع القانون الذي يدرسه البرلمان فرض تعويض قيمته 50% من قيمة الإنفاق على مرحلة التكوين بحسب الاختصاص، ودفعه على أقساط مدتها خمس سنوات من خلال عقد مع المشغل الأجنبي. أرجح أن تستقر نسبة التعويض المقترحة ومدة التسديد القابلة للنقاش والتعديل عند نسبة 20%".

يعطل نزيف الهجرة تجديد الكفاءات (خالد نصراوي/ الأناضول)
يعطل نزيف الهجرة تجديد الكفاءات (خالد نصراوي/الأناضول)

وكشف تقرير المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية عن نسق هجرة مثير للقلق يهدد بفقدان تونس الكثير من الكفاءات خلال السنوات القليلة القادمة، وأفاد بأن 3 آلاف مهندس يغادرون البلاد سنوياً، وأن عام 2022 شهد مغادرة نحو 6500 مهندس، محذراً من تداعيات مرتقبة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، واستدامة النموذج الاقتصادي، والقدرة التنافسية الدولية، وتقلص القدرة على تحقيق الانتقال في مجالات عدة من بينها الطاقة والرقمنة والبيئة.
وتكشف أرقام عرضها عميد الأطباء، رضا الضاوي، أن هجرة الأطباء الشبان بدأت بنسق تصاعدي، إذ ناهز العدد 350 بين عامي 2018 و2019، ثم ارتفع إلى 800 بين عامي 2021 و2022، ثم إلى 1300 في عام 2023 الماضي. 

ويعتقد عميد المهندسين التونسيين، كمال سحنون، أن فرض رسوم تعويضية على هجرة الكوادر ليس حلّاً مناسباً للحدّ من نزيف الهجرة، ويقول لـ"العربي الجديد": "ستنتظر عمادة المهندسين ما سيفضي إليه مشروع القانون تمهيداً لتحديد موقفها النهائي. تقرير معهد الدراسات الاستراتيجية يؤكد واقعية الخطر الذي سبق أن كشفه عاملون في المهنة، وهو يشكل اعترافاً صريحا بخطورة الأوضاع. تضاعفت أرقام المغادرين خلال السنتين الأخيرتين في دليل جديد على عمق أزمة مهنة الهندسة".

ويفسر سحنون أسباب هجرة المهندسين بـ"صعوبة ظروف العمل في ظل تأخر الانتقال التكنولوجي في تونس، وضعف الرواتب، في حين أن الطلب كثيف على المهندسين التونسيين في الدول الأوروبية وكندا والولايات المتحدة. الهجرة تشمل مختلف الشرائح العمرية، والطلب الأوروبي على المهندسين يتركز على اختصاصات ينتمي أصحابها عادة إلى الشريحة العمرية بين 25 و35 سنة".

وأوصى تقرير معهد الدراسات الاستراتيجية بتحسين ظروف العمل، وتثمين المسارات المهنية، والتركيز على التدريب، وملاءمة المنظومة التعليمية لاحتياجات سوق العمل، إلى جانب تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي، وتطوير البنى التحتية، وتنشيط منظومة ريادة الأعمال، إضافة إلى زيادة الدعم الموجه للبحث والتطوير، وتعزيز الاستثمار الخاص، وإرساء أنظمة ضريبية مميزة للمهندسين، وسياسات ضريبية تحفيزية لشركات التكنولوجيا، فضلاً عن تحديث أساليب الإدارة، ودعم الشراكات مع المؤسسات الدولية، وتعزيز دمج المهندسين التونسيين المغتربين في المشاريع المحلية.