تمديد المساعدات إلى منكوبي الزلزال في شمال غرب سورية مدة 3 أشهر

14 مايو 2023
في أحد المخيمات التي تؤوي سوريين تضرّروا من زلزال السادس من فبراير (رامي السيد/ Getty)
+ الخط -

بعد دعوة وجّهتها منظمة العفو الدولية إلى الأمم المتحدة للاستمرار في إيصال المساعدات إلى شمال غرب سورية عبر معبرَين حدوديَّين مع تركيا، أفاد مسؤولون أمميون وآخرون سوريون بأنّ دمشق وافقت على تمديد استخدام المعبرَين ثلاثة أشهر أخرى.

وكانت حكومة النظام السوري قد وافقت، عقب الزلزال المدمّر الذي ضرب شمالي سورية وجنوبي تركيا في السادس من فبراير/ شباط الماضي، على استخدام معبرَي باب السلامة والراعي لإيصال المساعدات إلى المنكوبين مدّة ثلاثة أشهر فقط. ومع انقضاء هذه المدّة، رأت منظمة العفو الدولية أنّ الملايين في سورية ممّن تضرّروا من الزلزال ما زالوا يعتمدون على مساعدات الأمم المتحدة العابرة للحدود. يُذكر أنّ أكثر من أربعة ملايين شخص يعيشون في المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق في الشمال الغربي، وتُعَدّ تلك المناطق من بين الأكثر تضرّراً بالزلزال المدمّر في سورية.

وفي هذا السياق، قالت المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إري كانيكو، أمس السبت، إنّ وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد نقل إلى وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ مارتن غريفيث قرار حكومة دمشق السماح بمواصلة استخدام المعبرَين المذكورَين آنفاً ثلاثة أشهر إضافية.

بدوره، قال مندوب النظام السوري لدى الأمم المتحدة بسام الصباغ، في تغريدة على موقع تويتر، إنّ التمديد أتى بناءً على "إصرار سورية" على تعزيز "الاستقرار وتحسين الظروف المعيشية والإنسانية" لجميع السوريين. أضاف أنّ الخطوة تهدف كذلك إلى تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين في كلّ البلاد.

يُذكر أنّه في سياق دعوة منظمة العفو الدولية أوّل من أمس الجمعة، قالت ممثلتها لدى الأمم المتحدة شيرين تاضروس إنّ "حياة أكثر من أربعة ملايين شخص معرّضة للخطر، فيما القانون الدولي واضح بأنّ حقوقهم تُعَدّ أولوية". ورأت أنّه يتوجّب على "الأمم المتحدة أن تتّخذ موقفاً واضحاً ضدّ التسييس القاسي الذي عرقل العمليات الإنسانية في شمال سورية سنوات عدّة".

وكان نائب منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية للأزمة السورية ديفيد كاردن قد أفاد، خلال زيارة لإدلب في وقت سابق من شهر مايو/ أيار الجاري، بأنّ ألفَي شاحنة عبرت الحدود انطلاقاً من تركيا منذ وقوع الزلزال، وقدّمت مساعدات مختلفة خاصة بالإيواء والغذاء والإمدادات الطبية وغيرها. وقد لفت كاردن إلى أنّ الزلزال دمّر أو ألحق أضراراً بمنازل تعود إلى 855 ألف شخص.

يقول الناشط السوري عدنان الطيب لـ"العربي الجديد" إنّ "أوضاع سكان المخيمات في شمال غرب سورية مأساوية عقب كارثة زلزال السادس من فبراير"، علماً أنّ تلك المخيمات تتوزّع في "ريف حلب الغربي ومناطق عفرين، خصوصاً تلك التي شيّدها الأهالي عقب كارثة الزلزال والتي تفتقر إلى الدعم من نواحي الغذاء والمياه والخدمات". يضيف الطيب أنّ تلك المخيمات "تضرّرت بمعظمعها من جرّاء العواصف الهوائية والمطرية التي ضربت المنطقة، مثل مخيم الجبل في منطقة عفرين وغيره". ويلفت إلى أنّ "الأهالي يطالبون بتوفير سلال غذائية بالحدّ الأدنى وخبز، لا سيّما أنّ مصادر الدخل معدومة".

من جهته، يقول عبد الحق محمد لـ"العربي الجديد" إنّ "البيت الذي كنت أقيم فيه في جنديرس دُمّر من جراء الزلزال، وبعده تنقّلت بين منازل لأقاربي في ريف إدلب. واليوم أقيم في مخيّم لإيواء منكوبي الزلزال في منطقة عفرين". ويؤكد أنّ "الوضع يُرثى له، والمساعدات الإنسانية تصل إلينا بالقطارة"، مضيفاً: "لا أجد عملاً ثابتاً أستطيع من خلاله إعالة أسرتي، والسلة الغذائية التي أحصل عليها مهمة جداً. لذا أتمنّى أن تصل إلينا سلة تكفينا فقط مدّة 20 يوماً في الشهر".

