تونس: الحلول التقليدية تفاقم مشكلة النفايات

20 مارس 2024
أكوام نفايات في شارع بصفاقس (حسن مراد/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تونس تواجه تحدياً كبيراً في إدارة النفايات مع تجاوز مكبات النفايات طاقتها الاستيعابية وتزايد النقاط السوداء، مما يؤدي إلى احتجاجات بسبب قرب بعض المكبات من التجمعات السكانية.
- السياسات الاقتصادية المتبعة منذ التسعينيات، التي ركزت على الانفتاح ودعم القطاعين الصناعي والسياحي، أثرت سلباً على البيئة بزيادة أنواع وكميات النفايات.
- وزارة البيئة التونسية تستجيب للتحديات بالتأكيد على أهمية إعادة التدوير وتخطط لمشاريع مستقبلية لتحسين إدارة النفايات، مع التركيز على خلق فرص عمل وحل مشكلات البيئة.

لا تزال معضلة النفايات في تونس من أكثر المشاكل التي يواجهها المواطنون والمسؤولون معاً، خصوصاً أن عدد النقاط السوداء يستمر في الارتفاع، كما تجاوزت مكبات نفايات طاقتها الاستيعابية، مثل مكب برج شاكير في العاصمة تونس الذي يستقبل أكثر من 900 ألف طن من النفايات يومياً. كما باتت بعض المكبات قريبة من تجمعات سكانية نتيجة التوسع العمراني، ما أطلق احتجاجات في مناطق عدة ضد عجز غالبية البلديات عن معالجة مشكلة انتشار النفايات، وتعمّق أزمة التصرف بأنواعها، أكانت استهلاكية عائلية أو صناعية أو طبية. 
وفيما يؤكد مسؤولون وجود 13 مكباً تخضع لرقابة وزارة البيئة، يقول محمد عامري الذي يسكن في منطقة برج شاكير لـ"العربي الجديد": "تنتشر النفايات في نقاط سوداء عدة، وتشكّل خطراً على المواطنين الذين نظموا سلسلة احتجاجات. والحقيقة أن مكّب برج شاكير لم يعد يستوعب نفايات إضافية، علماً أنه مخصص لاستيعاب نفايات من أربع محافظات. وبدلاً من غلقه مددت وكالة التصرّف بالنفايات عقد استغلاله رغم احتجاجات الأهالي". 
وكان المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية قد كشف، في آخر دراسة أجراها عام 2022، أنّ الوضع البيئي يتدهور في تونس منذ بداية العشرية الأخيرة، بسبب تراكم النفايات وانتشارها، وعدم وجود حلول جدية وناجعة ومستدامة للتخلص منها، ما جعل حياة المواطنين أكثر تعقيداً وصعوبة". 
وذكر التقرير أنّ "السياسات الاقتصادية لتونس منذ تسعينيات القرن العشرين التي بُنيت على الانفتاح على الأسواق الخارجية، ودعم القطاعين الصناعي والسياحي على حساب القطاع الفلاحي، أثرت في شكل كبير على الموارد الطبيعية التي تفاقم استنزافها، وأيضاً على المنظومات الإيكولوجية التي أصبحت تستقبل كل أنواع النفايات وبكميات متزايدة".
وتنتشر القمامة في كل المناطق السكنية والأحياء والساحات الخالية في تونس، وأمام البيوت والطرقات والشوارع الرئيسية والفرعية والحدائق العمومية، إضافة إلى الملاعب والشواطئ والأماكن الترفيهية والمحطات في العاصمة والمدن السياحية الكبرى.
وتعكس معضلة النفايات غياب الثقافة البيئية لدى المواطنين والقوانين الصارمة للسلطات التي لا تطبق عقوبات مثالية لردع المخالفين. ويتسبب رمي الفضلات في الشوارع في تلوّث بصري وبيئي، ما أظهر عدم قدرة الدولة، والجماعات المحلية، على تطوير آليات فعّالة لإصلاح وإنهاض منظومة جمع النفايات المنزلية والصناعية، وإعادة تدويرها.
وتقول وزارة البيئة إنّ "مخلفات البناء وصلت إلى نحو 8 ملايين متر مكعب، تتكدس نسبة 70 في المائة منها في المدن الساحلية، خصوصاً في ولايات سوسة، وصفاقس، وتونس العاصمة"، وتشير إلى أن كل مواطن تونسي يُنتج 365 كيلوغراماً من النفايات سنوياً، بمعدل كيلوغرام واحد يومياً.

