"إصابات وعاهات مستديمة" هكذا يتم العلاج في مستشفى سجن ليمان طرة جنوبي القاهرة كنموذج لمستشفيات السجون في مصر، هذا ما خلص إليه تقرير حقوقي، صادر عن الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، وثق شهادات سجناء سابقين وحاليين في عدد من السجون المصرية.
بدأت الشبكة تقريرها بتصريح "العلاج فى مستشفى ليمان طرة نموذج يحتذى به"، الذي قاله مدير مستشفى ليمان طرة، العقيد دكتور محمد عبد المنعم، وأردف "نقدم خدمات للسجناء تفوق المستشفيات الكبرى بالعالم ونقدم خدمات طبية تفوق أعظم المستشفيات فى دول ككندا وإنكلترا".
وعقبت الشبكة على هذا التصريح بـ"لا يبدو أن التصريحات الوردية التي أطلقها مدير المستشفى تلامس الحقيقة أو تقترب منها، وحسب شهادات وصلت إلينا فى الشبكة المصرية، فإن ما يحدث داخل مستشفيات السجون وخاصة مستشفى سجن طرة عكس ما قاله مديرها تماماً".
وروى شاهد عيان ومعتقل شاب المآسي التي رآها بعينه، وما سمعه حول ما يعرف بالسلخانة خلال شهادته التي أدلى بها إلى الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، ولخص فيها جانباً من قصة مستشفى ليمان طره وما يحدث فيها من مجازر، وما مر به بعد ترحيله من السجن الذي كان فيه إلى مستشفى ليمان طره (السلخانة)؛ موضحاً أن هذا هو الاسم الذي يطلق عليها.
وقال شاهد العيان للشبكة المصرية "عندما وصلت إلى هذه السلخانة ودخلت عنبر السياسي في (المستشفى)، لم أجد سريراً فارغاً بل نظرت حولي فإذا بمحتجزين (مرضى) يفترشون بطاطين على الأرض مباشرة كالقطط، وسط أصوات الأنين والصرخات بسبب الآلام المبرحة، وكأنني في كابوس مزعج لم أستطع الاستيقاظ منه، وبطبيعة الحال سألت من حولي: ماذا حل بكم؟ وأين المسوًولون والأطباء، فأجابوا: نحن هنا عنبر السياسي مشفى طره وليس في مستشفى قصر العيني الفرنساوي".
وأكد شاهد العيان أن هذه الكلمات قالها له معتقل تبدو عليه علامات الموت والأسى في سن كبيرة ويبدو أكبر بكثير من عمره الحقيقي، هامساً "جئنا هنا لنموت لا لنتلقى العلاج".
واستطرد الشاهد للشبكة المصرية "الجميع يتحدث بصوت منخفض يشبه الهمس، حيث يوجد شاب من المسجونين الجنائيين مزروع بين السياسيين فقطـ ليكون أعينهم وآذانهم وينقل إليهم كل ما يحدث هنا".
وروى شاهد العيان للشبكة المصرية، أن أحد المرضى في مستشفى ليمان طرة، كان يتولى علاج باقي السياسيين، وتبين لاحقاً أنه طبيب مخ وأعصاب، ويساعد في عدم تفاقم الوضع نتيجة الإهمال الطبي المتعمد في مستشفى السجن.
وعلى إثر تلك الشهادة، أعلنت الشبكة المصرية تقدمها ببلاغ إلى النائب العام، وطالبت بفتح تحقيق فوري عما وصفته بـ"الممارسات الإجرامية التي تجري بحق السجناء السياسيين بمستشفى ليمان طرة، على مرأى ومسمع من الجميع وبمشاركة مدير المستشفى نفسه".
وتنص المادة 18 من الدستور المصري الصادر عام 2014 على أن "لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقًا لمعايير الجودة… ويجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة".
كما تنص المادة 55 من الدستور على أن "كل من يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيًّا أو معنويًّا، ولا يكون حجزه أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيًّا وصحيًّا".
وكذلك تنص المادة 56 على أن "السجن دار إصلاح وتأهيل. تخضع السجون للإشراف القضائي ويحظر فيها كل ما ينافي كرامة الإنسان، أو يعرض صحته للخطر".
ومع ذلك؛ يعاني المحتجزون في السجون المصرية، كي يتم السماح لهم برؤية طبيب السجن، والذي يعامل المحتجزين بطريقة سيئة ويتهمهم بالتمارض، وهو ما يدفع كثيرا من المحتجزين إلى الاعتماد على الأطباء المحتجزين معهم لتشخيص حالاتهم، حسب تقارير حقوقية. ثم يمتد الإهمال الطبي في السجون ليشمل المنع غير المبرر لدخول الأدوية اللازمة للمحتجز أو السماح له بالخروج لإجراء التحاليل الطبية أو الخروج لمستشفى بالخارج إذا كانت حالته تستدعي ذلك، وهو أمر يحتاجه كثير من المحتجزين في ظل التجهيزات المتواضعة لعيادة أو مستشفى السجن والتي عادة أيضاً لا توفر إجراء التحاليل، وهو ما يدفع الأهالي إلى سحب عينات الدم من المحتجزين في الزيارات وأخذها إلى أقرب معمل طبي، وقد أكد كثير من المحتجزين في سجون مختلفة أن طبيب السجن عادة ما يكتفي بإعطاء المحتجزين المسكنات بغض النظر عما يشكون منه، حسب تقرير صادر عن الجبهة المصرية لحقوق الإنسان.
وقد توفي في العام الماضي، 60 محتجزاً داخل السجون المصرية حسب ما وثقت منظمة نحن نسجل في إحصائيتها السنوية، وتنوعت حالات الوفاة الستين، ما بين 27 سجيناً بسبب الإهمال الطبي، و7 سجناء بفيروس كورونا، و6 نتيجة حريق، و4 نتيجة التعذيب، بخلاف حالة وفاة نتيجة شجار، وحالة وفاة واحدة نتيجة غرق في مياه السيول داخل الزنزانة، وحالة انتحار واحدة، وثلاث حالات وفاة طبيعية.
وشهد عام 2020 وحده 73 حالة إهمال طبي في السجون ومقار الاحتجاز المختلفة في مصر. بينما خلال السبع سنوات الماضية قضى نحو 774 محتجزًا داخل مقار الاحتجاز المصرية المختلفة، حيث توفي: 73 محتجا عام 2013، و166 محتجزاً عام 2014، و185 محتجزاً عام 2015، و121 محتجزاً عام 2016، و80 محتجزاً عام 2017، و36 محتجزاً عام 2018، و40 محتجزاً عام 2019.