في الإطار نفسه، يقول عضو مجلس إدارة الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) أحمد يازجي، في حديث لـ"العربي الجديد": "المساعدات المنقذة للحياة هي حقّ ولا يجب أن تخضع لابتزاز، ولا يحتاج تمديد الآلية لموافقة مجلس الأمن، وثمّة سند قانوني يؤكد عدم الحاجة إلى موافقة أيّ جهة لإدخالها، إذ يمكن للأمين العام للأمم المتحدة إعطاء الإذن بذلك عبر الحدود من دون تصويت أو موافقة الدولة المعنية". بالنسبة إليه، فإنّ "الحديث عن المعابر وإدخال المساعدات المنقذة للحياة على الرغم من أهميته، هو تحجيم لمطالب السوريين واختزال للقضية السورية بالبعد الإنساني فقط".

الصورة
أطفال سوريون متضررون من زلزال 6 فبراير في شمال غرب سورية (رامي السيد/ Getty)
بين الركام الذي خلّفه الزلزال في شمال غرب سورية (رامي السيد/ Getty)

 
يضيف يازجي أنّ "التوظيف السياسي الروسي لملف المساعدات الإنسانية دون أدنى اعتبار للقيم الإنسانية، جاء مستفيداً من الوضع الدولي الراهن وغياب الجدية في التعاطي مع الملف السياسي في سورية، ويشكّل هذا التوظيف عامل تهديد للوضع الإنساني في شمال غرب سورية، خصوصاً بعد كارثة الزلزال المدمّر، الأمر الذي يهدّد حياة أكثر من أربعة ملايين مدني، نصفهم مهجرون".

ويشدّد يازجي على أنّه "لا يمكن القبول باستمرار إخضاع الملف الإنساني والمساعدات المنقذة للأرواح للابتزاز الروسي، ولا يمكن القبول بتحوّل المساعدات الإنسانية إلى سلاح بيد روسيا ونظام الأسد الذي يقوم بتسييس توزيعها في مناطق سيطرته أو سرقتها، في حين يُحرَم المدنيون منها. كذلك لا يمكن منح نظام الأسد مزيداً من السيطرة على المساعدات الإنسانية من خلال الضغط لزيادة التسليم عبر الخطوط، ليتحكّم في عبور المساعدات وإهانة كرامة من هجّرهم، عبر إجبارهم على استلام دوائهم وغذائهم منه، وهو المسؤول عن معاناتهم". 
 
ويتابع يازجي أنّ "الأزمة الإنسانية التي يعيشها المدنيون في سورية انعكاس لغياب الحلّ السياسي وتجاهل المجتمع الدولي تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254"، مشدّداً على أنّ "الوصول إلى المساعدات الإنسانية بكرامة ومن دون تسييس هو حقّ أساسي للمحتاجين، لا يجب أن يخضع في الأساس للتفاوض الدوري في مجلس الأمن".

وعن الوضع الإنساني في الشمال السوري بعد الزلزال، يقول يازجي إنّ "الاحتياجات الإنسانية تزداد بشكل كبير في ظلّ ضعف البنى التحتية وغياب مقوّمات الحياة، خصوصاً في المخيمات، وتهديد الكوليرا حياة السكان، واستمرار الهجمات العسكرية وتهديدها استقرار السكان ومصادر دخلهم". يضيف يازجي أنّ آثار الزلزال المدمّر لم تقتصر على الضحايا، فهي "امتدّت لتشمل مختلف نواحي الحياة من سكن وتعليم وصحة وخدمات، مع فقدان عشرات آلاف العائلات منازلها في ظّل أزمة إنسانية غير مسبوقة، خلّفتها سنوات من التهجير والحرب مع نحو مليونَي شخص في مخيّمات النزوح، واحتياجات هائلة بعد فقدان الناس مصادر رزقهم، ودمار البنية التحتية وخطوط المياه والصرف الصحي في مناطق كثيرة، الأمر الذي يزيد من احتمالات تفشّي الكوليرا وتهديد حياة السكان".

ويكمل يازجي أنّ "انعدام الأمن الغذائي وصل إلى مستويات قياسية، إذ يعاني 80 في المائة من السوريين من انعدام الأمن الغذائي، ويعيش أكثر من 90 في المائة تحت خط الفقر، في حين ارتفع سعر سلة الغذاء بنسبة 85 في المائة مقارنة بالعام الماضي، وارتفع عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية ليبلغ 14.6 مليون شخص". ويشدّد على أنّ "البنى التحتية تحتاج إلى إعادة تأهيل، خصوصاً المدارس وخدمات الإصحاح، إلى جانب تحسين مستوى الخدمات في المخيمات لتحققّ الحد الأدنى من مقومات الحياة البشرية".

ويوضح يازجي أنّ "نحو مليونَي شخص كانوا يعيشون في مخيمات النزوح قبل الزلزال المدمّر الذي أتى ليفاقم المعاناة. فقد صار سكان آخرون مشرّدين الآن". ويؤكد أنّ "السوريين في حاجة ماسة إلى كلّ شيء، وهم يعيشون كارثة إنسانية حقيقة، وفي حاجة إلى المساعدات المنقذة للحياة وإلى تحقيق الاستقرار والتعافي والتنمية المستدامة في المجتمعات المتضرّرة. وهم في حاجة إلى العودة إلى ديارهم بأمان وكرامة... باختصار هم في حاجة إلى العدالة".