مكب نفايات قرب مصنع في قابس (ياسين قايدي/ الأناضول)
مكب نفايات قرب مصنع في قابس (ياسين قايدي/الأناضول)

إلى ذلك تؤكد دراسات أنّ أزمة كوفيد- 19 رفعت كميات المخلفات الصحية بنسبة 40 في المائة. وتشير إلى أن تجميعها يطرح إشكالات عدة، مثل عدم فرزها، رغم أنها تحتوي على أدوات خطرة وحادة، مثل الإبر، إضافة إلى أعضاء بشرية ودم. 
واللافت أن النفايات الصحية تتضمن مخلفات بقايا الطعام، وقشور الغلال، والخضار، والورق، والبلاستيك، إضافة إلى قطع زجاج وملابس، ما يؤدي إلى انتشار العدوى بين السكان. 
إلى ذلك يجعل التهرب الضريبي عدداً كبيراً من المصحات والصيدليات لا تفصح عن الحجم الحقيقي لنفاياتها، لتجنب دفع ضرائب عالية. 
وتقدّر كميات نفايات المستشفيات والمراكز الصحية في تونس بـ18 ألف طن سنوياً، من بينها 8 آلاف طن تعتبر سامّة وخطرة. في المقابل توجد في تونس 7 شركات مسؤولة عن جمع النفايات الخطرة للمستشفيات، وهي تنقل 12 ألف طن من النفايات فقط إلى مكبات عشوائية لا تخضع لأي رقابة من السلطات، وتردم الكميات من دون إخضاعها لأي فرز ما ينتج مواد خطيرة تبعث روائح كريهة وغازات سامّة.
وعانت مستشفيات تونس سابقاً من تراكم النفايات لفترات طويلة، ما أطلق تحذيرات من كوارث صحية، ناجمة عن تخمّر النفايات الخطرة التي تُخزَّن مؤقتاً في محيط المنشآت الصحية. وتكرّرت، في السنوات الماضية، عمليات كشف أماكن طمر غير قانونية، ومخالفات عدم معالجة كميات كبيرة من النفايات الطبية الخطرة، إلى جانب رمي مخلفات (حقن ومواد خاصة بمراكز غسل الكلى) في الطبيعة.
وتنوعت الكميات المجمّعة بين نفايات بيولوجية وكيميائية، وبينها الصيدلانية، إضافة إلى تلك القابلة للاشتعال أو الانفجار، والحادّة والمتعفّنة وأيضاً المشعّة".

ورداً على الاحتجاجات التي نظمت ضد التلوّث في تونس، أكدت وزارة البيئة أهمية إعادة التدوير، وأشارت إلى أنّ بين 40 و60 في المائة من الطرقات المنجزة في أوروبا تضمنت مواد أعيد تدويرها من نفايات. وأوضحت أنها وضعت مشروعاً سيستغرق تنفيذه 3 سنوات لجمع الفضلات، وأنها ستنسّق مع الولايات لتوفير مواقع لتجميع نفايات البناء، وإحداث مراكز لإعادة تدوير النفايات العضوية. أيضاً وضعت وزارة البيئة، بالتنسيق مع وزارة التجهيز والإسكان، مشروعاً لإنجاز طريق عمومي من مواد أعيد تدويرها، ما سيخلق فرص عمل ويحل مسألة البيئة.
ويشير الأسعد الزواري، خبير في مجال تثمين النفايات، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّه "يمكن القضاء على مشكلة النفايات عبر إعادة تدويرها، لا سيما النفايات العضوية التي يمكن الإفادة منها باستخراج أسمدة عضوية". ويضيف: "التعامل مع مشكلة النفايات بطرق تقليدية عبر مجرد تجميعها في حاويات ورفعها إلى المكبات لن يحل المشاكل، ويجب تعزيز مشاريع إعادة تدوير كل أنواع النفايات، ونشر حاويات تساعد المواطنين في تنفيذ عملية فرز تلك النفايات، كي توجه لاحقاً إلى إعادة التدوير".

المساهمون