ينطلق الشاب يوسف بكر البالغ 17 عاماً في السادسة صباحاً إلى سوق حسبة السمك مقابل مرسى ميناء قطاع غزة غربي المدينة، كي يحجز دوره مع الصيادين وأصحاب المراكب للحصول على صناديق تتضمن أنواعاً مختلفة من الأسماك، والعمل في تنظيفها قبل عرضها على الأسواق والمحلات والزبائن الذين يحجزون كميات.
في الأصل، كان سوق حسبة السمك مكاناً لتجميع وعرض الأسماك التي يجري صيدها في بحر غزة بعد أن ترسو المراكب، أو تستورد من معبر كرم أبو سالم ومعبر رفح قبل الحصار الإسرائيلي، ويضم عشرات من البائعين وعشرات المحلات التجارية، ومطعمين.
يقضي بكر 5 ساعات متواصلة في تنظيف الأسماك، ثم يجلس على باب محلات سوق الحسبة، وينتظر لتنظيف كميات أخرى يشتريها الزبائن من أصحاب المحلات، قبل أن يعود إلى منزله قبل أذان العصر بعد تحصيله أجرة يومية تتراوح بين 20 و30 شيكلاً (5.8 و8.7 دولارات)، وتزيد في أوقات الصيد الوفير.
وعلى غرار بكر يقصد أطفال وشبان في مدينة غزة حسبة السمك وأماكن تواجد الصيادين ومحلات البيع ومطاعم الأسماك أمام شواطئ البحر للعمل في تنظيف الأسماك مقابل أجور زهيدة لكل كيلوغرام، أو صندوق يضم 5 كيلوغرامات على الأقل. وهم يجولون على الصيادين الذين يفرشون الأرض برزق البحر، ويوزعونه في صناديق مخصصة للحفظ، وينتظرون العابرين.
وينتمي بكر إلى إحدى أشهر العائلات التي تعمل في الصيد في غزة، ويتوارث أفرادها المهنة من الأجداد، ولديه شقيقان يعملان في الصيد إلى جانب أعمامه وأبنائهم، وهو يساند أشقاءه ووالده في مصاريف المنزل الذي يضم 16 فرداً، علماً أن والده أصيب بإعاقة خلال الصيد قبل خمس سنوات. ويقول لـ"العربي الجديد": "عملت سنة كاملة في مهنة الصيد، وكنت أحصل مرات على أجرة يومية جيدة، ومرات لا أحصل على أجرة جيدة، في وقت تعتبر المهنة خطرة داخل البحر، فقررت أن أعمل في تنظيف الأسماك، علماً أنني أعرف منذ طفولتي أنواع الأسماك كلها، وطرق تنظيفها. واليوم أصبح كثيرون يعملون فيها، وأنا أحاول أن أتميز بالسرعة في التنظيف، وهو ما أعرف به".
وعموماً تستقبل مهن الصيد عمالة الأطفال منذ سنوات الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة، في ظل غياب رقابة السلطات. ويرافق أطفال ذويهم وأشقاءهم للعمل، وأصبح بعضهم يمارسون مهنة تنظيف الأسماك، وبينهم بلال أبو ريالة البالغ (12 عاماً)، وشقيقه ناجي (14 عاماً).
وكان الشقيقان أبو ريالة يساعدان والدهما العاطل عن العمل حالياً في ممارسة مهنة الصيد التي يتقنونها في شكل جيد رغم صغر سنيهما، لكن والدهما رفض أن يعملا فيها بسبب خطورتها، فانتقلا إلى تنظيف الأسماك في نقاط البيع على سيارات تتواجد في شارع الشاطئ المقابل للبحر، ومحلات الأسماك في سوق المخيم.
يقول بلال لـ"العربي الجديد: "أنا ناضج ولست طفلاً. أفهم كثيراً بمهنة الصيد لكنني لا أريد أن يغضب مني والدي، وأعمل مع شقيقي داخل سوق المخيم في أوقات الصباح حتى الظهر، وكذلك قرب بسطات في شارع البحر. وعندما يطلب أحد الزبائن تنظيف أسماك أفعل ذلك بسرعة مع شقيقي. وكلانا نتعاون مع شقيقنا الأكبر سامر في توفير مصاريف المنزل".
وتنظف الأسماك عادة على طاولات خشبية كبيرة، والأجواء تنافسية بين العاملين في بعض أسواق الأسماك، وأحدهم سهم بركات (32 عاماً) الذي عمل حداداً في السابق، قبل أن يتوقف عن ممارسة هذه المهنة، ويعمل في الصيد وتنظيف الأسماك التي اتقنها بعدما عمل صياداً قبل سنوات.
ويقول بركات لـ "العربي الجديد": "كانت مهنة تنظيف الأسماك تقتصر على الصيادين والعاملين في المطاعم، وبعضهم لم يكونوا يبيعون الأسماك منظفة، ما يجعل الزبائن يفعلون ذلك في منازلهم. وقد أوجد الحصار الإسرائيلي هذه المهن، في ظل تقييد مساحة الصيد وعزوف الصيادين عن المهنة. وفي بعض الأحيان يشغّل الناس الأطفال في التنظيف عطفاً عليهم، علماً أنني قد لا أنظف إلّا كيلوغرامين من الأسماك في بعض الأيام".
وتفيد بيانات أصدرتها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في غزة هذا العام بأن 64 في المائة من سكان غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وأن معدل بطالة الشباب تبلغ 64 في المائة أيضاً. وتشير إلى أنّ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بلغ 1049 دولاراً عام 2020، وهو أقل بأربع مرات منه في الضفة الغربية والأردن، لذا يعتمد 80 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية.