لم تصمد إلزامية اعتماد الجواز الصحي طويلاً في تونس، حيث سرعان ما تراجعت تدابير المراقبة الصارمة التي فرضتها السلطات في 22 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تاريخ دخوله حيز التنفيذ بمقتضى مرسوم أصدره الرئيس قيس سعيد.
وصباح 22 ديسمبر/كانون الأول، اتخذت السلطات تدابير مشدّدة في وسائل النقل والفضاءات العمومية ومراكز العمل، طالبت فيها كلّ من تجاوز سن الـ18 عاماً بإظهار الجواز الصحي الذي يُثبت حصوله على جرعتي لقاح أو عدم السماح له بارتياد تلك الفضاءات.
وواجه التونسيون الذين لم يحصلوا على جرعتي اللقاح أو الرافضين للتطعيم المنع من العمل وركوب وسائل النقل والدراسة ودخول الفضاءات التجارية، بعد تركيز أعوان المراقبة في كافة البوابات، غير أنّ الحرص على إظهار الجواز سرعان ما تلاشى مع بداية العام الجديد.
وحالياً، نادراً ما يطالب أعوان الحراسة أو المكلّفون بمراقبة الجوازات المواطنين بإظهار جواز اللقاح، فيما تكتفي بعض المساحات التجارية الخاصة بالمراقبة غير المشدّدة، تفادياً للعقوبات التي قد تطاولها جراء عدم تطبيق المرسوم.
وقال محمد الرويسي، وهو مسؤول بمركز خدمات حكومي، إنّ 18 موظفاً تغيّبوا عن الدوام في أول أيام تطبيق الجواز الصحي بسبب عدم استكمالهم اللقاح أو رفضه تماماً، مؤكداً في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه أمضى نحو أسبوع في تسيير العمل عند بوابة مركز الخدمات.
وأفاد في السياق ذاته، بأنّ اعتماد إلزامية الجواز الصحي اصطدمت بعوائق لوجستية عديدة، منها توفير الأعوان لمراقبة الجوازات المستخرجة ورقياً أو تلك التي تمّ تحميلها على الهواتف الجوالة، وهو ما أدى أخيراً إلى تخفيف الإجراءات وربما استغناء بعض الدوائر الحكومية والخاصة عن عملية المراقبة والاكتفاء بحثّ المواطنين على تلقي اللقاح.
كذلك تمسّك طلاب الجامعات بالدخول إلى الكليات واجتياز الامتحانات الثلاثية، بعد انتهاء الإجازة، دون فرض الجوازات، وهو قرار ساندته المنظمات الطلابية التي كانت حاضرة بقوة على بوابات المراقبة.
المقاهي والمطاعم كانت بدورها ضمن الفئات الرافضة لاعتماد الجواز منذ البداية، حيث لم تفرض أي تضييقات على مرتاديها، معتبرة أنّ ذلك يحدّ من دخل المحلات التي لا تزال تكابد آثار الجائحة الصحية والغلق الشامل.
لكن إلزامية إظهار الجواز الصحي ساعدت على زيادة نسبة التحصين العامة ضد الفيروس التي بلغت 63 بالمائة لمن تجاوزوا سن الـ15 عاماً، وهي نسبة تضع تونس ضمن المراتب الأولى عربياً وأفريقياً في عدد الملقّحين. ورفع إقرار الجواز الصحي في تونس العدد الإجمالي للملقحين ضد فيروس كورونا إلى نحو 5.8 ملايين شخص، بعد تلقيح ما يزيد على 350 ألف تونسي خلال الأيام الثلاثة الأولى من دخوله حيز التنفيذ في 22 ديسمبر/كانون الأول.
وشهدت مراكز التلقيح إقبالاً كبيراً من المواطنين المتخلّفين عن تلقي التطعيم بعد فرض إجراءات مشدّدة في الأماكن العامة ومنع غير الملقحين من دخول أماكن العمل وحسم أجور أيام منعهم من رواتبهم.
وجواز التلقيح هو وثيقة رسمية تؤكّد استكمال جدول التلقيح ضد فيروس كوفيد-19، ما يسمح للشخص بالنفاذ إلى الأماكن والفضاءات المحدّدة وفق المرسوم الرئاسي. وبإمكان كل شخص يبلغ من العمر 18 سنة أو تجاوز ذلك وتلقى تلقيحه كاملاً أن يحمّل جواز التلقيح على هاتفه الجوال من موقع منظومة إيفاكس "فضاء المواطن" ويظهره عند الحاجة، كما يمكن استخراجه في شكل وثيقة ورقية.
وتأتي مشكلة الجواز اللقاحي بالتزامن مع دخول تونس مرحلة مكافحة الموجة الخامسة من فيروس كورونا مع بدء تفشي متحوّر "أوميكرون" الذي يتحوّل إلى الفيروس الأكثر انتشاراً، وفق التقطيع الجيني للعينات التي تأخذها وزارة الصحة.
وبسبب المخاوف من العدوى، تحتاط أسر تونسية بشراء الأدوية المضادة للنزلات الموسمية والأدوية المستعملة في علاج كورونا والمكمّلات من زنك وفيتامينات، ما يزيد الطلب على هذه الأصناف من الأدوية، وسط تحذيرات من سوء استعمالها ونقص المخزونات في الصيدليات.
ويُعرف التونسيون بلجوئهم المكثّف لاستعمال الدواء والمضادات الحيوية دون وصفات طبية، كما زاد التداوي الذاتي منذ تفشي جائحة كورونا في إطار سعي الأسر إلى تخفيف نفقات الصحة عن طريق شراء الدواء مباشرة، دون المرور عبر الأطباء.
وينشر مواطنون على شبكات التواصل الاجتماعي وصفات الدواء التي يعتمدونها ضد النزلات الموسمية أو الإصابات بفيروس كورونا.
وينصح الصيادلة والأطباء بعدم تخزين الدواء والإقبال المكثّف على المضادات الحيوية، التي يشهد الطلب عليها ارتفاعاً كبيراً في هذه الفترة من السنة.
ويقول الصيدلي سليم ليمام إنّ "انتشار المتحوّرات الجديدة خلق نوعاً من الهلع والضغط النفسي على التونسيين، وهم يقاومون ذلك بشراء الدواء خوفاً من الإصابة بالنزلات الموسمية أو بمتحوّر أوميكرون سريع الانتشار".
ويذكر ليمام، في حديث لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، أنّ الطلب المكثّف على الدواء دون موجب، في إطار عمليات التخزين التي يمارسها التونسيون، "يسبّب نقصاً في التزويد على مستوى الصيدليات، ويمكن أن يحرم منْ هم بحاجة حقيقية للدواء من توفره بالقدر الكافي".
وأوضح أنّ تخزين الدواء دون موجب، "يتسبّب بهدره وبخسائر تتحملها الأسر والمجموعة الوطنية، التي تستورد الأدوية بالعملة الصعبة، فضلاً عن المخاطر الصحية التي يمكن أن يسبّبها استعمال الدواء ذاتياً ودون استشارة الأطباء".
وبيّن الصيدلي التونسي، في سياق متّصل، أنّ مكافحة الفيروسات الموسمية أو متحوّر أوميكرون، "تتم عبر تعزيز المناعة بالتلقيح والالتزام بالتدابير الوقائية"، مؤكداً أنّ الصيادلة يتشدّدون في صرف الأدوية والمضادات دون وصفات طبية.
والتداوي الذاتي متجذّر في الثقافة العلاجية التونسية، وزاد الإقبال عليه لدى التونسيين في السنوات الأخيرة بسبب ارتفاع كلفة العلاج في القطاع الخاص وطول انتظار المواعيد في القطاع العام، فضلاً عن تأثّر قدرة المواطنين على التداوي، وسط الأزمة الاقتصادية التي أثّرت على قدرتهم على الإنفاق.
ويشتري 61% من التونسيين الأدوية مباشرة من الصيدليات دون الحصول على وصفة طبية، ويرتفع الاستهلاك المفرط للأدوية خلال فترة الشتاء، إذ يؤدي تقلّب الطقس إلى ارتفاع نسبة الأمراض، بحسب دراسة لمعهد الاستهلاك الحكومي صدرت عام 2019.