- تتار القرم لم يعودوا إلى أراضيهم حتى عام 1989 خلال "بيريسترويكا"، وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي أصبحوا مواطنين أوكرانيين، لكن ضم روسيا للقرم في 2014 أعاد معاناتهم للواجهة.
- التهجير أثر عميقًا في الثقافة والأدب التتاري، مع تجسيد الأحداث في الفن والأدب، ويعتبر الخبراء التهجير جزءًا من سياسة ستالين لتهجير السكان من المناطق الاستراتيجية، مما يعكس التعقيدات السياسية والإنسانية لهذه الفترة.
تحلّ اليوم السبت، الذكرى 80 لتهجير تتار القرم قسراً من موطنهم على يد الاتحاد السوفييتي في 18 مايو/أيار 1944، بتهم التعاون مع الاحتلال النازي والخيانة وانشقاق ما يصل إلى 20 ألفا منهم عن "الجيش الأحمر" أثناء الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945). في مثل هذا اليوم قبل 80 عاما، قررت السلطات السوفييتية بقيادة الديكتاتور السوفييتي الراحل جوزيف ستالين تهجير أكثر من 150 ألفا منهم إلى جمهورية أوزبكستان السوفييتية، بالإضافة إلى توزيع عشرات آلاف آخرين على مناطق أخرى في الاتحاد السوفييتي. وتتار القرم هم السكان الأصليون البالغ عددهم ما يقارب ربع مليون نسمة في شبه الجزيرة التي ضمتها روسيا في عام 2014، ومدينة بخشي سراي مركزهم التاريخي والثقافي منذ حقبة خانية القرم في القرن السادس عشر الميلادي.
قصة تهجير تتار القرم
وتعتبر عملية التهجير التي انطلقت فجر يوم 18 مارس/آذار 1944، من أسرع العمليات من نوعها في التاريخ، إذ استغرقت مرحلتها الأساسية أقل من ثلاثة أيام، وكان يتم منح العائلات 15 - 20 دقيقة فقط للاستعداد للمغادرة مع حرمانهم من اصطحاب أي متعلقات في بعض الأحيان. وجرت عملية نقل تتار القرم بواسطة السكة الحديدية داخل عربات شحن مغلقة، ما أسفر عن وفاة آلاف الأشخاص، أغلبهم من الأطفال والشيوخ، جراء إصابتهم بالعطش وحمى والتيفوئيد، كما قضى ما بين 20 و46 في المائة من المهجرين خلال السنوات المقبلة بسبب الجوع والأمراض.
وعلى عكس الشعوب المُهجّرة الأخرى التي سرعان ما تمكنت من العودة إلى أراضيها الأصلية، لم يحصل تتار القرم على حق العودة إلا في حقبة "بيريسترويكا" في عهد آخر زعماء الاتحاد السوفييتي، ميخائيل غورباتشوف، في عام 1989. وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991، أصبح تتار القرم مواطنين أوكرانيين حتى أن موسكو قامت بضم شبه الجزيرة في مارس/آذار 2014 في أعقاب موجة من الاضطرابات في أوكرانيا، ليجدوا أنفسهم تحت قيادة دولة حرمتهم من الحياة على أرضهم وتسببت لهم في معاناة امتدت لعقود من الزمن، وكانوا حينها في طليعة رافضي الضمّ.
ومع ذلك، يعتبر الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، المستشرق كيريل سيميونوف، أن أغلب تتار القرم راضون عن الوضع الراهن نظرا لما شهدته شبه الجزيرة من التنمية تحت السيادة الروسية، مُقرّا في الوقت نفسه بأن الذاكرة التاريخية أثرت سلبا على علاقة تتار القرم مع السلطة المركزية في موسكو بعد عام 2014.
التهجير جرح نازف
ويقول سيميونوف في حديث لـ"العربي الجديد": "لا يزال التهجير حاضرا في ذاكرة تتار القرم، ولذلك كانوا في طليعة المحتجين على "استعادة الوحدة" مع روسيا، ولكن العلاقة تحسنت بعد أن شهدوا على التنمية التي تحققت تحت السيادة الروسية، بما في ذلك في مركزهم التاريخي بخشي سراي، حيث بنيت مساجد جديدة واستثمر كثيرا في تطويرها". ويجزم بأن أغلب تتار القرم يؤيدون اليوم استمرار الوضع الراهن مقابل معارضة قطاع منهم غادر إلى أراض خاضعة لسيطرة أوكرانيا. وحول حقيقة اتهام تتار القرم بالتعاون مع الاحتلال النازي، يضيف: "شكّل تتار القرم النواة الصلبة للوحدات القومية الأكثر عددا التابعة للجيش الألماني "فيرماخت" مقارنة مع شعوب القوقاز، وهذه حقيقة. ولكن يجب الإقرار أيضا بأن الأمر يرجع إلى استمرار الوجود الألماني في القرم لفترة طويلة على عكس القوقاز".
ومع ذلك، يعتبر أن التعاون مع الاحتلال النازي جاء ذريعة لا السبب المباشر لتهجير تتار القرم، قائلا: "كانت سياسات نظام ستالين ترمي إلى تهجير السكان المشكوك في ولائهم من المناطق التي كان يعتبرها ذات أهمية استراتيجية، ومنها القرم نظرا لاحتضانها قاعدة سيفاستوبول البحرية المطلة على البحر الأسود". ولما ظل التهجير جرحا نازفا في قلوب تتار القرم لعقود، وجدت هذه الأحداث التاريخية لنفسها مكانا في الفن والأدب التتاريين. وتعد "نافورة بخشي سراي"، واحدة من أشهر القصائد الرومانسية لأمير الشعراء الروس، ألكسندر بوشكين، الذي ألفها في عشرينيات القرن الـ19 تدور أحداثها في عهد خانية القرم، وتعد من أبرز الأعمال الشعرية في تاريخ الأدب الروسي ونالت شهرة عالمية.
وفي قصة قصيرة بعنوان "الانتقال"، يتناول الأديب الراحل المنحدر من بين تتار القرم، نوزيت أوميروف، عودة رجل في العقد السادس من عمره يدعى جودت بعد سنوات طويلة على التهجير، إلى قريته في القرم لإعادة شراء منزل والديه حتى تتمكن أمه العجوز من قضاء أيامها الأخيرة فيه بعد عقود في المنفى. وتجدر الإشارة إلى أن تتار القرم ليسوا الشعب المسلم الوحيد الذي هُجّر من أرضه بتهمة التعاون مع الاحتلال النازي، إذ أجبرت السلطات السوفييتية نحو نصف مليون من الشيشانيين والإنغوش على مغادرة أرضهم في الجمهورية الشيشانية الإنغوشية السوفييتية ذاتية الحكم، وذلك خلال عملية تهجير واسعة النطاق انطلقت في 23 فبراير/شباط 1944.